قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين.. رسائل متبادلة وغياب النتائج الحاسمة

قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين.. رسائل متبادلة وغياب النتائج الحاسمة

قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين.. رسائل متبادلة وغياب النتائج الحاسمة
ترامب وبوتين

لم تأتِ القمة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا بما كان يتطلع إليه المراقبون من اختراق في ملف الحرب الأوكرانية. 


فبعد ثلاث ساعات من المحادثات التي وُصفت بـ"المثمرة"، اكتفى الطرفان بتصريحات عامة عن "إحراز تقدم"، من دون أي التزام واضح بوقف إطلاق النار أو جدول زمني للتفاوض.

لكن ما بدا فشلاً دبلوماسيًا من زاوية النتائج، قد يحمل بين السطور دلالات أعمق، فترامب يسعى لإظهار نفسه كصانع سلام قبل الانتخابات الأميركية، فيما وجد بوتين في مجرد الجلوس مع رئيس أميركي نافذة لإعادة إدماج روسيا في المشهد الدولي بعد عزلة غربية ممتدة منذ 2022.

الحرب الأطول في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية

الحرب الأوكرانية، التي دخلت عامها الرابع، صارت بحسب ترامب "الأكثر دموية تشهدها أوروبا منذ ثمانية عقود"، حيث حصدت أرواح مئات الآلاف بين قتلى وجرحى، ودمرت بنية تحتية استراتيجية.

 ومنذ اجتياح روسيا الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، ظلّ الغرب بقيادة الولايات المتحدة يسعى لردع موسكو عبر العقوبات والدعم العسكري لكييف، بينما تراهن روسيا على استنزاف خصومها وإجبارهم على قبول الأمر الواقع.


تقدم غامض بلا التزامات

انعقد اللقاء في أجواء احتفالية، إذ استُقبل بوتين بساط أحمر في قاعدة جوية بألاسكا، وسط مراسم رسمية عكست رغبة ترامب في إظهار مرونة، ربما في محاولة لإقناع الداخل الأميركي بأنه قادر على إدارة الملف الروسي.

لكن ما أعقب الاجتماع كان محبطًا: لم يُعلن عن أي وقف لإطلاق النار، ولم تُكشف تفاصيل القضايا التي زُعم إحراز تقدم بشأنها.

 اكتفى ترامب بالقول: "لقد أحرزنا بعض التقدم.. لا يوجد اتفاق حتى يتم التوصل إلى اتفاق". أما بوتين فاعتبر أن المحادثات تمثل "نقطة بداية" نحو حل للصراع، من دون أي التزامات عملية.

اتصالات لاحقة… وطمأنة الحلفاء

عقب القمة، أجرى ترامب مكالمة مطوّلة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من الطائرة الرئاسية، وأبلغ قادة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بمضمون محادثاته مع بوتين. 

هذه الخطوة اعتُبرت محاولة لطمأنة الحلفاء الغربيين الذين يخشون أي صفقة منفردة بين واشنطن وموسكو قد تأتي على حساب مصالح كييف.

مواقف متعارضة.. ومؤشرات للقاء ثلاثي 

بدت المواقف خلال القمة متباعدة أكثر مما هي متقاربة؛ فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شدد على رفضه تقديم أي تنازلات إقليمية لروسيا، مؤكدًا أن بلاده تحتاج إلى ضمانات أمنية صلبة مدعومة أميركيًا، في وقت أعاد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التأكيد على ضرورة معالجة ما وصفه بـ"الأسباب الجذرية للنزاع"، في إشارة إلى توسع الناتو والدور الغربي في أوكرانيا. 

أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد لمح إلى إمكانية عقد لقاء ثلاثي يجمعه ببوتين وزيلينسكي، لكنه لم يقدّم تفاصيل واضحة، ما ترك الانطباع بأن المقترح ما يزال في مرحلة الأفكار الأولية أكثر من كونه خطة عملية قابلة للتنفيذ.

رسائل اقتصادية متناقضة

أحد الجوانب اللافتة في تصريحات ترامب كان إعلانه تأجيل فرض رسوم جمركية على الصين، رغم انتقاده شراءها النفط الروسي.

