حكومة فرنسا في مهب الريح.. تصويت حاسم على الثقة
حكومة فرنسا في مهب الريح.. تصويت حاسم على الثقة

في لحظة فارقة في تاريخ السياسة الفرنسية، يواجه رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بيرو اختبارًا صعبًا يحدد مصير حكومته ويهدد استقرار البلاد.
في تصويت حاسم على الثقة، يُحتسب يوم الأربعاء بمثابة التحدي الأكبر له في مسيرته السياسية، حيث ستكون أولى الخطوات التي قد تؤدي إلى إما استمراره في منصبه أو سقوطه؛ مما يترك فرنسا على شفا أزمة سياسية واقتصادية معقدة.
منذ توليه المنصب -في وقت سابق من هذا العام-، كان بيرو بمثابة الأمل الأخير للرئيس إيمانويل ماكرون في تجاوز الأزمة السياسية التي اندلعت بعد الانتخابات التشريعية التي دُعي إليها الرئيس على عجل الصيف الماضي.
مع حلول هذا اليوم الحاسم، أصبحت مصير حكومته معلقًا في أيدي أعضاء البرلمان الفرنسي، حيث سيصوتون على اقتراحات بحجب الثقة، في خطوة قد تؤدي إلى تغيير جذري في الساحة السياسية.
لحظة حاسمة في حياة بيرو
بعد عقود من العمل السياسي الذي جعله يحظى باحترام واسع في الأوساط السياسية الفرنسية، يجد بيرو نفسه اليوم في موقف صعب.
إذا سقطت حكومته، فإن ذلك سيؤكد على أنه أقصر رئيس وزراء في تاريخ الجمهورية الفرنسية الحديثة، وهو ما قد يسجل نقطة فارقة في مسيرته السياسية.
في حالة سقوطه، ستكون فرنسا أمام تحدٍ أكبر، حيث ستواجه البلاد أزمة سياسية حادة في ظل غياب الحكومة ووجود تساؤلات حول قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية.
أمل ماكرون في بيرو
ينظر إلى بيرو كحلقة وصل بين مختلف التيارات السياسية الفرنسية، وخاصة في ظل غياب الأغلبية المريحة لحكومة ماكرون.
وعليه، فإن فشل بيرو في تجاوز هذا الاختبار يعني، وفقًا للخبراء، أن فرنسا ستدخل في دوامة من الاضطراب السياسي والاقتصادي.
ويرى برونو جانبارت، خبير استطلاعات الرأي في مؤسسة "OpinionWay"، أن فشل بيرو سيضع علامات استفهام كبيرة حول قدرة أي شخص آخر في الوسط على إيجاد حلول للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد.
المناورات السياسية على حافة الهاوية
المناورة التي أقدم عليها بيرو مؤخرًا باستخدام المادة 49 من الدستور الفرنسي، والتي سمحت له بتمرير أجزاء من خطط الإنفاق لعام 2025 دون تصويت، هي خطوة جريئة في وقت حساس، ولكن، كما جرت العادة، يترتب على هذه المناورة أن يكون البرلمان قادرًا على الرد من خلال تصويت بحجب الثقة.
هذه المناورة أظهرت عجز الحكومة عن تمرير خططها دون اللجوء إلى الحيلة الدستورية، ما يعكس ضعفًا في موقف الحكومة.
وبدعم من ائتلاف فضفاض يضم وسطيين ومحافظين، يواجه بيرو اليوم اختبارًا مصيريًا، ولكي ينجو من التصويت، سيحتاج إلى أن يمتنع جزء من المعارضة عن التصويت مع خصومه.
في حال حدوث ذلك، فإن سعيه للبقاء في السلطة سيعتمد على قدرة فريقه في المناورة السياسية مع التيارات المتعارضة في البرلمان.
تحديات اليمين واليسار
من جهة اليمين، يتوقف قرار حزب "التجمع الوطني" بقيادة مارين لوبان على ما إذا كان سيسمح لبيرو بالاستمرار في منصبه أم لا، وفي الوقت ذاته تبقى الأنظار مشدودة إلى الاشتراكيين، الذين أعلنوا عن معارضتهم لبعض سياسات الحكومة، خاصة تلك المتعلقة بالزيادات الضريبية وتقليص الإنفاق، ورغم هذا، فإنهم لا يرغبون في أن يؤدي تصويتهم إلى سقوط الحكومة، وهو موقف معقد قد يؤثر على توازنات التحالفات السياسية في البلاد.
فرصة جديدة للتوحيد
في حالة فوز بيرو في تصويت الثقة، قد يسهم ذلك في إعادة رسم المشهد السياسي الفرنسي، الذي يعاني من انقسامات شديدة بين التيارات السياسية المختلفة، إذا نجح في جذب بعض النواب الاشتراكيين إلى صفه، فقد يحدث تحول ملموس في التوازنات السياسية، وهو ما قد يفتح المجال لتحقيق بعض الإصلاحات التي كانت مستحيلة في ظل الاستقطاب الحاد بين الأطراف السياسية.
من جهة أخرى، يبدو أن زعيم حزب "فرنسا الأبية"، جان لوك ميلانشون، لن يسهل الأمور لبيرو، حيث اعتبر أن أي محاولة من الاشتراكيين للتعاون مع الحكومة ستسهم في تعميق الانقسام داخل الجبهة اليسارية، وهو ما يهدد التحالفات اليسارية في البرلمان.
وبينما يعيش بيرو لحظات مفصلية في مسيرته السياسية، فإن استقرار فرنسا في المستقبل القريب يعتمد بشكل كبير على نتيجة تصويت الثقة الذي سيحدد مصير حكومته، وفي حالة فشله، ستواجه البلاد المزيد من الغموض السياسي والمخاوف الاقتصادية، خاصة في ظل تحدياتها الداخلية والضغوط الخارجية.