دمشق تُواجه اختبار الجنوب: هل تخرج السويداء عن السيطرة؟

دمشق تُواجه اختبار الجنوب: هل تخرج السويداء عن السيطرة؟

دمشق تُواجه اختبار الجنوب: هل تخرج السويداء عن السيطرة؟
الجيش السوري

لم تكن محافظة السويداء يومًا مجرد هامش في الجغرافيا السورية، بل لطالما شكلت عقدة تاريخية حساسة في المعادلة السياسية والطائفية للبلاد، واليوم، تعود المدينة ذات الغالبية الدرزية إلى واجهة المشهد مجددًا، ولكن عبر بوابة الفوضى، انفجرت الاشتباكات بين عناصر مسلحة درزية وعشائر بدوية مدعومة من القوات الحكومية، في مشهد يعيد إلى الأذهان أكثر مراحل الحرب الأهلية السورية تعقيدًا، ومع سقوط ما يزيد عن 100 قتيل خلال أيام، وفرض حظر تجوال مشدد، باتت السويداء عنوانًا لأزمة لا تنذر فقط بانهيار التماسك الأهلي، بل تكشف أيضًا عن هشاشة المشهد الأمني لما بعد الأسد، وتفتح الأبواب أمام تدخلات خارجية تتقدمها إسرائيل.

الخروج عن السيطرة


اندلعت شرارة المواجهات في السويداء مع أولى ساعات صباح الأحد، حين تحوّل خلاف مسلح بين مجموعات درزية وعشائرية إلى اشتباكات عنيفة في حي المقوّس شرقي المدينة، قبل أن تتسع رقعتها باتجاه الأطراف الغربية.


وسرعان ما دخلت عناصر من الجيش السوري والأمن الداخلي إلى خط المواجهة، ما فاقم الموقف، خصوصًا بعد مقتل 18 عنصرًا من الجيش في كمين مسلح نُسب إلى مجموعات درزية محلية، يُعتقد أنها تعمل خارج السيطرة الرسمية.


هذه التطورات دفعت حكومة دمشق إلى إعلان حظر تجوال شامل ابتداء من صباح الثلاثاء، مع إطلاق عملية أمنية لتطويق ما وصفته بـ"مجموعات خارجة عن القانون". وفي خطاب رسمي، تحدث وزير الداخلية أنس خطاب عن "غياب مؤسسات الدولة" كمسبب مباشر للتوتر، داعيًا إلى استعادة السيطرة عبر فرض الأمن بالقوة.

احتواء النزاع


غير أن هذه المقاربة اصطدمت بردود فعل متفاوتة داخل المجتمع الدرزي، ففي حين رحبت الرئاسة الروحية للموحدين الدروز بدخول القوات الحكومية بشرط احترام التقاليد المحلية وفتح حوار جاد مع أبناء المحافظة، أبدت مرجعيات أخرى، مقربة من الشيخ حكمت الهجري، معارضتها التامة لأي وجود أمني خارجي، محذرة من "فتنة داخلية" ورافضة أي تعاون مع من وصفتهم بـ"الفصائل التكفيرية" التي شاركت في قصف القرى الدرزية.


من جانبه، صرّح العميد أحمد الدالاتي، قائد قوى الأمن في السويداء، أن العملية العسكرية ستُستكمل لـ"ضمان استقرار المحافظة"، داعيًا القيادات المحلية للتعاون الكامل مع الدولة، لكن دعوته تزامنت مع توسع دائرة الاشتباكات باتجاه ريف درعا الشرقي، ما كشف عن ضعف قدرة الدولة المركزية على احتواء النزاع.


ويأتي هذا التصعيد بعد أشهر من تعثر جهود استعادة السيطرة الحكومية على السويداء، التي بقيت في حالة شبه استقلال إداري وأمني منذ الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر الماضي. وخلال تلك الفترة، نشأت قوى محلية مسلحة متعددة الولاءات، بعضها موالٍ للمرجعيات الدينية، وبعضها الآخر يعمل تحت رايات فصائل عسكرية تموّلها جهات خارجية.

تدخل إسرائيلي


الأخطر في المشهد هو دخول العامل الإسرائيلي على الخط، حيث أعلنت تل أبيب استهدافها دبابات سورية قرب السويداء، بحجة "الدفاع عن الطائفة الدرزية"، في تدخل يعيد التذكير بتجارب سابقة استخدمت فيها إسرائيل الملف الدرزي ذريعة للتدخل في العمق السوري.


مراقبون يرون أن هذا التحرك يهدف لتفتيت النسيج الوطني عبر تغذية التناقضات الطائفية، ودفع دمشق نحو مزيد من العسكرة والانقسام، بما يُفسح المجال لتطبيع أمني مع تل أبيب في إطار ترتيبات ما بعد الحرب.


من جهة أخرى، يرى المحللون أن السويداء أصبحت ساحة اختبار حقيقية لقدرة الحكومة المؤقتة في دمشق على بسط سيادتها دون السقوط في فخ الإقصاء أو الاستقواء. فالمعادلة في الجنوب باتت شديدة الحساسية، في ظل وجود قوات أجنبية، ومطالب محلية تتراوح بين الحكم الذاتي الكامل والتعاون المشروط مع الدولة.


وفي هذا السياق، دعت الرئاسة الروحية للموحدين إلى وقف إطلاق النار وبدء حوار سوري–سوري جاد، شرط أن يشمل ضمانات بعدم إدخال قوى عسكرية خارجية أو عناصر أمنية مشبوهة إلى السويداء، مشيرة إلى ضرورة أن تكون القوى الأمنية والشرطية من أبناء المحافظة أنفسهم.

لحظات فارقة


يرى الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد شيخو، أن ما يجري في السويداء يتجاوز مجرد "أعمال عنف متفرقة"، قائلاً: "نحن أمام لحظة فارقة في مسار الجنوب السوري، فالصراع اليوم هو بين نموذج دولة مركزية تحاول العودة بالقوة، وبين مكونات محلية تسعى لتثبيت نوع من الحكم الذاتي القائم على المرجعيات الدينية والعشائرية".


ويضيف شيخو - في حديثه لـ"العرب مباشر" - الحكومة المؤقتة أمام اختبار حقيقي: هل ستراهن على الحسم العسكري فقط، أم ستفتح قنوات حوار مع الفصائل المحلية؟ وفي كلا الحالتين، المطلوب هو تحييد الدور الخارجي، وخاصة الإسرائيلي، الذي يسعى لإشعال نزاعات داخلية تُمكنه من فرض واقع أمني يخدم مصالحه.

 

ويُؤكد شيخو، أن "السويداء لن تستقر إلا ضمن مشروع وطني جامع، يُعيد الاعتبار للمؤسسات ويُشرك المكونات الدينية والعشائرية في صياغة الحل، بعيدًا عن منطق القمع أو التبعية"، محذرًا من أن استمرار الاشتباكات سيدفع إلى تدخلات إقليمية أكثر خطورة.