نتنياهو في واشنطن.. رحلة بلا مكاسب تكشف تغيرات في قواعد اللعبة
نتنياهو في واشنطن.. رحلة بلا مكاسب تكشف تغيرات في قواعد اللعبة

عندما خطا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عتبة البيت الأبيض هذا الأسبوع، كان يراهن على أن الزيارة ستضيف إنجازًا جديدًا إلى سجله السياسي، وتعيد إليه بريق الانتصارات التي اعتاد عليها خلال ولاية دونالد ترامب الأولى، لكن ما حدث كان صدمة سياسية مدوية، قلبت التوقعات رأسًا على عقب، فبدلًا من وعود بالدعم أو رسائل موجهة لإيران، خرج نتنياهو خاوي الوفاض من لقاءاته، يواجه مشهدًا أمريكيًا متغيرًا، وتحولات لافتة في السياسة الخارجية، الإعلان المفاجئ عن محادثات أمريكية إيرانية، والإشادة من ترامب بألدّ خصومه الإقليميين، إلى جانب غياب أي تقدم في ملفي غزة والرهائن، كلها محطات كشفت هشاشة رهانات نتنياهو، وبدّدت آماله في مكاسب سهلة من صديقه القديم.
*مفاجآت ترامب*
لم تكن زيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن هذا الأسبوع زيارة عادية. فالزعيم الإسرائيلي المخضرم دخل أروقة البيت الأبيض محاطًا بهالة من الثقة، متوقعًا أن يعيد التاريخ نفسه مع حليفه الأقرب دونالد ترامب. غير أن الواقع جاء مغايرًا تمامًا لما خُطط له.
فبدلاً من حصد الدعم السياسي وتسجيل اختراقات في الملفات الحساسة، اصطدم نتنياهو بجملة مفاجآت قلبت موازين اللقاء.
أولى تلك المفاجآت تمثلت في الإعلان الأمريكي عن قرب انطلاق محادثات مباشرة مع إيران، تنطلق من سلطنة عمان، وهي خطوة عارضتها إسرائيل لعقود.
فقد دأب نتنياهو على الحشد ضد أي مسار تفاوضي مع طهران، واعتبره تهديدًا وجوديًا. الإعلان، الذي جاء على لسان ترامب خلال المؤتمر الصحفي المشترك، بدا وكأنه طُعن في خاصرة نتنياهو السياسية.
فوجهه، وفق وصف مصادر مطلعة، تجمد للحظات، ثم سارع إلى التحدّث عن "الخيار العسكري الموسع" الذي ناقشه مع الرئيس الأمريكي، في محاولة لإنقاذ ماء وجهه، بحسب تقرير لـ CNN.
*رغم المحاولات.. الرسوم الجمركية مستمرة*
الضربة الثانية جاءت اقتصادية، إذ فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية جديدة على صادرات إسرائيلية بنسبة 17%، الأمر الذي دفع تل أبيب لإلغاء رسومها على المنتجات الأمريكية على عجل، في خطوة بدت أقرب إلى التنازل منها إلى التفاوض المتكافئ.
ورغم محاولاته لإظهار الأمر وكأنه جزء من تفاهم أوسع، إلا أن نتنياهو لم يتمكن من الحصول على أي استثناء أو وعود بإعادة النظر في القرار الأمريكي.
*صفعة علنية*
لكن الأكثر إحراجًا جاء من كلمات ترامب نفسه، الذي، وسط المؤتمر، امتدح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خصم نتنياهو اللدود، واصفًا إياه بـ"الرجل القوي والذكي". في الوقت الذي لا تزال تصريحات أردوغان المعادية لإسرائيل تتصدر وسائل الإعلام العالمية، بدا المديح مفاجئًا ومربكًا، إلى حد أن بعض الدبلوماسيين وصفوه بأنه "صفعة علنية" للحليف الإسرائيلي.
وفيما يتعلق بملف الرهائن المحتجزين في غزة، وهو من أكثر الملفات حساسية في الداخل الإسرائيلي، لم يأت اللقاء بنتائج ملموسة.
ترامب أعلن أن الجهود مستمرة، لكن دون تحديد أي آلية أو إطار زمني. وأكد أن وقف إطلاق النار قادم "قريبًا"، وهو ما يعقد وضع نتنياهو داخليًا، إذ يعتمد بقاؤه في السلطة على دعم قوى يمينية متطرفة ترفض أي هدنة.
*ردود الفعل*
الردود في الداخل الإسرائيلي لم تتأخر. الصحف العبرية، وعلى رأسها "يديعوت أحرونوت"، وصفت الزيارة بالفاشلة.
وقال روني شاكيد، الباحث البارز في الجامعة العبرية: إن "نتنياهو يعود بلا غنائم، لا إيران، لا غزة، لا رهائن".
وأضاف: أن غياب التنسيق مع إسرائيل بشأن المحادثات مع طهران يطرح تساؤلات عميقة حول مكانة تل أبيب في حسابات الإدارة الأمريكية.
من جانبه، يقول د. محمد المنجي أستاذ العلوم السياسية: إن التحولات التي شهدتها زيارة نتنياهو تعكس تغيرًا جوهريًا في توازنات العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، فإسرائيل لم تعد الطرف الذي يحظى بالاستثناءات.
فرض رسوم جمركية على صادراتها دليل واضح على تراجع نفوذها حتى في الملفات التجارية".
وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن تراجع مكانة نتنياهو في المشهد الأمريكي ليس مجرد زلة دبلوماسية، بل هو نتيجة تراكمات مرتبطة بمواقفه الداخلية المتشددة، والتكلفة المتزايدة للحرب في غزة، وانقسام الرأي العام الأمريكي بشأن دعمه غير المشروط.
ومع عودة نتنياهو إلى تل أبيب، بدا واضحًا أن الزيارة، التي كان من المفترض أن تعيد له شيئًا من بريقه السياسي، لم تؤد سوى إلى كشف عزلة تتسع، وأزمة قيادة تزداد تعقيدًا.