قتل النساء في تركيا «أزمة تتفاقم» الحكومة متواطئة والنساء يدفعن الثمن بأرواحهن

قتل النساء في تركيا «أزمة تتفاقم» الحكومة متواطئة والنساء يدفعن الثمن بأرواحهن
صورة أرشيفية

تتصاعد جرائم قتل النساء في تركيا بشكل غير مسبوق خلال السنوات الماضية، ورغم محاولات منظمات المجتمع المدني لتسليط الضوء على تلك الكارثة المجتمعية إلا أن تجاهل الدولة للأزمة زاد من تفاقمها وأسهم في وصولها إلى حد غير مسبوق في تاريخ الدولة التركية، مؤخرًا صُدم الرأي العام التركي بسبب جريمة مقتل طالبة وخرجت آلاف النساء بمظاهرات تطالب بوقف العنف ضد المرأة وتوفير الحماية لها خاصة مع تكرار هذا النوع من الحوادث في ظل تجاهل ولا مبالاة واضحة من السلطات تجاه تلك المطالبات، وبدلًا من الاستماع وتهدئة الرأي العام شنت السلطات التركية متمثلة في عناصر الشرطة هجومًا ضد المتظاهرات وأوقفت المظاهرات بحجة أنها غير مصرح لها بالخروج إلى الشوارع، واستخدمت العنف تجاه المتظاهرات بشكل زاد من حجم الغضب الشعبي ضد النظام التركي. 

الحكومة التركية تتكتم.. والعدالة لا تنصف المرأة إلا مع ضغط الرأي العام

العنف والجرائم ضد النساء في تركيا تحول تدريجيًّا خلال السنوات الماضية إلى جزء شديد الإظلام من الحياة اليومية، وتشير الإحصاءات والأرقام إلى أن جرائم قتل المرأة تزداد بشدة يومًا بعد يوم في ظل اتخاذ الدولة موقف المتفرج وغياب قانون رادع.

وفجَّرت حادثة قتل الطالبة بينار غولتكين (27 عاماً)، حالة من الغضب الشعبي الشديد بعد أن تعرضت الفتاة من مقاطعة موغلا جنوب غربي تركيا، للضرب من قِبَل صديقها السابق بعد شجار نشب بينهما أدى إلى خنقها، وذكرت الشرطة أنه حاول بعد ذلك حرق الجثة في غابة قريبة، وعندما فشل في القيام بذلك، أخفى الجثة في سلة قمامة وصب الإسمنت عليها.

بعدها قامت الشرطة بتتبعه من خلال صور كاميرات المراقبة بإحدى محطات الوقود، التي أظهرته وهو يحمل علب البنزين في سيارته، وخلال التحقيق معه ذكر للشرطة بأن الغيرة كانت الدافع وراء اقترافه للجريمة في حق صديقته.

حقوقيون أكدوا أن الدولة التركية غير متفرغة لحل مثل تلك المشكلات التي تضرب المجتمع التركي وتهدد بانهياره، فأردوغان ورجاله مشغولون بتحقيق أحلامهم التوسعية وحروبهم الخارجية تاركين الأوضاع الداخلية في تركيا تزداد صعوبة.

وأوضح حقوقيون أن الحكومة التركية بمشاركة القضاء تكتمت طويلًا على المشكلة، وذلك رغم أن أرقام منظمة "سنوقف اغتيالات النساء" سجلت 430 حالة اغتيال ضد النساء فقط في عام 2019.

حملات لا تنتهي تقوم بها منظمات المجتمع المدني يشاركها بكل حماس قطاع عريض من الشعب التركي دون أدنى استجابة من السلطات التركية، ومع تحرك الأمن التركي ضد أي تظاهرات تحدث في الشارع التركي يلجأ الحقوقيون إلى تنظيم حملات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي للكشف عن تفاقم أزمة العنف ضد النساء.

أردوغان ورجاله سعداء بالعنف ضد المرأة ولا يرغبون في حل الأزمة

خبراء أكدوا أن عام 2020 سيشهد أرقامًا غير مسبوقة لحوادث القتل ضد المرأة في تركيا بسبب حالة الإغلاق والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة بهدف محاصرة فيروس كورونا، العام الماضي 2019 قتلت 474 امرأة معظمهن لقين حتفهن على أيدي أزواجهن وأقاربهن وهو أعلى معدل حدث خلال العشر سنوات الماضية.

