مجازر بلا محاكمات.. الأمم المتحدة توثّق الإعدامات الميدانية في الخرطوم

مجازر بلا محاكمات.. الأمم المتحدة توثّق الإعدامات الميدانية في الخرطوم

مجازر بلا محاكمات.. الأمم المتحدة توثّق الإعدامات الميدانية في الخرطوم
الحرب السودانية

في مشهد يعكس الانهيار الكامل لمفهوم حماية المدنيين في مناطق النزاع، تتكشّف تفاصيل مروعة من قلب العاصمة السودانية، الخرطوم، حيث وثّقت الأمم المتحدة أدلّة على تنفيذ عمليات إعدام ميدانية استهدفت العشرات من المدنيين. تتزامن هذه الانتهاكات مع دخول القوات الحكومية والمتحالفين معها إلى أحياء جنوب وشرق المدينة في نهاية مارس، وسط غياب أي رقابة أو محاسبة، ورغم أن البلاد تعيش على وقع حرب طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلا أن بروز نمط ممنهج من التصفيات على أسس جهوية، واستهداف لمتطوعين في لجان المقاومة والمبادرات الإنسانية، يضع علامات استفهام حول نوايا الأطراف المتحاربة، المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فولكر تورك، لم يخفِ فزعه، بينما توجّهت أصابع الاتهام صوب المؤسسة العسكرية السودانية والمتعاونين معها. 

وبينما ترتفع الأصوات الدولية المطالِبة بالتحقيق، ما يزال صدى الرصاص هو الصوت الأقوى في الخرطوم، ويبدو أن العدالة، حتى الآن، غائبة.

إعدامات بدم بارد


منذ السادس والعشرين من مارس، تغيرت معالم جنوب وشرق الخرطوم، لا بسبب الاشتباكات، ولكن لأن تلك الأحياء أصبحت مسرحًا لعمليات تصفية ميدانية ممنهجة، كما وثّقتها مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

أدلّة بصرية دامغة ظهرت على منصات التواصل الاجتماعي، تُظهر رجالاً مسلحين يرتدون الزي العسكري وآخرين بملابس مدنية، وهم ينفذون إعدامات بدم بارد، غالبًا في ساحات عامة، وفي بعض الأحيان على مرأى من السكان.

مصادر ميدانية ذكرت، أن بعض الضحايا كانوا من لجان المقاومة المحلية، وآخرين من متطوعي "التكايا"، وهم شبان نظموا مطابخ خيرية لإطعام المتضررين من الحرب.

بعض الإعدامات كانت مصحوبة بتعليقات من المنفذين، يعلنون فيها أنهم يعاقبون "الخونة" أو "المتعاونين" مع قوات الدعم السريع، ولكنّ التهم لم تكن لتُعرض على أي محكمة، بل كانت كافية لإزهاق الأرواح ميدانيًا.

جرائم حرب


المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عبّر عن "فزع شديد" من تلك التقارير، التي لم تُؤكّد فقط عبر الفيديوهات، بل أيضًا من خلال شهادات تم توثيقها ميدانيًا.

دعا تورك إلى فتح تحقيقات "مستقلة وشفافة وفعّالة"، مشيرًا إلى أن هذه الجرائم ترقى إلى انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد تشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إذا ما ثبت وجود نمط ممنهج في تنفيذها.

بيان الأمم المتحدة أشار إلى تورّط مباشر لعناصر من القوات المسلحة السودانية، ومجموعات أمنية تابعة لها، إلى جانب مقاتلين غير نظاميين موالين للجيش.

وقالت المفوضية، إنها وثّقت مقتل ما لا يقل عن عشرين مدنيًا، بينهم امرأة، في منطقة جنوب الحزام، وهي من أكثر المناطق تضررًا من التصعيد الأخير.

ردود أفعال


وفي سياق متصل، ظهرت مؤشرات مقلقة حول استخدام خطاب الكراهية والتحريض عبر الإنترنت كأداة مساندة لهذه الانتهاكات، قوائم بأسماء أفراد تم اتهامهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع تم تداولها على نطاق واسع، خصوصًا بين سكان الخرطوم الذين ينحدرون من إقليمي دارفور وكردفان، ما يفتح الباب أمام استهدافهم على أساس عرقي أو جهوي.
  
رد الفعل الدولي لم يتأخر كثيرًا. فقد تقدّم عضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، جروجي مييكس، بمشروع قانون يقضي بفرض عقوبات على كل من يثبت تورطه في ارتكاب جرائم إبادة أو جرائم ضد الإنسانية أو عرقلة وصول المساعدات الإنسانية.

هذه الخطوة تعكس تزايد القلق الغربي من تفاقم الأزمة السودانية، لكنها تظل حتى اللحظة في إطار الضغط السياسي دون أي تدخل فعلي لوقف الانتهاكات.

على المستوى المحلي، أصدرت مجموعة "محامو الطوارئ" السودانية بيانًا اعتبرت فيه أن الإعدامات الميدانية تمثّل خرقًا واضحًا لاتفاقيات جنيف، وتعد جرائم حرب بموجب القانون الدولي. 

وأشارت أن تكرار هذه الجرائم في عدة مناطق، لا سيما مدني وود مدني والخرطوم، يكشف عن سياسة ممنهجة هدفها زرع الخوف والسيطرة من خلال الإرهاب.

وتأتي هذه التطورات بعد سلسلة من الانتهاكات السابقة، كان أبرزها ما وقع في مدينة مدني بولاية الجزيرة، عندما دخل الجيش إليها في يناير، حيث وثقت منظمات محلية ودولية حالات اعتقال تعسفي، تعذيب، وعمليات تصفية خارج إطار القانون.

في ظل هذا المشهد القاتم، تبدو العدالة بعيدة المنال. لا مؤشرات على نية جدية من قبل السلطة للتحقيق أو المحاسبة، بينما يتواصل نزيف الدم في شوارع العاصمة. التحذيرات الدولية تتكرر، لكن بلا آليات واضحة للتنفيذ.

ومع تصاعد الكراهية والاستقطاب الجهوي، يخشى مراقبون أن تشهد البلاد فصلاً جديدًا من العنف الواسع النطاق، قد يطول أمده أكثر مما يتوقعه المجتمع الدولي.