اعتراض أسطول الصمود في المياه الدولية يثير أزمة دبلوماسية جديدة لإسرائيل

اعتراض أسطول الصمود في المياه الدولية يثير أزمة دبلوماسية جديدة لإسرائيل

اعتراض أسطول الصمود في المياه الدولية يثير أزمة دبلوماسية جديدة لإسرائيل
أسطول الصمود

بينما ما تزال غزة ترزح تحت وطأة حصار خانق وحرب مستمرة منذ ما يقرب من عامين، تحولت مياه البحر المتوسط إلى ساحة مواجهة جديدة بين "أسطول الصمود" العالمي والقوات الإسرائيلية، فما بدأ كمبادرة إنسانية لنقل أدوية ومواد غذائية إلى القطاع المحاصر، سرعان ما أصبح مشهدًا دراماتيكيًا يثير جدلاً دوليًا حول شرعية الحصار وحدود العمل الإنساني، فقد أعلنت إسرائيل أنها اعترضت 31 قاربًا، من بين 44 قاربًا، حيث يواصل آخرون الإبحار متحدّين التهديدات العسكرية، فيما وصلت السفينة "ميكينو" إلى أقرب نقطة من القطاع على الإطلاق خلال محاولات كسر الحصار إذ باتت تبعد 9 أميال فقط، وبينما تصف تل أبيب العملية بأنها إجراء قانوني لحماية أمنها، يرى المنظمون وحكومات داعمة أن ما جرى يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ومع بروز شخصيات بارزة مثل الناشطة البيئية السويدية غريتا تونبرغ وحفيد نيلسون مانديلا ضمن المشاركين، ازدادت الأنظار العالمية تركيزًا على هذه الرحلة البحرية، التي تضع الحصار الإسرائيلي أمام اختبار غير مسبوق وتفتح الباب أمام مواجهة سياسية وقانونية متصاعدة.

أسطول في قلب العاصفة


يضم أسطول الصمود أكثر من 40 سفينة مدنية تقل نحو 500 ناشط من 40 دولة، بينهم سياسيون وبرلمانيون ومحامون وأطباء، انطلق الأسطول من إسبانيا مرورًا بتونس، محمّلاً بأدوية وأغذية وحليب أطفال ومعدات طبية، في مسعى لإيصالها مباشرة إلى غزة. 

المنظمون أكدوا أن مهمتهم إنسانية بحتة وغير عنيفة، مشددين على أنهم لا يمثلون أي جهة مسلحة أو حزبية، في محاولة لإبعاد شبهة الارتباط بحركة "حماس" كما تدّعي إسرائيل.

لكن الجيش الإسرائيلي تعامل مع القوارب على أنها "انتهاك للحصار البحري"، وأعلن عبر وزارة الخارجية، أن عرض نقل المساعدات عبر المعابر الرسمية إلى غزة ما يزال قائمًا، وأن رفض النشطاء لهذا العرض يضعهم في مواجهة مع البحرية.

مواجهة بحرية وتصعيد في الروايات


المواجهات بدأت مع الساعات الأولى من يوم الخميس، حين اعترضت البحرية الإسرائيلية 31 قاربًا وأوقفت ركابها ونقلتهم إلى ميناء أسدود.

مقاطع الفيديو التي بثها النشطاء عبر "تلغرام" أظهرت جنودًا يصعدون على متن السفن ويعطلون الكاميرات، بعض النشطاء ظهروا رافعين جوازات سفرهم ومؤكدين أنهم "مختطفون" نُقلوا قسرًا إلى إسرائيل.

المنظمون اتهموا الجيش بمحاولة إغراق سفينة "ماريا كريستينا" عبر استخدام خراطيم المياه، فيما لم يرد الجيش على هذه الاتهامات، في المقابل، بثت الخارجية الإسرائيلية مقطعًا قصيرًا يظهر غريتا تونبرغ محاطة بجنود إسرائيليين، مؤكدة أنها "بخير".