 وفي الوقت ذاته، لوّح بعقوبات إضافية ضد موسكو لكنه لم يحدد موعدًا أو آلية. هذا التردد فُسّر على أنه محاولة للموازنة بين الضغط على روسيا وترك الباب مفتوحًا أمام صفقة محتملة.

المكاسب الرمزية لبوتين

رغم غياب النتائج، خرج بوتين من القمة بمكاسب سياسية رمزية، من بينها جلوسه وجهًا لوجه مع رئيس أميركي بعد عزلة استمرت أكثر من عامين، وحظي بتغطية إعلامية غربية أعادت صورته كفاعل رئيسي لا يمكن تجاوزه في الساحة الدولية.

المخاوف الأوكرانية والرهان الأميركي

فيما مازالت كييف متخوفة من أن يسعى ترامب إلى "تجميد النزاع" من دون إلزام روسيا بالانسحاب من الأراضي المحتلة، وهو ما اعتبره بعض النواب الأوكرانيين "شراءً للوقت لصالح بوتين".

في المقابل، يرى ترامب أن مجرد إطلاق مسار تفاوضي – حتى من دون نتائج فورية – يمكن أن يُترجم لاحقًا إلى نجاح انتخابي داخلي، خاصة بعد أن كرر خلال حملته الانتخابية وعده بإنهاء الحرب "خلال 24 ساعة".

وفي قراءة مستقبلية للمشهد، قال المحلل السياسي محمد المنجي: إن الحرب في أوكرانيا ما تزال تراوح مكانها عسكريًا، فالمعارك الميدانية تزداد عنفًا مع تكثيف روسيا هجماتها في الشرق، فيما تلجأ كييف إلى تكتيك الطائرات المسيّرة داخل العمق الروسي لخلق حالة استنزاف متبادل. 

ويرى المنجي، أن هذه الصورة الميدانية تُضعف أي توقعات بوقف قريب لإطلاق النار، لأن الطرفين يعتقدان أن بإمكانهما تحسين موقعهما التفاوضي عبر مزيد من الضغط العسكري.

أما على المستوى الدبلوماسي، فأوضح المنجي -في تصريحات للعرب مباشر-، أن القمة في ألاسكا لم تُنتج اتفاقات عملية، لكنها أظهرت على الأقل أن هناك استعدادًا لفتح قناة حوار مباشر بين واشنطن وموسكو، وهو ما قد يمهّد لعقد لقاء ثلاثي يضم ترامب وبوتين وزيلينسكي، أو الدخول في جولة جديدة من المحادثات متعددة الأطراف.

 وبرأي المنجي، فإن هذه الإشارات وإن كانت محدودة، إلا أنها قد تُعطي انطباعًا بأن واشنطن تحاول اختبار نوايا موسكو من دون أن تقدم أي التزامات واضحة.

وعلى الصعيد الاستراتيجي، أكد المنجي أن بوتين سيواصل الرهان على عنصر الوقت، إذ يدرك أن طول أمد الحرب قد يرهق العواصم الغربية اقتصاديًا وسياسيًا، ويضعف الحماسة لدعم أوكرانيا بلا سقف زمني. 

وفي المقابل، يحاول ترامب أن يقدم نفسه بوصفه رجل الصفقات القادر على فرض تسوية كبرى، وهو ما ينسجم مع خطابه الانتخابي الذي يَعِد بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة من توليه الرئاسة. 

وأضاف المنجي: "من الواضح أن ترامب يسعى لاستخدام ملف أوكرانيا كورقة انتخابية، إذ يريد أن يثبت للناخب الأميركي أنه قادر على التحدث مباشرة مع بوتين وإيجاد حلول حيث فشل الآخرون، لكن في الواقع هذا المسار يظل محفوفًا بعقبات كبرى مرتبطة بتوازنات القوة وتعقيدات الميدان"، مشيرًا أن "أوكرانيا نفسها ما زالت ترفض أي تسوية على حساب وحدة أراضيها، وهو ما يجعل طريق المفاوضات أكثر تعقيدًا".