العطش يهدد الشعب التونسي.. والأزمة تتفاقم بسبب "كورونا"
أزمات متتالية تضرب تونس على كافة الأصعدة منذ تفشي وباء كورونا وما صاحبه من إجراءات احترازية انعكست سلبًا على الاقتصاد بشكل كبير، وتضاعفت أزمة المياه التي يعاني منها مئات الآلاف من التونسيين في الآونة الأخيرة وفق أرقام رسمية أعلنها المرصد التونسي للمياه، أعداد هائلة في تونس أصبح الحصول على كوب ماء نظيف بالنسبة لها أمرًا مستحيلًا، فأصبحوا مضطرين لسير عدة أميال يوميًّا لملء بعض الجرار بالماء غير الصالح للاستخدام الآدمي ولكن البديل هو أن يهلكوا عطشًا.
الأزمة تتفاقم و"كورونا" عطَّل مشروعات محطات تحلية المياه
منذ فترة طويلة وتواجه تونس انخفاضًا متصاعدًا في مواردها المائية، زادت من تفاقمه العوامل المناخية وتراجع كميات الأمطار، وهو ما دفعها إلى اللجوء لاستعمال مخزونها الإستراتيجي لمواجهة هذا النقص، وسط تحذيرات من إمكانية أن تعيش البلاد حالة من الجفاف والعطش، إذا لم تتمكن السلطات من إيجاد حلول قادرة على التخفيف من هذه الأزمة.
وخرجت الأزمة إلى العلن هذا الصيف تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة، وأدت إلى اندلاع احتجاجات وتوترات اجتماعية، بعد أن شهدت عدّة مناطق في البلاد انقطاعًا متكرّرًا في المياه الصالحة للشرب.
وكان وزير الفلاحة والموارد المائية، أقرّ في أبريل الماضي بوجود عدة إشكاليات في التزود بالماء، وقال: إن "تونس توجد تحت خط الشحّ المائي"، مضيفًا أنّ "البلاد في وضعية صعبة ولكنها غير كارثية"، حيث إن مخزون المياه يقارب 930 مليون متر مكعب، داعيًا إلى ضرورة ترشيد الاستهلاك، ومساندة مجهودات الدولة، لتفادي هذا العجز.
بدوره، أكد رئيس جمعية المياه والتنمية في تونس رشيد خنفير، أن العجز المائي ليس حديثًا في تونس، لكنه تفاقم بسبب موجة الجفاف التي تشهدها البلاد خلال السنوات الأخيرة وضعف كميّات الأمطار، الأمر الذي أثر على المخزون المائي للسدود، إضافة إلى تعطل إنجاز عدة مشاريع هامّة بسبب تفشي وباء كورونا وما صاحبه من تداعيات اقتصادية، فتأخر إنجاز محطات تحلية المياه وتركيز بعض السدود الإضافية، مضيفًا أن تونس تعد من الدول الفقيرة مائيًّا ولا تمتلك المياه الكافية.
وأوضح خنفير، الذي تولّى سابقًا منصب مدير بالإدارة العامّة للموارد المائية بوزارة الفلاحة والموارد المائية، أن المخزون المائي لا يكفي خاصة للمجال الزراعي، مضيفًا أنه على الدولة إيجاد موارد مائية إضافية بصفة عاجلة، من خلال تعميم برامج تحلية مياه البحر، والاعتماد على المياه الجوفية عبر حفر الآبار العميقة، إضافةً إلى تعزيز استغلال مياه الأمطار، من أجل مواجهة الطلبات المتزايدة على المياه.
وتعتبر تونس من الدول التي تعاني "شحًّا مائيًّا"؛ إذ تبلغ حصة الفرد الواحد فيها حوالي 450 مترًا مكعبًا، في حين تبلغ عتبة الفقر مائيًّا على المستوى العالمي، 1000 متر مكعب.
نصيب الفرد ينخفض كل يوم.. و200 ألف أسرة يعانون من نقص حاد في المياه
ورغم أن الوضع صعب فعلًا، فقد جاء الوباء ليزيده تعقيدًا، ويقول ياسر سويلمي، منسق المشروعات في المرصد التونسي للمياه، إن هناك حوالي 200 ألف أسرة يعاني أفرادها من نقص مياه حاد في تونس.
وقبل قرابة خمس سنوات، كان بإمكان كل تونسي الحصول على ما يصل إلى 440 مترًا مكعبًا من المياه سنويًّا، واليوم، تراجع هذا الرقم إلى 389 مترًا مكعبًا للفرد، بحسب سويلمي.
وحذَّر من أن تغير المناخ والنمو السكاني، قد يتسببان في انخفاض الكمية إلى 300 متر مكعب للفرد بحلول عام 2050.
خبراء: الشح المائي سيفجر الأوضاع اجتماعيًّا
حذر الخبراء من خطورة تفاقم أزمة المياه خلال الفترات القادمة، مؤكدين أن أزمة العطش ستتسبب في اشتعال الأوضاع في تونس وحدوث انفجار مجتمعي غير مسبوق حيث بدأت عدة مدن تونسية تعاني من انقطاع متكرر للمياه الصالحة للشرب.