فيما وصلت السفينة "ميكينو" إلى أقرب نقطة من القطاع على الإطلاق خلال محاولات كسر الحصار إذ باتت تبعد 9 أميال فقط.

ردود فعل دولية


تركيا كانت الأكثر حدة في ردها، إذ وصفت الاعتراض بأنه "عمل إرهابي" وانتهاك للقانون الدولي، معتبرة أن إسرائيل تعرّض حياة المدنيين للخطر، في المقابل، تبنّت مواقف أوروبية لغة أكثر دبلوماسية.

وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني دعا إلى ضمان سلامة النشطاء ونقلهم بسلام، فيما طالب نظيره الفرنسي جان-نويل بارو إسرائيل باحترام الحقوق القنصلية للمشاركين الفرنسيين والسماح بعودتهم سريعًا.

إسبانيا من جانبها أبدت قلقًا مماثلاً، في وقت أكدت فيه بعض الحكومات أنها وضعت طائرات مسيّرة وسفنًا في حالة استعداد لإنقاذ رعاياها إذا لزم الأمر.

كولومبيا كانت صاحبة رد الفعل الأقوى على الإطلاق، حيث أعلن الرئيس الكولومبي، جوستافو بيترو، أنه أمر بطرد كل أفراد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية المتبقين في البلاد على خلفية ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي "جريمة دولية" باعتراضها أسطول الصمود العالمي الذي يحمل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة.

وقبل هذا القرار لم يكن قد بقي في كولومبيا سوى 4 دبلوماسيين إسرائيليين بعدما قطع بيترو، العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب العام الماضي، وفقا لما ذكره مصدر كولومبي لوكالة فرانس برس.

وقال بيترو: إن إسرائيل احتجزت امرأتين كولومبيتين من ضمن الناشطين في أسطول الصمود أثناء إبحارهما في المياه الدولية، مطالبًا إياها بـ"إطلاق سراحهما فورًا".

وشدد بيترو -في بيان- على رفضه أي عمل يمس بالسلامة الجسدية للمواطنين الكولومبيين في الخارج أو حريتهم أو بحقوق الإنسان، وأعلن أنه قرر أيضًا إلغاء اتفاقية التجارة الحرّة مع إسرائيل على الفور.

بعد إنساني ورمزية سياسية


ما يميز هذا الأسطول ليس فقط طبيعة مهمته، بل أيضًا رمزية الأسماء المشاركة فيه. غريتا تونبرغ، التي تحولت إلى أيقونة للنشاط البيئي العالمي، وجدت نفسها فجأة في قلب مواجهة عسكرية، ما منح القضية زخمًا إعلاميًا غير مسبوق.

وجود حفيد نيلسون مانديلا أضفى بعدًا تاريخيًا، باعتبار أن جده كان رمزًا عالميًا للنضال ضد الفصل العنصري، وهي المقارنة التي يرددها كثير من المنتقدين للسياسات الإسرائيلية تجاه غزة.

أما مشاركة رئيسة بلدية برشلونة السابقة آدا كولاو والنائبة الأوروبية ريما حسن، فتمثل ربطًا مباشرًا بين النضال الإنساني وقنوات الضغط السياسي الأوروبي.

السيناريوهات المقبلة


رغم اعتراض بعض القوارب، يصر المنظمون على أن 30 سفينة ما تزال في طريقها إلى غزة، على بعد أقل من 50 ميلاً بحريًا من هدفها، هذا الإصرار يضع إسرائيل أمام معضلة: هل تمضي في اعتراض جميع السفن بالقوة، مع ما يحمله ذلك من تكلفة سياسية وإعلامية، أم أنها ستسمح بوصول بعض المساعدات كخطوة لامتصاص الغضب الدولي؟ 

المؤكد أن الأسطول، سواء وصل إلى غزة أم لا، قد نجح في وضع الحصار على رأس أجندة الإعلام الدولي مجددًا، وأجبر الحكومات على اتخاذ مواقف علنية تجاهه.