الملف الإيراني في لحظة حاسمة.. هل تُحسم المعركة بالتفاوض أم التهديد؟
الملف الإيراني في لحظة حاسمة.. هل تُحسم المعركة بالتفاوض أم التهديد؟

في مشهد دبلوماسي تتداخل فيه الحسابات النووية بالتجاذبات الإقليمية والدولية، شهدت العاصمة الإيطالية روما محطة جديدة في مسار التفاوض غير المباشر بين الولايات المتحدة وإيران، استغرقت أربع ساعات فقط، لكنها بدت كأنها حجر جديد في بناء هشّ لم يكتمل منذ انهيار الاتفاق النووي في 2018.
اللقاء، الذي جرى برعاية عمانية هادئة كعادتها، لم يكن مجرد جلسة لتبادل الرسائل أو تدوير الزوايا، بل مثّل انتقالًا محسوبًا إلى مرحلة فنية تُبقي الباب مواربًا أمام احتمالات الاتفاق أو الانفجار، ومع تصاعد التهديدات والتحذيرات من أطراف إقليمية ودولية، يبدو أن طريق العودة إلى تفاهم شامل بات معقدًا أكثر من أي وقت مضى، خاصة في ظل إصرار طهران على التمسك بـ"الخطوط الحمراء"، وتشكيك الغرب في نواياها، في هذا السياق المتأرجح، تتجه الأنظار إلى مسقط مجددًا، حيث يُتوقّع أن تُستأنف المباحثات السبت المقبل، وسط آمال حذرة وألغام سياسية ما تزال مزروعة في كل زاوية.
*جولة بلا حسم*
انتهت الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، التي احتضنتها روما يوم السبت، وسط تصريحات وصفت اللقاء بـ"الإيجابي والمتطلع إلى المستقبل"، ولكن دون الإشارة إلى اختراق نوعي في صلب الخلافات المزمنة.
فقد اجتمع الطرفان – عبر الوساطة العمانية – في مقر السفارة العمانية في العاصمة الإيطالية، واستمرت المحادثات أربع ساعات، بمشاركة كبار المفاوضين من الجانبين، تمهيدًا لجولة ثالثة ستُعقد في العاصمة العمانية مسقط يوم السبت المقبل.
وبحسب تصريحات عباس عراقجي، كبير المفاوضين الإيرانيين، فقد تم التوصل إلى "تفاهم أفضل" بشأن عدد من القضايا العالقة، مع الاتفاق على تشكيل لجان فنية للبحث في التفاصيل الدقيقة، وهو ما يمثل خطوة تقنية ضرورية، لكنها ليست كافية لعبور فجوة الشكوك وانعدام الثقة المتراكمة.
*دور الوساطة العمانية: صبر استراتيجي*
جاءت الوساطة العمانية بقيادة وزير الخارجية بدر البوسعيدي لتؤكد استمرار دور مسقط التاريخي كقناة خلفية موثوقة بين الأطراف المتنازعة.
المتحدث باسم الخارجية العمانية أوضح، أن لقاء روما "مهّد للانتقال إلى مرحلة أكثر عمقًا"، تستهدف صياغة اتفاق دائم وملزم يحقق هدفين: منع إيران من امتلاك سلاح نووي، ورفع العقوبات عنها بشكل كامل، مع احترام حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
وهذا الطرح العماني يعكس رغبة في إعادة التوازن إلى اتفاق 2015، ولكن بعد إدخال تعديلات تضمن استدامته وثقة الأطراف المعنية.
إلا أن الطريق نحو هذا الهدف لا يبدو سهلًا، في ظل تضارب الأجندات السياسية داخل واشنطن وطهران، وتزايد الضغط الإسرائيلي لمنع أي تسوية قد تُبقي البرنامج النووي الإيراني قائمًا.
*ضغوط مستمرة*
السياق العام للمفاوضات لا يمكن فصله عن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في 2018، والذي أعاد فرض عقوبات اقتصادية خانقة على طهران ضمن سياسة "الضغوط القصوى".
ورغم خروجه من البيت الأبيض، ما يزال إرثه حاضرًا، سواء في نهج واشنطن التفاوضي أو في تصريحات ترامب الأخيرة التي لمح فيها إلى إمكانية استخدام القوة إذا فشلت المفاوضات.
وعلى الرغم من إعراب ترامب عن عدم استعجاله في استخدام الخيار العسكري، فإن هذه التصريحات تركت أثرًا سلبيًا على أجواء التفاوض، وأعادت فتح باب التساؤلات حول جدية الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق حقيقي.
*الملف النووي: شبح القنبلة حاضر*
الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من جهتها، أبدت قلقًا متزايدًا من تطورات تخصيب اليورانيوم في إيران، التي وصلت إلى نسبة 60%، وهي قريبة من الحد اللازم لصنع قنبلة نووية.
المدير العام للوكالة رافايل غروسي قال -في تصريح لصحيفة "لوموند" الفرنسية-: إن طهران "ليست بعيدة عن عتبة امتلاك السلاح النووي"، فيما يبدو كتحذير مبطن للمجتمع الدولي بأن الوقت ينفد.
أما إسرائيل، فكرّرت موقفها الثابت الرافض لأي اتفاق يُبقي على قدرات إيران النووية، وأكدت أنها تملك "مسار تحرك واضح" لمنع ذلك، ما يعني أن أي فشل في مسقط قد يعيد المنطقة إلى مربع التوتر وربما المواجهة.
*الخطوط الحمراء الإيرانية: الأمن مقابل الشرعية*
إيران، بدورها، لا تُخفي تحفظاتها على توسيع نطاق المفاوضات لتشمل برنامجها الصاروخي أو نفوذها الإقليمي.
عراقجي شدد على أن تلك الملفات "خطوط حمراء"، ملوحًا برفض أي مطالب "غير واقعية"، بينما يصر الجانب الأمريكي على ضمانات إضافية تتعدى الاتفاق النووي الأصلي.
ويتجلى الخلاف في أن واشنطن ترى ضرورة نزع الأنياب الاستراتيجية لطهران، فيما تعتبر الأخيرة أن هذه الأنياب هي ما يحفظ لها مكانة إقليمية ويمنع تكرار سيناريو العراق أو ليبيا.
الجولة الثالثة المنتظرة في مسقط، المقررة السبت المقبل، ستكون اختبارًا جديدًا لمدى استعداد الطرفين للعبور من مسارات أمنية مشحونة إلى مداخل دبلوماسية ناضجة.
ولكنّ التقدم الفعلي يتوقف على مدى قدرة كل طرف على التنازل التكتيكي دون خسارة موقعه الإستراتيجي.