خبراء ونواب: تردي الأوضاع الاقتصادية يُشعل احتجاجات تونس الفئوية

خبراء ونواب: تردي الأوضاع الاقتصادية يُشعل احتجاجات تونس الفئوية
صورة أرشيفية

تتصاعد التظاهرات في الوقت الأخير في جنوب تونس ووسطها الغربي، للمطالبة بتوفير فرص العمل والاستثمارات ولدعوة الحكومة إلى الوفاء بوعودها، بعد تفاقم أوضاع الاقتصاد التونسي.


وتأتي التحركات الاحتجاجية بعدما توصّل سكان تطاوين (جنوب) في أعقاب أشهر من إعاقتهم إنتاج النفط في الصحراء، إلى اتفاق مع الحكومة التي تعهّدت في السابع من نوفمبر توفير فرص عمل وأرصدة مالية لتمويل مشاريع في هذه الولاية.

وبعد مرور يومين على الاتفاق قال رئيس الوزراء، هشام المشيشي: إن النهج الذي "تم اعتماده في تطاوين والقائم على الحوار سيعمم على كافة الولايات خاصة منها المتأخرة في سلم التنمية".


ويشارك في التحرك محتجون من مختلف الفئات العمرية، وهم يطالبون خصوصًا بتوفير وظائف وبتنفيذ استثمارات موعودة من أجل تحسين الحياة اليومية لسكان هذه المنطقة المهمّشة.


الحكومات التونسية ترتهن للخارج وللصناديق المانحة
في هذا السياق يقول النائب التونسي حاتم بو بكري، إن الثورة قامت في تونس بالأساس احتجاجًا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ثم بدرجة أخرى للمطالبة بالحريات والديمقراطية، مضيفاً: "لكن تلك الأهداف لم يتحقق منها شيء بل بالعكس ازدادت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تأزما، وفي المقابل نجد أن المكسب الوحيد يتمثل في حرية التعبير".


بوبكري أشار خلال تصريحات لـ"العرب مباشر"، أن المنوال التنموي المهترئ الذي انتهت صلاحيته، كان سببا في هذه الأزمة لم يقع تغييره، قائلاً: "بل تمت المحافظة عليه بالرغم من فشله سابقاً".


وحمل الحكومات المتتالية بعد الثورة التونسية مسؤولية تفاقم الأوضاع، موضحا أنها لم تتمكن من اتباع منهج إصلاحي بل أسست للعبث السياسي، والاقتصادي والارتهان للخارج وللصناديق المانحة.


أردف: "وما زاد الطين بلة هو تصريح رئيس الحكومة هشام المشيشي بخصوص اتفاقية الكامور وتسميته لجهات سيعمل على تنميتها دون أخرى، مما جعل بقية الولايات تنتفض، مطالبة هي كذلك بحقوقها".


أضاف بو بكري: "من هنا نكتشف أن هذه الحكومة لا تعمل وفق إستراتيجية ورؤية واضحة بحلول شاملة وعلنية، وفق قدرة البلد لكن تعمل وفق نظرية من يضغط ويتظاهر ويعطل مواطن الإنتاج تستجيب له"، معتبرًا أن هذا الأسلوب الفاشل ليس أسلوبا علميا في تسيير الدول.


وأكد النائب التونسي عن حركة الشعب، أن الحركة تؤمن بضرورة إرساء منوال تنمية عادل، مستطرداً: "وإن جماهير شعبنا محقة في انتفاضتها وتظاهرها ضد التهميش والفقر والبطالة، وانتشار الجريمة، وعدم الإحساس بالثقة في الدولة".

أما من ناحيته فيقول الباحث والمحلل السياسي التونسي مهدي عبد الجواد، إن  تونس تعيش منذ فترة وضعًا اجتماعيًا صعبًا، فاقمته التداعيات الاقتصادية لتأثير جائحة الكورونا. 


