تهريب السلاح إلى الحوثيين.. كيف تحافظ شبكات إيران على اشتعال الصراع في اليمن
تهريب السلاح إلى الحوثيين.. كيف تحافظ شبكات إيران على اشتعال الصراع في اليمن

من شواطئ القرن الإفريقي إلى مرافئ اليمن السرية، ترسم مسارات تهريب السلاح الإيراني خريطة ظلّ لا يعرفها سوى القلة، تحقيقات ميدانية وتقارير استخباراتية تكشف عن شحنات معقدة التنظيم، محمّلة بطائرات مسيّرة وأنظمة اتصالات متطورة، تُهرّب على متن قوارب صيد متخفية وسط حركة البحر.
في الأسابيع الأخيرة، نفذت القوات اليمنية والمقاومة الوطنية أكبر عمليات اعتراض منذ سنوات، في مواجهة شبكات تعمل بأسلوب احترافي يربط بين موانئ نائية ووسطاء محليين وإشراف مباشر من الحرس الثوري.
خلف الكواليس، تشير مصادر مطلعة إلى لقاءات سرية في بيروت جمعت الحوثيين وحزب الله، في تنسيق قد يفتح الباب أمام جولة جديدة من التصعيد الإقليمي، تتجاوز حدود اليمن إلى عمق المعادلة الأمنية في المنطقة.
*دعم إيراني لا ينقطع*
تسارعت في الفترة الأخيرة وتيرة ضبط شحنات الأسلحة الإيرانية الموجهة إلى الحوثيين، في عمليات أظهرت دقة في الرصد وتعاونًا استخباراتيًا متقدمًا بين الحكومة اليمنية وشركائها الإقليميين والدوليين.
أحدث هذه العمليات تمثلت في إحباط محاولة تهريب شحنة كبيرة من الطائرات المسيّرة، وأجهزة تحكم متقدمة، وأجهزة اتصال لاسلكية، إضافة إلى قطع غيار عسكرية، كانت في طريقها إلى الحوثيين عبر ميناء الحديدة، قبل أن تغيّر مسارها إلى ميناء عدن بسبب القصف الذي تعرض له الميناء على الساحل الغربي للبحر الأحمر.
هذه الشحنة لم تكن الأولى من نوعها، فقبلها بأيام أعلنت السلطات الأمنية في اليمن إحباط محاولة تهريب شحنة من الطائرات المسيّرة والمعدات العسكرية كانت في طريقها إلى الحوثيين، عقب أيام من ضبط المقاومة الوطنية التابعة للجيش اليمني شحنة أسلحة متطورة هي الأضخم في تاريخ الدعم الإيراني للحوثي قدرت بنحو 750 طنًا.
ضمت تلك الشحنة قطعًا لصواريخ بحرية وأرض- أرض، وأجزاء لطائرات مسيرة إيرانية، ومنظومات دفاع جوي رادارية وحرارية، فضلًا عن كميات كبيرة من الذخائر والمعدات التجسسية وأجهزة التمويه، ما يعكس حجم الاستثمار العسكري الذي تضخه طهران في هذه الميليشيا.
*طرق ملتوية*
ويؤكد المحلل السياسي اليمني، أدونيس الدخيني، أن هذه الشحنات تمثل جزءًا من رهان إيران على الحوثيين كآخر ذراع نشط لها في المنطقة، بعد تراجع قدرات حلفائها التقليديين مثل: حزب الله وحماس والنظام السوري تحت ضغط العمليات الإسرائيلية والتطورات الإقليمية.
ويرى الدخيني، في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن تسارع وتيرة الإمدادات، رغم عمليات الضبط، يشير إلى إصرار طهران على إبقاء الحوثيين في حالة جاهزية عسكرية يمكن استدعاؤها في أي وقت، سواء في البحر الأحمر أو في مواجهة إسرائيل.
وبحسب بيانات القوات اليمنية، فإن ما يتم ضبطه لا يتجاوز 10% مما يصل فعليًا إلى الحوثيين، بالنظر إلى المسالك البحرية الوعرة وتقنيات التهريب المتطورة التي يستخدمها المهربون.
فعملية نقل السلاح غالبًا ما تبدأ بسفن شحن كبيرة تمر في المياه الدولية، لتفرغ حمولتها في عرض البحر على قوارب صيد صغيرة تتجه نحو مناطق إنزال سمكي نائية في الحديدة وحجة، حيث يتم تفريغ الشحنات بعيدًا عن أعين الرقابة.
