صراع الجنرالات ودموع النازحين.. من يدفع الثمن في دارفور؟

صراع الجنرالات ودموع النازحين.. من يدفع الثمن في دارفور؟

صراع الجنرالات ودموع النازحين.. من يدفع الثمن في دارفور؟
دارفور

في إقليم دارفور الغربي، تتكرر المأساة مرة تلو الأخرى، ولكن هذه المرة بصمت أكثر قسوة وعنف أشد وقعًا. بين دخان المخيمات المحترقة وصراخ الناجين، يكشف المشهد عن مأساة إنسانية تتفاقم في ظل حرب مستعرة دخلت عامها الثاني دون أفق للحل.

 فالهجوم الأخير الذي شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم، الذي يضم مئات الآلاف من النازحين، لم يكن مجرد اشتباك عسكري، بل عملية تهجير قسري جماعي خلفت وراءها أكثر من 400 قتيل، وأجبرت ما يزيد عن 60 ألف أسرة على الفرار نحو المجهول، وبينما تتعالى الأصوات الدولية محذرة من كارثة إنسانية وشيكة، تعكس أرقام المفوضية السامية للاجئين حجم المأساة الحقيقي، إذ تشير إلى أن نحو 13 مليون سوداني أصبحوا بين لاجئ ونازح.

 في هذا التقرير، نرصد تفاصيل التصعيد الأخير في دارفور، ونتابع تداعياته الإنسانية والأمنية، في ظل صراع مستمر يعصف بالوطن والإنسان.

*تصعيد جديد*


شهدت ولاية شمال دارفور تصعيدًا عسكريًا جديدًا، مع اجتياح قوات الدعم السريع لمخيم زمزم، أحد أكبر مراكز تجمع النازحين في الإقليم، ما أدى إلى وقوع مجزرة مروعة راح ضحيتها أكثر من 400 شخص، بحسب مصادر موثوقة نقلت عنها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.

ووفق المتحدثة باسم المفوضية، فإن عدد الضحايا المؤكدين حتى الآن بلغ 148، إلا أن الأرقام مرشحة للارتفاع بشكل كبير مع استمرار عمليات التحقق الميداني.

الهجوم الذي استمر لأربعة أيام متتالية، وتركز حول مخيمي زمزم وأبو شوك، ألحق دمارًا واسعًا في البنية التحتية الهشة أصلاً.

فقد دمرت الأسواق ومراكز الرعاية الصحية والملاجئ، ما أدى إلى تعطيل خدمات أساسية يعتمد عليها نحو 700 ألف نازح يعيشون في تلك المنطقة منذ اندلاع النزاع.

*نزوح واسع*


وبحسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة، فإن الهجوم تسبب في نزوح ما بين 60 إلى 80 ألف أسرة، معظمهم من النساء والأطفال الذين لا يملكون مأوى آخر، وسط ظروف إنسانية صعبة ومع غياب شبه كامل للمنظمات الإغاثية. ويُخشى من أن تشهد المنطقة موجة نزوح جديدة نحو الحدود الليبية أو التشادية، ما يزيد من تعقيد الأزمة الإقليمية.

وعلى الصعيد الأوسع، يؤكد عبد الرؤوف غنون كوندي، المسؤول الإقليمي في مفوضية شؤون اللاجئين، أن الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 أدت إلى تشريد 13 مليون سوداني، من بينهم 8.6 مليون نازح داخل البلاد، و3.8 مليون لاجئ عبروا الحدود نحو دول الجوار، لا سيما جنوب السودان وتشاد ومصر.

هذا التصعيد الأخير يعكس التحول في خريطة السيطرة العسكرية، حيث تواصل قوات الدعم السريع محاولات توسيع نفوذها في دارفور، بالتوازي مع تراجع نسبي لقوات الجيش السوداني في الإقليم، رغم تقدمها في محاور رئيسية بالخرطوم.

وتشير تقارير محلية، أن الدعم السريع يسعى لتحصين مواقعه في غرب السودان باعتبارها قاعدته الأساسية، في وقت يحاول الجيش استعادة توازنه في العاصمة.

*تحولًا استراتيجيًا*


يقول المحلل السياسي السوداني ضياء بلال، أن ما يجري في دارفور ليس مجرد تصعيد عسكري عابر، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا في مسار النزاع، ويوضح في حديثه أن "قوات الدعم السريع تسعى لترسيخ نفوذها في الإقليم، ليس فقط كقوة عسكرية، بل كسلطة حاكمة بحكم السيطرة الميدانية، في ظل غياب فعلي للدولة المركزية".

ويحذّر الطيب من أن البلاد تتجه نحو سيناريو تتحول الأقاليم إلى كانتونات عسكرية، لكل منها جيشه ومؤسساته وشبكاته الاقتصادية، ما يهدد بتفكك السودان فعليًا إلى مناطق نفوذ، يصعب لاحقًا جمعها تحت راية وطنية واحدة.

ويضيف في حديثه لـ"العرب مباشر"، السكوت الدولي والعربي عن مجازر دارفور يشجع على تكرارها، والنازحون اليوم باتوا جزءًا من استراتيجية الضغط العسكري، حيث يتم تفريغ مناطق كاملة من السكان لتغيير ديمغرافي محتمل".

ويرى الطيب أن "حل الأزمة لن يكون عسكريًا أبدًا، بل يحتاج إلى مسار سياسي شامل، يوقف نزيف الدم ويعيد تعريف دور الجيش والدعم السريع في الدولة".