معركة النفوذ داخل تنظيم الإخوان.. هل تطيح جبهة لندن بـ المرشد ؟
معركة النفوذ داخل تنظيم الإخوان.. هل تطيح جبهة لندن بـ المرشد ؟

تتصاعد حدة الصراعات الداخلية داخل جماعة الإخوان مع استمرار الانقسام بين جبهتي لندن وإسطنبول؛ مما يهدد بتفتيت التنظيم الذي يواجه أزمة قيادية غير مسبوقة.
في ظل هذا التوتر، تسعى جبهة لندن بقيادة صلاح عبد الحق إلى فرض سيطرتها عبر إعادة هيكلة الجماعة وانتخاب قيادة جديدة، بينما تصر جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين على رفض شرعية هذه التحركات، وتتمحور الخلافات حول مستقبل القيادة التنظيمية، مع وجود نوايا لعزل المرشد العام محمد بديع، المحكوم بالسجن في مصر، واستبداله بقيادة جديدة تواكب المستجدات السياسية والتنظيمية.
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه الجماعة تراجعًا في تأثيرها الإقليمي وتزايد الانقسامات الداخلية، ما يطرح تساؤلات حول مستقبلها وقدرتها على البقاء ككيان موحد.
*صراع على النفوذ*
تواجه جماعة الإخوان واحدة من أشد أزماتها الداخلية، حيث تتصاعد حدة الانقسامات بين جناحيها المتنازعين: جبهة لندن، بقيادة صلاح عبد الحق، وجبهة إسطنبول، التي يقودها الأمين العام السابق محمود حسين.
وفي ظل هذه التوترات، عقدت الهيئة الإدارية العليا لجبهة لندن اجتماعًا في يناير الماضي لمناقشة مقترح شامل لإعادة هيكلة التنظيم وانتخاب قيادة جديدة، بهدف إنهاء حالة الشلل التنظيمي التي تعاني منها الجماعة منذ سنوات.
ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن المحور الأساسي لهذه التحركات يتمثل في عزل المرشد العام محمد بديع (82 عامًا)، الذي يقضي عقوبات مشددة في السجون المصرية، وتنصيب قيادة جديدة تتمتع بصلاحيات أوسع لإدارة شؤون الجماعة داخليًا وخارجيًا.
كما تسعى جبهة لندن إلى قطع الطريق أمام جبهة إسطنبول، التي تمكنت خلال الفترة الأخيرة من استقطاب عدد من القيادات الوسطى وتحقيق مكاسب تنظيمية دفعت بالصراع إلى مستويات غير مسبوقة.
*أي جبهة ستكسب الصراع؟*
تستند جبهة إسطنبول إلى قاعدة قوية داخل الجماعة، حيث ترفض الاعتراف بشرعية التحركات التي يقودها عبد الحق، في وقت سابق، أصدرت هذه الجبهة قرارات بفصل قيادات جبهة لندن، معتبرة أن أي محاولة لتغيير القيادة دون إجماع تنظيمي تعد خروجًا عن الأطر المعتمدة داخل الجماعة.
وتؤكد مصادر مقربة من جبهة إسطنبول، أن محمود حسين يرى في هذه التحركات محاولة "غير شرعية" للانفراد بالقرار واستبعاد القيادات التاريخية التي لا تزال تتمتع بنفوذ كبير داخل التنظيم.
من ناحية أخرى، يرى عبد الحق أن الجمود التنظيمي والتراجع السياسي للجماعة يستدعي إحداث تغيير جذري، ما دفعه إلى دراسة تشكيل لجنة شرعية لا تقتصر على أعضاء الجماعة في مصر فقط، بل تضم شخصيات إخوانية من دول مختلفة لإضفاء بعد دولي على قراراتها.
ومن المتوقع أن تتولى هذه اللجنة مهمة البتّ في مصير بديع، وإصدار فتاوى بشأن مستقبل الجماعة وخياراتها الاستراتيجية.
*تحديات الهيكلة الجديدة*
تاريخيًا، نصت اللائحة الداخلية للإخوان على استمرار القيادات المسجونة في مناصبها التنفيذية، وهو ما يزيد من تعقيد جهود الإطاحة ببديع.