*أدلة واحتجاج رسمي*
الحكومة اليمنية بدورها لم تكتف بالإجراءات الأمنية، بل تقدمت في يوليو الماضي بمذكرة احتجاج رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، متهمة إيران بانتهاك قرارات الأمم المتحدة، خصوصًا القرارين 2140 و2216، وتقديم دعم عسكري مباشر للحوثيين.
وقدمت المذكرة أدلة مادية، من بينها دلائل تشغيل باللغة الفارسية وأرقام تسلسلية مطابقة للمعدات العسكرية الإيرانية.
هذه الأنشطة تتقاطع مع تحذيرات أطلقتها الحكومة في مارس الماضي، بشأن اجتماعات في بيروت بين قيادات حوثية والحرس الثوري الإيراني وحزب الله والحشد الشعبي العراقي، بهدف التحضير لتصعيد ميداني واسع في اليمن، لا سيما في محافظة مأرب الاستراتيجية.
وتؤكد هذه التحركات أن اليمن أصبح اليوم ساحة بديلة لتصفية الحسابات الإقليمية، خصوصًا في ظل انشغال الأطراف الدولية بملفات ساخنة أخرى.
ويشير العقيد وضاح الدبيش، المتحدث باسم القوات المشتركة في الساحل الغربي، إلى أن إحباط عمليات التهريب يعود بالدرجة الأولى إلى التعاون الاستخباراتي الإقليمي والدولي، الذي مكّن من رصد تحركات السفن القادمة من إيران ودول شرق آسيا والقرن الأفريقي.
كما كشفت اعترافات بعض المهربين المضبوطين عن نجاحهم سابقًا في تمرير 11 شحنة أسلحة استراتيجية، جرى تمويهها داخل معدات صناعية ومدنية.
من جانبه، يقول حسان الياسري، المحلل السياسي اليمني: إن المشهد الحالي يعكس مواجهة مفتوحة بين جهود الإحباط العسكرية والاستخباراتية من جهة، وتصميم إيراني على إبقاء خطوط الإمداد نحو الحوثيين نشطة من جهة أخرى، محذرًا، من أن هذه المواجهة، إذا استمرت بوتيرتها الحالية، قد تجر اليمن والمنطقة إلى جولة جديدة من التصعيد، خاصة إذا ما قررت طهران استخدام الورقة الحوثية كورقة ضغط في مفاوضاتها مع الغرب، أو كرد فعل على التطورات في ملفات إقليمية أخرى مثل الملف النووي أو الصراع في غزة.
*صراع مزمن*
من جهته يرى المحلل السياسي اليمني، محمد الضبياني، أن استمرار شبكات إيران في تهريب السلاح إلى الحوثيين ليس مجرد دعم لجماعة مسلحة، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إبقاء اليمن في حالة صراع مزمن يمكن توظيفه لخدمة أجندة طهران الإقليمية.
ويوضح الضبياني في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن إيران تتعامل مع الحوثيين باعتبارهم ذراعًا عسكرية وسياسية يمكن تفعيلها في أي لحظة لتغيير موازين القوى في المنطقة أو للضغط على خصومها، سواء في الخليج أو على الساحة الدولية.
ويشير إلى أن هذه الشبكات لا تعمل بمعزل عن أدوات أخرى، بل هي مرتبطة بمنظومة أوسع تشمل التدريب العسكري، ونقل الخبرات التقنية، وإدارة عمليات إعلامية ودعائية تدعم سردية الحوثيين وتبرر تحركاتهم.
ويضيف: أن طهران تستفيد من الطبيعة الجغرافية لليمن وضعف الرقابة البحرية على سواحله الطويلة؛ ما يمنحها قدرة على استمرار الإمدادات رغم العقوبات والقرارات الدولية.
ويختتم الضبياني، بالقول: إن بقاء خطوط الإمداد هذه يعني بقاء الحرب دائرة، لأن الحوثيين يعتمدون عليها للحفاظ على تفوقهم العسكري، بينما تعتمد إيران عليها للإبقاء على ورقة ضغط فعالة، مما يجعل أي حل سياسي شامل في اليمن مرهونًا بقطع هذه الشبكات وتجفيف منابعها.