نشطاء مبادرة "سنوقف قتل النساء" قرروا تعقب جرائم قتل النساء عبر التقارير الإخبارية وشهادات أسر الضحايا، وذلك بعد أن اعترفت الحكومة التركية بأنها لم تعد تحتفظ بمثل هذه السجلات، حيث أعلنت الدولة أكثر من مرة بشكل واضح وصريح أن الإحصاءات الحكومية المتعلقة بالعنف ضد المرأة الموجودة غير موثوقة، وغالبًا ما تختلف من دائرة إلى أخرى.

من جانبها أوضحت فيدان أتاسليم، رئيسة مبادرة "سنوقف قتل النساء"، أن "العنف ضد المرأة مشكلة في كل مكان، موضحةً أن في تركيا حركة قوية لحقوق المرأة ولكننا نواجه أيضًا معارضة قوية، موضحة أن في العشرين سنة الماضية، تغير المجتمع كثيرًا: المزيد من النساء يطالبن بحقهن في العمل والذهاب إلى الجامعة، وكلما زاد عدد الخيارات المتاحة لنا، ازدادت ردة الفعل" في المجتمع.

لكن هذه الاتفاقية وغيرها من الحقوق التي انتزعتها المرأة في تركيا أصبحت مهددة، بسبب سياسة حكومة أردوغان، حيث حاول حزبه التراجع عن تشريع الاتفاقية، وقال نواب عن الحزب الحاكم: إن الاتفاقية تهدد القيم الأسرية التقليدية، فيما يناقش البرلمان حتى يومنا هذا تشريع الاتفاقية.

وكان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، نعمان كورتولموس، قد قال في مقابلة متلفزة في وقت سابق من هذا الشهر: إن اتفاقية إسطنبول كانت "خاطئة للغاية"، لكن الأمر الأخطر، وفق حقوقيات، هو في تصريحات أردوغان وقيادات حزبه التي تهين المرأة، على اعتبار أن الرجل والمرأة غير متساويين، وقال رئيس الوزراء الأسبق، بن علي يلدريم، لأنصاره في إحدى الفعاليات إنه "عوضًا عن التعرض جسديًّا للنساء، يجب مضايقتهن لفظيًّا".

عنف الشرطة ضد التظاهرات المنددة يزيدها تعقيدًا.. وتعاطف "أردوغان" مجرد نفاق

يزداد الأمر تعقيدًا بسبب عنف الشرطة غير المبرر لجميع الفعاليات الهادفة لكشف حقيقة تفاقم أزمة العنف ضد المرأة، المتظاهرات تكلمن كثيرًا عن تعرضهن للعنف على يد الشرطة واحتجازهن والاعتداء عليهن بالضرب وإساءة معاملتهن بشكل غير قانوني.

وأعرب حقوقيون ومحامون عن قلقهم من التعامل العنيف للشرطة في مدينة إزمير، معتبرين أن الأمر يتعلق بالحق الأساسي في التظاهر السلمي وأن الشرطة تصرفت بشكل غير قانوني، موضحين أن الأمن التركي يتعمد استخدام العنف بشكل غير مناسب، رغم غياب المبرر لدفع المتظاهرين نحو الأرض وضربهم".

وشددت عدة منظمات مدافعة عن حقوق المرأة على أن تعامل الشرطة العنيف هو في صلب المشكلة الاجتماعية، كما أشارت إلى أن العديد من النساء طلبن الحماية أو تقدمن بشكوى إلى الشرطة قبل قتلهن.

وقالت مالك أوندر، إحدى الناشطات في مبادرة "سنوقف قتل النساء" في تصريحات صحفية: إن الشرطة والحكومة وموظفي الخدمة المدنية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لحماية النساء. وأضافت: "هناك حالات تعرضت فيها الضحايا للعنف عشرات المرات وحاولن تبليغ الشرطة باحتمالية قتلهن ولكن لم يحدث شيء ولم يسمع أحد صراخهن".

مستنكرةً التعاطف الكاذب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر تغريدات يكتبها على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وآخرها ما كتبه عن حادثة الطالبة بينار غولتكين حيث قال: "أمس شعرنا بالألم عندما علمنا أن بينار غولتكين قتلت على يد أحد الأشرار، ألعن جميع الجرائم ضد النساء".

مؤكدة أن تلك التصريحات غير ذات مصداقية، خاصة أن الحكومة التركية قد اتخذت مؤخراً موقفًا ضد ما يسمى اتفاقية إسطنبول، وأُبرمت اتفاقية مجلس أوروبا لعام 2011 للحد من العنف ضد المرأة، وبالأخص العنف المنزلي، وتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة، حيث كانت تركيا الدولة الأولى التي وقَّعت على تلك المعاهدة وجعلتها سارية قانونيًّا باسم "قانون منع العنف ضد المرأة وحماية الأسرة".

