القطريون بين مقصلة الانهيار الاقتصادي والتجسس الحكومي

القطريون بين مقصلة الانهيار الاقتصادي والتجسس الحكومي
الشيخ تميم بن حمد آل ثان

يعيش القطريون خلال الفترة الحالية أصعب لحظات حياتهم، فالأزمات تحيط بهم، والحكومة عاجزة عن الصمود في وجه التحديات الاقتصادية في ظل انهيار اقتصادي ملحوظ سبق تفشي فيروس كورونا والذي جاءت تداعياته لتزيد صعوبة الظروف المعيشية والاقتصادية، خاصة مع زيادة القمع ومحاولات مراقبة المواطنين والتجسس عليهم والعنف في تعامل الحكومة مع كل من ينتقد أداءها الذي تسبب في جعل قطر تتربع فترة طويلة على رأس قائمة الدول العربية الأكثر إصابة بفيروس كورونا، وكذلك تلقيها لانتقادات دولية عديدة حول تعاملها مع العمالة الوافدة والإهمال الشديد في رعايتهم صحيًا وكذلك تكرار عمليات النصب عليهم وعدم صرف مستحقاتهم أو السماح لهم بالعودة لبلادهم، الأوضاع تزداد سوءًا يوم بعد يوم مما أصاب القطريين بحالة من اليأس، وأصبح لدى أكثرهم يقين أن حكومة تميم بن حمد لن تستطيع إخراج قطر من النفق المظلم الحالي.
 
الحكومة القطرية حاولت استجداء العالم للضغط على دول الرباعي العربي لإنهاء المقاطعة


طول معاناة الحكومة القطرية وانعكاس تلك المعاناة على حال المواطنين، دفع النظام القطري لطرق كل الأبواب في محاولة لإنقاذ الأوضاع التي تزداد سوءًا، إلا أن الحكومة القطرية لم تستطع وقف النزيف الدائم،  ولجأت للضغط على المجتمع الدولي واستغلال أزمة كورونا في استجداء العالم للضغط على دول الرباعي العربي مصر والسعودية والإمارات والبحرين، كمحاولة من النظام القطري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.


في 25 إبريل 2020، أرسلت قطر بيانًا لمجلس الأمن الدولي، على يد الشيخة علياء آل ثاني، المندوبة الدائمة لقطر لدى الأمم المتحدة، تطالب فيه بإنهاء المقاطعة التي فرضتها عليها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، مؤكدة أن حل هذه الأزمة أصبح أكثر إلحاحًا، وأشارت مندوبة قطر، في بيانها إلى أن المقاطعة التي تفرضها الدول الأربع "من الأزمات التي زادت من تعقيد الوضع في المنطقة وألقت بظلالها السلبية على أمنها واستقرارها"، وزعمت أن دولتها تتعرض لحملة تحريضية وتضليلية من دول المقاطعة.


وعبرت عن استعداد قطر لتسوية الأزمة عبر حوار بناء غير مشروط يقوم على الاحترام المتبادل لحفظ سيادة الدول، وجددت تقدير بلادها لما وصفتها بـ"الجهود المخلصة" لأمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، لافتة إلى أن الطرف الآخر "رفض الحوار".
 
المقاطعة بداية الأزمة الاقتصادية الحقيقية.. وكورونا عجّل بالانهيار


أزمة قطر الاقتصادية بدأت منذ اللحظات الأولى لإعلان قرار مقاطعة دول الرباعي العربي لها بسبب سياساتها الداعمة للإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط والعالم، ما تسبب في تداعيات اقتصادية مباشرة، حيث أكد مصرف قطر المركزي أن الدوحة باعت في الشهور التالية للمقاطعة سندات وأذونات بقيمة 16.2 مليار دولار لتعويض خسائرها.


وفقدت البنوك القطرية 40 مليار دولار من التمويلات الأجنبية (ودائع مقيمين وغير مقيمين وودائع القطاع الخاص والإيداعات بين البنوك)، منذ قرار المقاطعة، واضطرت قطر لتفادي انحدار أكبر في بيع أصول تملكها، إلى إصدار أدوات دين سندات، أذونات، صكوك.


ومع النزيف الاقتصادي المتواصل، وسياسة الاقتراض وبيع السندات البنكية، ارتفع الدين الخارجي لقطر ليصل إلى 54 مليار دولار أميركي، وهو ما ذكرته بيانات مصرف قطر المركزي، في ديسمبر 2019، والذي أكد ارتفاع إجمالي الدين الخارجي لقطر بنهاية العام 2019 بنسبة تناهز 25% على أساس سنوي.
ومع تفشي وباء كورونا في بداية عام 2020،  ظهرت هشاشة الاقتصاد القطري، فلجأت قطر إلى أكبر عملية بيع سندات بنكية، وظهر ذلك بوضوح في قرار الدوحة بإصدار وبيع سندات بقيمة 10 مليارات دولار، وبيعها في الأسواق الدولية، ووفقًا لما نشرته وزارة المالية القطرية عبر صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي في الثامن من إبريل، فإنها ستصدر سندات دولية مقومة بالدولار الأميركي بقيمة 10 مليارات دولار، على أن يتم تقسيم القيمة على 3 شرائح، تستمر الشريحة الأولى منها لمدة 5 سنوات بفائدة 3.44%، وتبلغ قيمتها ملياري دولار.


وتعد تلك العملية هي ثاني أكبر قيمة اقتراض في تاريخ الدولة الخليجية الغنية بالنفط، وساهم ذلك في رفع قيمة السندات التي أطلقتها الدوحة خلال عامين إلى 34 مليار دولار أميركي.