يقول ياسر سويلمي، منسق المشاريع بالمرصد التونسي للمياه، إن الدولة سجلت عددًا كبيرًا من الاحتجاجات الشعبية بسبب انقطاع المياه في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري تجاوز عددها الـ160 احتجاجًا.
وتصدرت محافظات قفصة بالجنوب الغربي والقيروان بالوسط قائمة المناطق الأكثر تسجيلًا لانقطاع المياه، موضحًا أن محافظة جندوبة بإقليم الشمال الغربي للبلاد تحتل المرتبة الثالثة في انقطاع المياه، رغم أن هذا الإقليم يضم 80 بالمئة من المياه السطحية الموجود في تونس، مضيفًا أن "33% من سكان الشمال الغربي محرومون من المياه، وهي أرقام مفزعة تستوجب التدخل العاجل للدولة".
وطالب الناشط ذاته الدولة بـ"تبني مشاريع إصلاح شبكات توزيع المياه التي تقادمت بشكل كبير ما يفاقم مشكلة التسربات، إلى جانب العمل على تحلية مياه البحر".
وأثارت أزمة نقص المياه مخاوف من أن تتحول الاحتجاجات المطلبية إلى صدام مع أجهزة الدولة خاصةً في ظل هشاشة الوضع الاجتماعي.
وأكد مراقبون أن أزمة المياه، باتت تشكّل سببًا رئيسيًّا للتحركات الاحتجاجية في السنوات الأخيرة، بسبب تفاقم الأوضاع في عدة مناطق بالبلاد، موضحين وجود مناطق شاسعة في تونس لا تتمتع بالحق في المياه، ولا يزال قاطنوها يستعملون مياه المستنقعات في صورة صادمة.
وشدّدوا على ضرورة وضع خطة إستراتيجية عاجلة تتضمن حلولًا لإشكاليات المياه من بينها تجهيز محطات لتحلية مياه البحر وتجديد الشبكات المهترئة للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه التي يعود تاريخ بعضها إلى عدة عقود سابقة، موضحين أن الدراسات التي أجريت قبل عقدين نبَّهت من أن تونس مقدمة على أزمة مياه في 2020، لكن الحكومات المتعاقبة لم تعطِ هذا القطاع الاهتمام الذي يستحقه.
نحصل على مياه غير صالحة من بئر قديمة.. ونشربها بعد غليها
تقول نجاة أنيس، 40 عامًا، أمشي يوميًّا عدة كيلومترات لأصل إلى بئر جبلية قريبة لأملأ المياه، ولصعوبة نقلها قد أحتاج لتكرار الأمر أكثر من 3 مرات في اليوم الواحد، موضحةً أن المياه التي تملؤها لا تصلح للاستخدام الآدمي ولكن الاحتياج للمياه لا يتعلق بالشرب فقط، فهم يحتاجون لغسيل ملابسهم والاستحمام وغسل الطعام والشراب خاصةً مع تفشي وباء كورونا وضرورة الاهتمام بغسل كل ما يتم شراؤه لتجنب الإصابة بالفيروس.
وأضافت: أوقات كثيرة أضطر للشرب من تلك المياه رغم معرفتي جيدًا بأنها لا تصلح ولكن العطش لا يرحم، أحاول غليها عدة مرات لتطهيرها قدر المستطاع ورغم نصائح الأطباء بخطورة تلك المياه ولكن لا أحد في الدولة يقدم لنا حلًّا بديلًا وآمنًا، فالخبراء ينصحوننا ولكن لا يعطونا حلًّا لمواجهة العطش والموت.
المسؤولون مشغولون بفرض سيطرتهم على الدولة وتركونا فريسة للعطش
في السياق ذاته، يقول عمر همام، 32 عامًا، لا نستطيع الالتزام بالتعليمات الصحية التي تلزمنا بالتباعد الاجتماعي فأنا مضطر للوقوف في طابور طويل لملء المياه بسبب انقطاعها بالأيام، بالطبع نشعر بالقلق من تزايد المخاطر الصحية المتعلقة بوباء كورونا ولكن ما باليد حيلة.
وأضاف: نسمع تصريحات المسؤولين فنرى أنهم عاجزون مثلنا تمامًا ولا يجدون حلًا للأزمة، فالجميع مشغول في محاولات الإخوان للسيطرة على الدولة رغم أن هناك أزمات تهدد تلك الدولة التي يتقاتلون من أجل السيطرة عليها، فالجميع قرروا تركنا فريسة للعطش، ونعلم جيدًا أنهم إذا لم ينتبهوا قبل فوات الأوان قد لا يجدوا دولة ليحكموها، فمنذ سنوات نسمع عن محطات تحلية المياه والتي لم تظهر للواقع حتى الآن ولا نعرف متى ستظهر، وجميعنا فقد الأمل في تصريحات الحكومة.