كواليس خريطة طريق للحوار بين فتح وحماس.. هل تنجح في وحدة الصف الفلسطيني؟
كواليس خريطة طريق للحوار بين فتح وحماس.. هل تنجح في وحدة الصف الفلسطيني؟

دمار قطاع غزة الذي بات واقعًا، مع تصعيد إسرائيلي لا يعرف هوادة، تسجل القاهرة فصلاً جديدًا في محاولات استعادة اللحمة الفلسطينية، عبر خريطة طريق سياسية حملها وفد رفيع من حركة فتح إلى المسؤولين المصريين، في مسعى يبدو أكثر جدية هذه المرة للذهاب نحو حوار استراتيجي مع حركة حماس، يعيد توحيد الصف الفلسطيني بعد سنوات من الانقسام.
وفد فتح وعرض الخطة السياسية في القاهرة
الوفد الذي ترأسه جبريل الرجوب، وضم وجوهًا بارزة من قيادة فتح، أبرزهم: محمد أشتية وروحي فتوح وذياب اللوح، قدم مقاربة سياسية تهدف، أولاً، إلى سحب الذرائع التي تتذرع بها حكومة إسرائيل لتبرير حرب الإبادة الجارية على غزة، وثانياً، لفتح بوابة نحو ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، في توقيت تتزايد فيه الضغوط الإقليمية والدولية من أجل وقف إطلاق النار.
مراحل خريطة الطريق.. من الغرف المغلقة إلى الحوار الشامل
وتحمل خريطة الطريق التي طرحت على طاولة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، تصورًا ذا طابع مرحلي، يبدأ بإجراءات حذرة ومركزة خلف الأبواب المغلقة، وينتهي بحوار وطني شامل يفضي إلى وحدة سياسية وانتخابات جديدة.
وتتطلع فتح إلى التوصل مع حماس إلى تفاهمات تحت مظلة مصرية، تستند إلى المرجعيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وتتبنى نهج المقاومة الشعبية الشاملة كخيار استراتيجي.
شروط المرحلة الأولى.. وحدة الأرض والسلاح والقرار
في المرحلة الأولى، يظهر التركيز على ضرورة قبول حماس بمحددات سياسية وتنظيمية واضحة، تبدأ من الاعتراف بوحدة الأراضي الفلسطينية على حدود 1967، وصولاً إلى التخلي التدريجي عن السيطرة الإدارية والأمنية في غزة.
وهي مطالب تراها فتح ضرورية لاستعادة وحدة النظام السياسي، وضمان سريان القانون الواحد والسلاح الشرعي، في إطار دولة حديثة تتعدد فيها الآراء دون أن تتعدد المرجعيات أو مصادر السلطة.
وفيما يبدو أن الخطة تستحضر كثيرًا من المبادئ التي طالما شكلت نقطة خلاف بين الحركتين، إلا أن التوقيت الراهن، في ظل التضحيات اليومية في غزة، قد يدفع الفصائل نحو مرونة أكبر.
كما أن التنسيق الوثيق مع مصر يمنح الطرح زخمًا إضافيًا، خاصة مع الدور النشط الذي تلعبه القاهرة على صعيد المساعدات الإنسانية، وجهود وقف إطلاق النار، والضغط على تل أبيب لعدم استغلال الانقسام الفلسطيني كمبرر لفصل القطاع عن الضفة.
المرحلة الثانية.. حوار وطني شامل على أسس ديمقراطية
المرحلة الثانية من الخريطة تتضمن حوارًا وطنيًا بمشاركة جميع الفصائل، يتناول قضايا محورية كالرؤية السياسية المستقبلية، طبيعة المقاومة، وشكل الدولة الفلسطينية.
ويفترض أن يفضي هذا الحوار إلى اتفاق على دولة مدنية حديثة، تقوم على التعددية السياسية، وحرية التعبير، وسيادة القانون، والتداول السلمي للسلطة، وهي ثوابت تتطلب تغييرات جذرية في بنية النظام الفلسطيني، وقرارات شجاعة من كلا الطرفين.
تحديات الثقة وتراكمات الانقسام
لكن بين النصوص والنوايا، تقف سنوات الانقسام الطويلة، وخيبات الحوار المتكررة، كحواجز يجب تجاوزها، فعلى الأرض، ما تزال الثقة غائبة، والميدان في غزة ينزف يوميًا، ما يضيف تعقيدات على أي مسار سياسي محتمل.
ورغم كل الجهود، فإن تحدي توحيد المؤسسات الأمنية والمدنية بين غزة والضفة ليس فقط مسألة إدارية، بل هو اختبار حقيقي لإرادة الطرفين في إنهاء الانقسام من جذوره.
الدور المصري.. رافعة دبلوماسية في لحظة مفصلية
في ظل هذا المشهد، تبقى مصر لاعبًا حاسمًا، باعتبارها الطرف الأكثر قبولاً لدى الجانبين، وصاحبة قدرة على الموازنة بين الحساسيات المختلفة.
ويقول الباحث السياسي الفلسطيني عادل الزعنون: إن خريطة الطريق التي قدمتها حركة فتح تشكل خطوة جريئة ومختلفة من حيث التوقيت والمحتوى، لكنها ما زالت محاطة بكثير من العقبات السياسية واللوجستية.
ويضيف الزعنون -في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، إن الطرح يعكس تحركًا واقعيًا من قبل السلطة الفلسطينية في ظل حالة الإبادة التي يتعرض لها القطاع، ومحاولة جادة لإعادة تموضع القضية الفلسطينية في واجهة الاهتمام الإقليمي والدولي، لكن نجاحها يتوقف على مدى استعداد حماس للقبول ببعض التنازلات، خاصة فيما يتعلق بوحدة النظام السياسي والسلاح الشرعي، ومصر تلعب دور الوسيط الأهم، وهي توازن بين الدعم السياسي للسلطة والرغبة في استقرار إقليمي، ما يجعلها أكثر حرصًا من أي وقت مضى على تقريب وجهات النظر، إلا أن الانقسام العميق بين الحركتين لا يمكن تجاوزه بلقاءات بروتوكولية فقط.