ويرى النشطاء أن تنفيذ اتفاقية إسطنبول وسيلة مهمة وفعالة للحد من العنف ضد المرأة. وتعهدت الدول الموقعة بتهيئة الظروف المناسبة لذلك، ولكن من الناحية العملية لم يتم تطبيق القواعد القانونية لاتفاقية إسطنبول، كما لم يتم تنفيذ العروض المقترحة لتقديم المساعدة والحماية للنساء، ولهذا السبب شكل المؤتمر الذي تم تبنيه قبل تسع سنوات الموضوع الرئيسي خلال المظاهرات التي شهدتها تركيا هذا الأسبوع.

"أردوغان" يتحمل تقاعس الدولة في حماية المرأة.. ويحرض عليها أحيانًا

من جانبها، تقول فاطمة زيرت، 31 عامًا، ناشطة تركية، إن جريمة قتل الطالبة بينار غولتكين فجرت غضبًا شديدًا بسبب شعور الجميع بتراخٍ حكومي غير مبرر يكاد يصل لمرحلة التواطؤ، موضحة أن "تغريدة أردوغان" لا تكفي ولن تعيد حق الطالبة الضحية ولن توقف جرائم العنف ضد النساء في تركيا، بل هي مجرد محاولة للظهور من أردوغان بمظهر المهتم بأزمات الأتراك الداخلية في حين جميعنا ندرك جيدًا بماذا يهتم أردوغان حاليًا.

وأضافت زيرت: الدولة ومؤسساتها تسير وراء أردوغان في كل شيء وإذا شعر المسؤولون بأن أردوغان مهتم بتلك القضايا التي تنهك المجتمع ستنتقل إليهم عدوى الاهتمام على الفور، ولكنهم يرون تجاهل الرئيس التركي لقضايا بمثل هذه الخطورة وتركيزه على صراعاته الخارجية.

وتابعت زيرت: العام الماضي شاركت في تظاهرة كبيرة للغاية وتجمعنا في ساحة في "تقسيم" بإسطنبول بمناسبة يوم المرأة العالمي مطالبين الدولة بالتصدي لظاهرة العنف ضد المرأة.

الصادم في الأمر أن أردوغان تجاهل كل مطالب التظاهرة وعندما تحدث عنّا قال إن المشاركين في التظاهرة اليوم كانوا يتصرفون بوقاحة، حيث قال إنهم كانوا يهتفون أثناء الأذان، فالرئيس الذي يدعي التدين لم يفترض أننا لم نسمع الأذان في ظل حماستنا فكان أسهل ما عليه أن يتهمنا جميعًا بالإساءة للأذان ومحاولة تحريض الشعب ضد الفعاليات التي نقوم بها، ولم يتحدث كذلك عن قيام الشرطة في اليوم نفسه بتفريقنا بالضرب وقنابل الغاز المسيل للدموع والسحل في شوارع إسطنبول، لذلك لا ننتظر منه أن يعطينا حقوقنا وسننتزعها منه لا محالة.

نسب المعاناة مع العنف غير مسبوقة وقد تتجاوز الـ90% من نساء تركيا

في السياق ذاته، تقول عائشة مسعود، 32 عامًا، ناشطة في مبادرة "سنوقف قتل النساء"، العنف ضد المرأة أصبح جزءًا من حياة النساء في تركيا، بحكم عملي كناشطة أرى وأسمع يوميًّا عشرات الحوادث، وعلى يقين أنا ومن يعملن معي في المجال نفسه أن الأرقام الرسمية لا تصل إلى 10% من عدد الحالات الحقيقية للتعذيب والعنف ضد النساء في تركيا.

وأضافت: لم أصادف امرأة تركية واحدة لم تتعرض للعنف بدرجات مختلفة ففي المواصلات العامة أو أي مكان يجمعني بنساء أتراك أتحدث معهم وأستمع إليهن لتفاجأ أن نسبة النساء التي تعرضن للعنف يقترب عددهن من 90% بمختلف الأعمار والحالات الاجتماعية.

وتابعت عائشة: معظم حالات العنف ضد المرأة التي تأتي لنا وتتحدث معنا تروي معاناتها بالدرجة الأولى في المنزل سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة فتتعرض للعنف على يد والدها أو أشقائها.

تقول عائشة: بعضهن أخبرني بأنهن يفضلن البقاء في الشوارع ومقار العمل معرضات أنفسهن لخطر الإصابة بفيروس كورونا، وهو أكثر رحمة بكثير من عدم شعورهن بالأمان في منازلهن بسبب وجود رجال يتعاملون معهن بعنف غير مبرر ويتسببون في إصابات جسدية تستدعي حجزهن في المستشفيات.