ورغم محاولات عبد الحق لتجاوز هذا العرف، إلا أن نجاحه في تحقيق ذلك يظل مرهونًا بمدى قدرته على استقطاب دعم داخلي كافٍ لمشروعه.
في السياق ذاته، تواجه الجماعة أزمة شرعية داخلية، إذ يعتمد النظام التنظيمي التقليدي على مبدأ "السمع والطاعة" للمرشد العام، ما يجعل أي محاولة لتغييره دون إجماع تنظيمي محفوفة بالمخاطر.
ويعتقد مراقبون، أن جبهة لندن قد تجد نفسها أمام معارضة شرسة، خاصة إذا ما تمكنت جبهة إسطنبول من حشد التأييد الداخلي والخارجي ضد هذه التحركات.
ضمن مساعيها لتعزيز شرعيتها، تخطط جبهة لندن لإنشاء لجنة شرعية ستكون مسؤولة عن إصدار الفتاوى الرسمية باسم الجماعة، ما يمنحها نفوذًا واسعًا على الخطاب الديني الداخلي.
وبحسب المصادر، فإن اللجنة ستكون مكلفة بمراجعة شرعية بقاء بديع في منصبه، بالإضافة إلى تقديم رؤى دينية حول القضايا التي تواجه الجماعة، خصوصًا فيما يتعلق بالتعامل مع السجناء، وإدارة العلاقة مع التيارات الإسلامية الأخرى.
وقد كلف عبد الحق نائبه محيي الدين الزايط بمتابعة تشكيل اللجنة، والتي من المتوقع أن تضم شرعيين من عدة دول، في محاولة لكسب دعم دولي لقراراتها.
وكان عبد الحق يخطط لتعيين القيادي العراقي محمد أحمد الراشد رئيسًا لهذه اللجنة، غير أن الأخير اعتذر قبل وفاته في أغسطس الماضي، ومع ذلك، ما يزال النقاش مفتوحًا حول هوية الشخصية التي ستقود هذه اللجنة وتأثيرها على مستقبل الجماعة.
*القضية المالية وتحديات التمويل*
إلى جانب الأزمة التنظيمية، تعاني الجماعة من مشكلات مالية حادة، خاصة بعد تضييق الخناق على مصادر تمويلها في العديد من الدول.
وتشير التقارير، أن العديد من الكوادر التنظيمية بدأت تفقد الثقة في قدرة القيادة الحالية على إدارة الأزمة المالية، ما قد يعزز الانقسامات الداخلية.
وتواجه جبهة لندن تحديًا إضافيًا يتمثل في إثبات قدرتها على تأمين تمويل كافٍ لدعم مشاريعها التنظيمية، خصوصًا أن جبهة إسطنبول لا تزال تحتفظ بنفوذ قوي في شبكات الدعم المالي التقليدية للجماعة.
*مستقبل الجماعة*
في ظل هذه الصراعات المتصاعدة، تبقى الخيارات المتاحة أمام الجماعة محدودة، حيث يواجه كل طرف تحديات كبيرة في فرض رؤيته على التنظيم، فبينما تسعى جبهة لندن إلى فرض قيادة جديدة وإعادة هيكلة التنظيم، تتمسك جبهة إسطنبول بالوضع القائم، مدعومة بشرعية تاريخية ونفوذ تنظيمي واسع.
ويعتقد مراقبون، أن استمرار هذا النزاع دون حلول توافقية قد يؤدي إلى تفكك التنظيم بشكل أكبر، وربما يدفع إلى ظهور تيارات جديدة خارجة عن السيطرة التقليدية للجماعة.
في النهاية، يظل مستقبل الإخوان المسلمين رهينًا بمدى قدرتهم على تجاوز خلافاتهم الداخلية والتوصل إلى رؤية موحدة تضمن بقاءهم كقوة سياسية وتنظيمية. لكن مع استمرار الصراعات الحالية، فإن الجماعة تبدو اليوم أبعد ما تكون عن تحقيق هذا الهدف.