وقف إطلاق النار في ليبيا.. بين انصياع الوفاق وردود الفعل الدولية
بعد أشهر من المساعي الدولية لتهدئة الأوضاع في ليبيا والسيطرة على الإرهاب، والمبادرة المصرية الشهيرة قبل فترة وجيزة، والمطالبات الداخلية، يبدو أن حكومة الوفاق المدعومة من الإخوان بطرابلس وتركيا، خارت قواتهم وخلت خزائنهم بعدما بددوا الأموال على المرتزقة والأسلحة.
قرار وقف إطلاق النار
قبل ساعات قليلة، خرج المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، بإعلان وقف فوري لإطلاق النار وتعليق كل العمليات العسكرية في كافة الأراضي الليبية، داعيًا لانتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس المقبل.
وأكدت الوفاق أن تحقيق وقف إطلاق النار يقتضي أن تكون سرت والجفرة منزوعتي السلاح، وأنه "لا يجب التصرف في إيرادات النفط إلا بعد التوصل إلى ترتيبات سياسية جامعة وفق مخرجات مؤتمر برلين".
وطالب بأن تكون المؤسسة الوطنية للنفط هي الوحيدة التي يحق لها الإشراف على تأمين الحقول والموانئ النفطية في جميع أنحاء ليبيا.
من ناحيته، قال مجلس النواب الليبي: إنه يسعى لتجاوز وطي صفحة الصراع والاقتتال، كما أنه يجب تفكيك الميليشيات لاسترجاع السيادة الوطنية الكاملة، مضيفًا أن "وقف إطلاق النار سيخرج المرتزقة ويؤدي إلى تفكيك الميليشيات، ويوقف التدخل الأجنبي".
ظهور داعش
ربطت الكثير من التقارير بين عمليات نقل تركيا للمرتزقة السوريين إلى ليبيا، وعودة ظهور داعش من جديد في هذه المناطق.
ووفقًا لإحصاءات المرصد السوري، فإن عدد المسلحين الذين أرسلتهم تركيا إلى الأراضي الليبية يبلغ حاليًا نحو 17420 من الجنسية السورية، من بينهم 350 طفلًا دون سن 18 عامًا.
وسبق أن دعت الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى التهدئة في ليبيا والعودة إلى الحل السياسي، حيث أكد مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي، العميد خالد المحجوب، أن تركيا تستمر في جلب المرتزقة إلى ليبيا.
ردود الفعل
المثير للجدل أنه فور إعلان بيان وقف إطلاق النار، رحبت الرئاسة التركية بإعلان البرلمان الليبي وحكومة الوفاق، لذلك القرار.
كما رحبت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، ببياني رئيسي المجلس الرئاسي ومجلس النواب الراميين لوقف إطلاق النار وتفعيل العملية السياسية.
وأعلنت السفارة الأميركية في ليبيا، عن ترحيبها بالبيانات المتعلقة بوقف إطلاق النار، واعتبرتها "خطوة مهمة لجميع الليبيين"، مشيرة إلى أنه سيكون لدى الولايات المتحدة المزيد لتقوله قريبًا.
وأعربت سفارة كندا لدى ليبيا، عن ترحيبها بالبيانين الصادرين عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ورئيس مجلس النواب في ليبيا، حول وقف إطلاق النار، جميع أطراف الصراع الليبي على تنفيذ وقف إطلاق النار واستئناف العملية السياسية.
كما رحبت وزارة الخارجية الإيطالية ببياني حكومة الوفاق في طرابلس ورئيس البرلمان عقيلة صالح بشأن وقف إطلاق النار في البلاد، معربة عن أملها في أن تشهد التطورات الأخيرة الناتجة عن بياني المجلس الرئاسي ومجلس النواب بشأن استئناف إنتاج النفط في ليبيا تنفيذًا ملموسا على أرض الواقع، مشيرة إلى أن التطورات الأخيرة الناتجة عن بياني المجلس الرئاسي ومجلس النواب خطوة جريئة ومهمة نحو استقرار ليبيا.
بينما أعلن مصدر دبلوماسي بالخارجية الروسية لوكالة "سبوتنيك" الروسية ترحيب موسكو بالبيانات الصادرة عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ومجلس النواب في ليبيا بوقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية في كافة الأراضي الليبية، قائلًا: "نحن دائمًا نرحب بمثل هذه التصريحات، وقد سبق ذكر ذلك في القاهرة، ثم أعلنا رسميًّا أننا ندعم إعلان القاهرة، نحن أنفسنا نقترح الوقف الفوري لإطلاق النار طوال الوقت".
