موجات الارتداد.. كيف كشف زلزال إسطنبول هشاشة الاستعدادات؟

موجات الارتداد.. كيف كشف زلزال إسطنبول هشاشة الاستعدادات؟

موجات الارتداد.. كيف كشف زلزال إسطنبول هشاشة الاستعدادات؟
زلزال في إسطنبول

لم تكن إسطنبول، التي تعوّدت على إيقاع الحياة السريع وضجيجها الحضري، تتوقع أن تستيقظ على سلسلة من الهزات الأرضية التي لم تهز الأرض فحسب، بل أيقظت مخاوف كامنة منذ سنوات. 

زلزال بلغت قوته 6.2 درجات في بحر مرمرة، لم يكن حدثًا منعزلًا، بل نقطة انطلاق لعشرات الهزات الارتدادية التي بلغت حتى الآن أكثر من 185 هزة، وعلى الرغم من أن هذه الموجة الأخيرة لم تُخلّف دمارًا واسع النطاق، فإنها وضعت البنية التحتية على المحك، وطرحت تساؤلات جوهرية حول جاهزية المدينة لمواجهة كارثة زلزالية محتملة، ومع ورود تحذيرات رسمية من استمرار النشاط الزلزالي في الأيام القادمة، يجد سكان المدينة أنفسهم بين اليقظة والترقب، بينما تواصل السلطات تقييم الأضرار والتأكيد على إجراءات السلامة العامة.

*185 هزة في 48 ساعة*


في تطور زلزالي مثير للقلق، سجلت مدينة إسطنبول ومحيطها أكثر من 185 هزة ارتدادية في أقل من 48 ساعة، وذلك عقب زلزال بلغت قوته 6.2 درجات على مقياس ريختر، وقع مساء الأربعاء في بحر مرمرة.

الزلزال الذي وقع على عمق متوسط قبالة الساحل الشمالي الغربي لتركيا، أثار موجة من القلق في واحدة من أكثر المدن التركية كثافة سكانية وأهمية اقتصادية.

ووفق بيان صادر عن هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، فإن الزلزال لم يسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح، لكنه أدى إلى إصابة 236 شخصًا، بينهم 173 في إسطنبول وحدها.

معظم الإصابات نتجت عن حالات ذعر وهلع، بينها حالات قفز من النوافذ، في مشهد أعاد للأذهان الزلازل القوية السابقة.

وأكد وزير الصحة التركي كمال مميش أوغلو، أن 15 مصابًا فقط ما زالوا يتلقون العلاج في المستشفيات، بينما غادر الآخرون بعد تلقي الإسعافات.

وأشار إلى أن السلطات الصحية كانت على أهبة الاستعداد منذ اللحظة الأولى، وأن فرق الطوارئ استجابت بسرعة.

وفيما يُعد تطورًا لافتًا، دعت آفاد المواطنين إلى تجنب دخول الأبنية المتضررة حتى يتم الانتهاء من الفحوصات الهندسية اللازمة.

وأضافت الهيئة، أن الأنشطة الزلزالية الحالية تتمركز على امتداد خط بطول يتراوح بين 10 و15 كيلومترًا، وأن الهزات الارتدادية قد تستمر لأيام.

وتمثل إسطنبول نقطة حرجة على خارطة النشاط الزلزالي في تركيا، حيث تقع بالقرب من صدع شمال الأناضول، وهو من أخطر الفوالق الزلزالية في العالم.

وتشير دراسات حديثة إلى احتمال كبير لوقوع زلزال مدمر في المنطقة في غضون العقود القادمة، ما يجعل أي هزة أرضية تُعاش حاليًا بمثابة بروفة واقعية لكارثة محتملة.

*سلوك طبيعي*


في هذا السياق، يرى خبراء الزلازل أن تكرار الهزات الارتدادية ليس مفاجئًا، بل هو سلوك طبيعي للطبقات الجيولوجية التي لا تزال تحت تأثير الضغط الناتج عن الزلزال الأساسي. 

ويقول الدكتور بولنت كايا، أستاذ الجيوفيزياء في جامعة إسطنبول التقنية: إن "النشاط الزلزالي الحالي لا يعني بالضرورة أن هناك زلزالًا أكبر قادم، لكنه يؤكد أن المنطقة لا تزال نشطة جدًا" .

وأشار كايا إلى أن ما يقلق المجتمع العلمي هو حالة التراخي العام في تحديث البنية التحتية، خصوصًا الأبنية القديمة التي لم تخضع لتعزيزات مقاومة الزلازل رغم التحذيرات المتكررة.

من جانبه، أكد رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، أن السلطات المحلية تعمل على تسريع فحص الأبنية، خصوصًا في الأحياء العشوائية ذات الكثافة السكانية العالية، وأن برامج التوعية الطارئة ستُفعّل في المدارس والمراكز المجتمعية خلال الأيام المقبلة.

وفي ظل استمرار الهزات، صدرت تعليمات واضحة من الجهات المعنية للسكان بضرورة اتباع تعليمات السلامة، مثل التواجد في مناطق مفتوحة، وتجنب استخدام المصاعد، وعدم العودة إلى الأبنية المتصدعة إلا بعد إعلان نتائج الفحوصات الرسمية.

وفي خضم هذه الحالة من الترقب، يزداد الوعي العام بأهمية الاستعداد المسبق، خصوصًا في ظل التجارب السابقة التي أثبتت أن الكارثة لا تمنح إنذارًا كافيًا. 

وبينما تواصل الأرض حركتها الطبيعية تحت أقدام السكان، تتحرك الدولة، ببطء وربما متأخرة، نحو سياسات أكثر جدية في إدارة المخاطر الزلزالية.