 
"احتراز".. هكذا حاول النظام القطري التجسس على شعبه


ويعيش المواطن القطري بين نوعين من المعاناة إحداهما اقتصادية والأخرى قمعية، وأثار القرار الذي اتخذته السلطات القطرية ويلزم المواطنين والمقيمين بتحميل تطبيق عبر الهواتف الذكية من أجل تعقب انتقال فيروس كورونا الجديد، جدلا واسعا في الإمارة بسبب مخاوف متعلقة بالخصوصية ومحاولات الحكومة القطرية للتجسس على مواطنيها.


حيث أعلنت الحكومة القطرية أنها ستلجأ إلى الهواتف الذكية لتتبع حركة الأشخاص ومتابعة المخالطين ما يسمح للمسؤولين بمراقبة تفشي فيروس "كوفيد 19" وتنبيه الأشخاص المعرضين لخطر العدوى.


وتستخدم هذه التطبيقات تقنية البلوتوث من أجل تحديد كل مرة يقترب فيها هاتفان ذكيان من بعضهما، ويمكن بعدها تنبيه الأشخاص حال ظهور الأعراض على شخص كانوا قريبين أو في حال تم تشخيص إصابته بالفيروس. لكن تثير هذه التطبيقات مخاوف عالمية من مراقبة الدول للناس.


خاصة أن التطبيق القطري يطلب من المستخدمين السماح بالوصول إلى معارض الصور والفيديو الخاصة بهم، مع إتاحة إجراء مكالمات هاتفية أيضاً.


وأبدى مواطنون قطريون اعتراضهم من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تساءلوا عن احتياج التطبيق إلى كل تلك الأذونات معربين عن قلقهم من هذا التطبيق وما سيسفر عنه.


وطلبت منظمة منظمو العفو الدولية من السلطات القطرية اتخاذ الإجراءات الضرورية في تطبيق تعقب المواطنين الإلزامي للوقاية من فيروس كورونا ليتلاءم مع معايير حقوق الإنسان وحماية المعلومات المتعلقة بهم، حيث أكدت المنظمة أن السلطات القطرية عليها إلغاء إلزامية استخدام التطبيق.
 
نعاني ولا نملك الشكوى.. وإذا خضعنا للحكومة سنودع خصوصيتنا إلى الأبد


يقول خالد بن جاسر، 32 عاما قطري، يعيش في الدوحة، إن الأعباء المعيشية زادت بشكل غير محتمل منذ أزمة تفشي وباء كورونا، فالجميع يعاني منذ بداية المقاطعة العربية ولكن جاء كورونا بإجراءاته الاحترازية وتداعياته ليزيد الأمر صعوبة.


وتابع، الجميع في قطر يدرك الآن مدى هشاشة النظام الاقتصادي وأصبحنا على يقين من مسؤولية النظام القطري بما يملكه من عناد ومخططات عن تدهور الأوضاع الداخلية في بلادنا، نرى في وسائل الإعلام الدولية محاولات النظام للسعي ناحية المصالحة، خوفًا من ثورة شعبية ستطيح بهم إذا استمر الوضع على هذا الشكل.


وأضاف لا نشعر بالأمان، يوميًا أواجه مشكلات معيشية وأخاف من مجرد التفكير في الشكوى، خاصة مع محاولات النظام لزيادة القمع ومراقبة المواطنين فرغم خوفي من فيروس كورونا لم أحمل التطبيق الإلزامي "احتراز" حتى الآن، لا أعلم كيف تجرؤ الدولة على إلزام المواطنين بتحميل تطبيق تجسس واضح، ورغم تحذيرات المجتمع الدولي ومنظمة العفو الدولية إلا أن النظام لا يزال يصر على إجبار كل إفراد الشعب على استخدام التطبيق وتوديع خصوصيتهم إلى الأبد، وهو الأمر الذي إذا خضعنا له فستكون بداية النهاية..
 
الحكومة تضاعف الأزمات.. وتستغل الأزمة لتُحكم قبضتها على الشعب


في السياق نفسه، يقول محمد بن عامر، 29 عاما، جميع القطريين يدركون جيدًا أن الحكومة القطرية غير قادرة على التصدي للتحديات الحالية، ننتقل من فشل إلى آخر دون قدرة على الصمود.


وتابع، أدرك أننا دولة غنية للغاية، وهذا يزيد الأمر غرابة، فإذا كنا دولة فقيرة أو متوسطة المستوى فكيف كانت ستكون الأوضاع، حكومتنا لو اختفت صباح الغد لن يشعر مواطن واحد بأي تغيير، بالعكس سنبدأ بالشعور بالحرية ونتخلى عن خوفنا من المعتقلات والسجون والتهديدات.


وأضاف عامر، أي حكومة تلك التي تستغل جائحة كورونا لتصنع تطبيقًا يتيح لها التجسس على شعبها، فالعالم كله في واد وحكومتنا في واد ثانٍ، كل اهتماماتها تنصب على تطبيق الأجندات الإيرانية والتركية، وتثبيت إقدامها في الحكم، ويتركوننا لنواجهه مصيرنا.


نعيش يوميًا أزمات لتوفير الغذاء والدواء، وتفشي فيروس كورونا يزداد يومًا بعد يوم ولا يبدو في الأفق أن الحكومة قادرة على السيطرة عليه خاصة مع القرارات المضحكة التي تتخذها لتبدو ظاهريًا وكأنها تعمل بجد لصالح الوطن وهو ما لم نلمسه بالفعل.