وتابع: "بما أنه لا يوجد حل عسكري، فمن الضروري وقف إطلاق النار فوراً وبدء العملية السياسية"، مشيراً إلى أن السيطرة على وقف إطلاق النار يمكن عبر آلية اللجنة العسكرية المشتركة في جنيف "5 + 5".
المبادرة المصرية
ويأتي ذلك الإعلان، بعد المبادرة المصرية التي أعلنتها البلاد في مطلع يونيو الماضي، حيث وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، صفعة قوية للأطراف الإرهابية المتداخلة في طرابلس، حيث عقد القادة الثلاثة مؤتمرًا صحفيًّا أطلقوا فيه مبادرة مصرية لإنهاء الصراع في ليبيا، لمواجهة تداعيات تنذر بتطورات إقليمية، وانطلاقًا من حرص مصر على تحقيق استقرار ليبيا خاصة أنه جزء لا يتجزأ من استقرار مصر وفي إطار العلاقات بين البلدين تم دعوة رئيس البرلمان الليبي والقائد العام للقوات المسلحة للحضور إلى القاهرة للتشاور حول تطورات الأوضاع.
وأعلن القادة أنه تم الاتفاق بشكل نهائي على إطلاق إعلان القاهرة "مبادرة ليبية ليبية" كأساس حل الأزمة متضمنًا جهود الولايات المتحدة وباريس وبرلين وأبوظبي لحل الصراع، تتضمن احترام كافة المبادرات الدولية بوقف إطلاق النار، وإخراج المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها.
كما تضمنت استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية "5 + 5" بجنيف برعاية الأمم المتحدة، وطرح مبادرات لحل الأزمة على كافة المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية، وضمان تمثيل عادل لأقاليم ليبيا الثلاثة تحت إشراف الأمم المتحدة للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وتوحيد المؤسسات الليبية بما يمكنها من القيام بدورها والتوزيع العادل للموارد الليبية على كافة المواطنين، واعتماد إعلان دستوري ينظم مقتضيات المرحلة المقبلة سياسيًّا وانتخابيًّا.
وتعتمد المبادرة المصرية على التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبناء عليه التزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار.
وعقب أيام منها، تحدث السيسي في خطاب شهير له، قائلًا: "سرت والجفرة بالنسبة لنا خط أحمر"، مشددًا على أن مصر تكن كل الاحترام والتقدير لليبيا ولم تتدخل يومًا في شؤونها الداخلية ومستعدة لتقديم الدعم من أجل استقرارها، مضيفًا: "نحن في مصر نكن لكم احترامًا وتقديرًا كبيرًا ولم نتدخل في شؤونكم ودائمًا مستعدون لتقديم الدعم، من أجل استقرار ليبيا وليس لنا مصلحة إلا أمنكم واستقراركم، وتجاوز سرت والجفرة خط أحمر، ولن يدافع عن ليبيا إلا أهل ليبيا ومستعدون نساعد ونساند هذا".
القرار انتصار للمبادرات العربية والمصرية
ومن ناحيته، شدد البرلماني المصري مصطفى بكري، على أن قرار حكومة الوفاق اليوم يأتي كدليل قوي على انتصار المبادرات العربية والعالمية السابقة لتهدئة الأوضاع في ليبيا، والتي كللتها المبادرة المصرية في يونيو الماضي، التي تمسكت بالحل السياسي السلمي في طرابلس وأرست قواعد السلام والأمان بها.
وأضاف بكري: أن القرار يعتبر تأكيدًا على نجاح الحكمة والدبلوماسية المصرية بكل أجهزتها، التي حركت القوى الدولية الفاعلة، لدرجة موافقة الطرفين حتى المدعوم من الإرهاب على الانصياع لإعلان وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن ذلك يعتبر خطوة مهمة لتسوية الأزمة بليبيا سياسيًّا.
وتابع: إن ذلك من شأنه دعم الاستقرار وحفظ مقدرات الشعب الليبي، التي استغلتها حكومة الوفاق وتركيا على مدى الفترة الماضية، مطالبًا بأهمية خروج القوات الأجنبية والمرتزقة وحل الميليشيات الإرهابية في ليبيا، وعلى رأسها القوات التركية.