بسبب الحجر الصحي.. العنف المنزلي «قنبلة موقوتة» تهدد المجتمع التركي
تعاني النساء في تركيا منذ سنوات من تضاعف نسب العنف ضدهن، العنف الذي يتحول في كثير من الأحيان لجرائم قتل، منظمات حقوقية على رأسها منصة وقف جرائم القتل ضد النساء في تركيا أعلنت في تقريرها عن شهر يناير 2020 أن هناك 27 حالة قتل امرأة منهن 12 حالة بسبب الرغبة في الطلاق أو رفض الصداقة أو رفض المصالحة ومعظم الحالات بدأت بمشاجرة تطورت لتصل إلى القتل، ومع تفشي وباء كورونا وإصدار السلطات التركية حزمة من القرارات الاحترازية التي أجبرت المواطنين على المكوث في منازلهم، زادت حدة العنف المنزلي ضد المرأة لتبلغ مستويات غير مسبوقة في تركيا مما دفع مراقبين لتأكيد أن الأعداد هذا العام ستفوق الأرقام المسجلة في آخر عشر سنوات بالكامل.
أرقام العنف ضد المرأة في تركيا "مفزعة" قبل "كورونا" وتضاعفت عدة مرات
منظمات حقوقية أكدت أن حالات القتل في يناير 2020 – قبل كورونا - فقط سجلت 15 حالة قتل بأسلحة نارية، و8 حالات بأسلحة بيضاء، وحالتي خنق، وحالة ضرب وحالة حرق، وجاءت اسطنبول وأنطاليا ومانيسا وأزمير على رأس المحافظات التي تشهد جرائم قتل للمرأة في تركيا.
وذكرت وسائل إعلام تركية، أن هناك 38 سيدة في البلاد قتلن نتيجة العنف خلال أول 30 يوما من اكتشاف فيروس كورونا وبدء فترة الحجر المنزلي.
منصة وقف جرائم قتل المرأة أكدت أن حالات القتل لا تقارن بعدد حالات الاعتداء الجسدي والعنف المنزلي الذي لا يصل إلى مرحلة القتل ولكن يتسبب في جروح قطعية وكسور وإصابات مختلفة تجاوزت الـ9 آلاف حالة في شهر يناير فقط أي قبل قرارات الحجر الصحي.
وأضافت المنظمة أن الجرائم ضد النساء كان سببها الرئيسي هو الأزمات الاقتصادية التي تسببت في حالة من الضغوط الحياتية التي أدت بطبيعة الحال إلى اختلال نفسي شديد لدى الرجال، وجاء فيروس كورونا بما يحمله من ضغوط اقتصادية هائلة وحبس إجباري للملايين ليزيد من الاضطراب النفسي ويزيد معدل العنف المنزلي ضد المرأة.
حيث أكدت المنظمة في تقرير لها أن العزل المنزلي الإجباري يصاحبه اضطرابات نفسية ومشاكل مالية وحالة من الخوف من الغد ومن المجهول وتجد المرأة نفسها تعيش في بيت صغير مع شخص يصب عليها غضبه بسبب قلة الموارد وزيادة الضغوط النفسية والحياتية.
تراخي الحكومة في مد يد المساعدة سبّب تضاعُف حالات العنف المنزلي
منظمات حقوق الإنسان حول العالم رصدت ارتفاعا مقلقا في حالات العنف المنزلي بسبب البقاء في المنزل بشكل إلزامي مع انتشار فيروس كورونا المستجد، وأكدت في تقارير لها أن كلما زادت أشكال الإجراءات الاحترازية صرامة زادت نسب العنف المنزلي، في تركيا زادت نسب العنف المنزلي 7 أضعاف العدد المعتاد الضخم بالفعل قبل الأزمة العالمية.
ويشهد الخط الساخن المخصص للإبلاغ عن حالات العنف المنزلي عشرات الآلاف من الاتصالات يوميًا، حيث ارتفع عدد المكالمات الواردة إليه بنسبة 160% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، حيث أكدت الأرقام الرسمية أن 80% من حالات العنف المنزلي الحالي ترتبط بتهديدات بالقتل.