الاحتجاج بات نموذجًا لتحصيل المكاسب


أوضح عبدالجواد في تصريحات لـ"العرب مباشر":" انطلقت الأحداث الأخيرة باعتصام مفتوح قام به شباب يعرف بـ" تنسيقية شباب الكامور" في تسمية للحراك في محافظة تطاوين الغنية بالنفط والغاز أقصى جنوب تونس، حيث  قام المحتجون بالتسلل إلى منطقة ضخ النفط والغاز وأغلقوا صمام الضخ، مما أجبر  الحكومة على فتح باب التفاوض معهم لتحرير "صمام الجهاز أو صمام الضخ" المركزي الذي تم إغلاقه، وكانت به تداعيات خطيرة على الاقتصاد الوطني وعلى الشركات العاملة في قطاع الطاقة، حيث هددت الشركات الدولية بمغادرة البلاد ومتابعة الدولة التونسية أمام القضاء الدولي للحصول على تعويضات.


استجابت حكومة هشام المشيشي لأغلب مطالب المحتجين، الأمر الذي حول ما قام به شباب تطاوين إلى نموذج مثالي لتحصيل المكاسب، مضيفاً: "فظهرت بسرعة "تنسيقيات" بكل جهات البلاد، وتم إغلاق المنطقة الصناعية بقابس وبميناء الصخيرة الميناء الرئيس للتصدير في قطاع المحروقات والغاز". 


اعتبر أن هذه التحركات رغم طابعها العفوي، فهي غير مؤطرة من طرف أحزاب أو منظمات أو نقابات تثير الكثير من الأسئلة خاصة من جهة تزامنها وتشابه شعاراتها.


تابع: "موافقة رئيس الحكومة على مطالب شباب تطاوين يعيد للأذهان مشروع الرئيس قيس سعيد، فرئيس الجمهورية لا يخفي رغبته في تغيير طبيعة الدولة الوطنية المركزية، نحو شكل حكم أفقي قائم على شعار "الشعب يريد"، وهو تصور طوباوي فوضوي له مخاطر ليس أقلها تغذية الجهويات وإيقاظ القبلية والعشائرية، وهي أخطار تهدد الوحدة الاجتماعية والهوية الوطنية المشتركة فضلاً عن تدمير الدولة".


أطماع التحركات الإسلامية 


فيما لفت المحلل التونسي إلى أن هذه التحركات بالرغم من وجاهة مطالبها –حسب قوله- قد تكون مدخلاً يتسلل منه الإرهاب والجريمة المنظمة والمهربين، للإجهاز على الدولة وبث الفوضى، مضيفًا: "ورغم صمت الأحزاب على ما يقع، فإن الحركات الإسلامية هي أكبر المنتفعين بإضعاف الدولة وإنهاك مؤسساتها".


قال: "لحظة صعبة تعيشها تونس وسط ضعف فادح في مستوى المسؤولين سواء رئاسة ووزراء وبرلمانيين، لذلك يشعر التونسيون بكثير من الخوف على مستقبل البلاد مع تفاقم الأزمات السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية".


تردي الأوضاع الاجتماعية يرفع منسوب الاحتجاجات 
وفي هذا السياق تقول الصحفية التونسية البارزة خولة بوكريم: إن ارتفاع منسوب الاحتجاجات الاجتماعية نتيجة تردي منسوب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية عقب جائحة كورونا، مضيفة: "وهناك تراكمات سياسية أدت إلى هذا الاحتقان، حيث إن بعض المناطق لم تشملها التنمية.


أضافت بوكريم في تصريحات لـ"العرب مباشر": "وحتى وإن عملت الحكومة برامج تنموية من أجل التشغيل ولكنها بقيت حبرًا على ورق وبالتالي فإن تونس، لافتة أن البلاد تشهد موجة كبرى من الاحتجاجات النوعية، إذ إن الاحتجاجات لا تشمل العاطلين فقط، بينما هناك احتجاج في سلك القضائي، والصحفيون أيضًا أعلنوا أسبوع الغضب في تونس بسبب عدم حصولهم على حق نشر الاتفاقية الخاصة المشتركة بالصحفيين في الجريدة الرسمية التونسية".


نوهت الصحفية التونسية بأن خريطة الاحتجاجات تتوسع بسبب فشل الحكومة في تنفيذ خريطة تنموية قوية، في ظل تزايد المديونية من أجل خلاص الأجور، مردفة: "اليوم تونس تعيش فترة من الانغلاق وأزمة اقتصادية هي الأكبر منذ تاريخ استقلالها، فهي مديونة للخارج ولا تستطيع دفع أجور موظفيها، فالاحتجاجات تتفاقم وكأننا في ليلة ثورة 2011.