وأكد حقوقيون أن الحكومة هي المسؤول الأول عن تزايُد حالات العنف بسبب تجاهلها توفير دعم مادي مناسب للمتضررين مما وضعهم تحت ضغوط هائلة جعلتهم يصبون غضبهم على أسرهم.
وأضافوا أن معظم النساء المتصلات بالخط الساخن للإبلاغ عن العنف المنزلي يؤكدن حقيقة أن العنف تطور إلى تهديدات بالقتل لها ولأطفالها والانتحار بعدها بسبب عدم وجود مال كافٍ ولا طعام في المنزل، وأكدن أن وجود بعض الدعم الحكومي سيساعد على تراجع العنف.
الأمن التركي متراخٍ ويستهتر بـ"بلاغات" العنف المنزلي
تقول "أمينة فيرداغ"، 34 عاما تركية تعيش في اسطنبول: إن الأوضاع الاقتصادية غاية في الصعوبة، ونرى المساعدات الحكومية في وسائل الإعلام فقط وإذا حاولنا الحصول عليها اكتشفنا أنها كانت مجرد سراب نسير خلفه بلا أمل في الحصول عليه.
وأضافت أمينة، حتى الآن أوضاعنا المالية مستقرة إلى حد كبير بسبب أن زوجي طبيب وأنا طبيبة والأجور مستمرة ومهنتنا لم تتوقف على عكس شقيقتي التي تعرضت للضرب في منزلها 4 مرات منذ بداية الإجراءات الاحترازية آخرها تم نقلها إلى المستشفى بعد كسر في 3 ضلوع.
وتابعت أمينة، زوج شقيقتي كان يملك 3 مقاهي يعيش بسببهم في مستوى اقتصادي متميز وينفق بسخاء على أسرته، منذ إغلاق المقاهي حاول الصمود قليلًا وبدأ صرف رواتب العاملين لديه ولكن مع طول المدة وجد نفسه مضطرًا لتسريح العمالة مع فقدان مصدر دخله الوحيد مما انعكس على حالته النفسية داخل المنزل مع شعوره بالخوف والغضب وعدم قدرته على الخروج من المنزل فلا يجد سوى شقيقتي لينفس من خلاله غضبه.
مع تهديده لها بالقتل نصحتها بالاتصال بالشرطة، وكان رد الشرطة صادمًا حيث قال لها الضابط أنصحك بحل مشاكلك الداخلية بنفسك الأوضاع مضطربة ونحن أمامنا عمل شاق أهم من المشاكل الأسرية والتهديدات الجوفاء.
العنف يتزايد في الأسر الأكثر فقرًا.. والحكومة تشاهد فقط ولا تتدخل
ومن قلب اسطنبول إلى مخيمات اللاجئين التي تشهد إجراءات مضاعفة ويعيش فيها عدة أسر داخل خيمة واحدة مما يضاعف الاحتمالات الخاصة بالعنف المنزلي، يقول شاهين عمر، 40 عاما، سوري يعيش في تركيا، ويهتم بالعمل الاجتماعي إنه رصد ارتفاع ملحوظ في حالات العنف ويرتبط دائمًا بالأسر الأكثر فقرًا.
وأضاف، الإجراءات الحكومية التركية بالنسبة لقاطني المخيمات تفوق الإجراءات في باقي المدن التركية بعشرة أضعاف على الأقل، رغم سوء الحال وعمل معظم قاطني المخيمات في مهن ذات أجر يومي انقطع عنهم المال فور تنفيذ الإجراءات الحكومية، ولم تضعهم الحكومة التركية في حسبانها عندما قررت حزمة مساعدات غير أن الحكومة تستولي أولًا بأول على مساعدات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ولا يصل منها إلا الفتات.
وتابع، خوف الرجال من المستقبل المجهول، ومن صعوبة الحصول على الطعام والشراب ولد داخلهم غضبا هادرا، ومع الإجراءات الأمنية التي تمنع خروجهم إلى الشوارع لا يجد الرجل أمامه إلا أسرته التي يجلس معها مجبرًا طوال اليوم فلا أحد يساعدهم ولا هم أحرار في مساعدة أنفسهم.