استراتيجية حافة الهاوية.. هل يغامر ترامب بإشعال حرب إقليمية كبرى مع إيران؟
استراتيجية حافة الهاوية.. هل يغامر ترامب بإشعال حرب إقليمية كبرى مع إيران؟

تشهد واشنطن في الآونة الأخيرة تصاعدًا متزايدًا في الأصوات الداعية إلى توجيه ضربات عسكرية ضد إيران، وهي أصوات تأتي في معظمها من نفس الأوساط المحافظة التي دفعت الولايات المتحدة نحو غزو العراق قبل سنوات.
وأكد معهد Responsible Statecraft للأبحاث الأمريكي في تقريره، أن مؤسسات مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (WINEP) تقود هذه الدعوات مجددًا، مشيرة أن هذه اللحظة قد تكون الفرصة الأمثل لاتخاذ إجراء عسكري.
وتابع: أن هذه الفرضية تعد وهمًا خطيرًا يهدد بنسف ما يقول الرئيس دونالد ترامب إنه يسعى لتحقيقه وهو "صفقة، وليس حربًا كارثية أخرى في الشرق الأوسط".
حرب تجهض أجندة ترامب الداخلية والخارجية
وأفاد المعهد -في تقريره-، أن الحرب مع إيران لن تقتصر على إشعال صراع طويل الأمد فحسب، بل ستؤدي أيضًا إلى استنزاف الموارد الأميركية وصرف الانتباه عن الأولويات الداخلية؛ مما سيضعف نفوذ الولايات المتحدة على عدة جبهات، بما في ذلك الصين وروسيا وأوروبا والتجارة العالمية. قد تستغل أوروبا هذه الفرصة لتوسيع دعمها لحرب أوكرانيا، وهو ما قد يعرقل جهود ترامب لإعادة ضبط العلاقات عبر الأطلسي.
كما أن شركاء تجاريين مثل المكسيك وكندا والهند قد يستغلون انشغال واشنطن لتحقيق مكاسب غير متوازنة في اتفاقياتهم التجارية. علاوة على ذلك، فإن أي ضربة عسكرية أحادية الجانب قد تؤدي إلى تصدع المجتمع الدولي.
وأضاف، أنه رغم أن روسيا والصين لديهما مخاوف من طموحات إيران النووية، فإنهما ستسارعان إلى استغلال الضربة العسكرية الأميركية كدليل على أن واشنطن هي الطرف المعتدي، ما سيقوض مصداقية الولايات المتحدة في الأمم المتحدة والمحافل الدولية.
الخطر الأكبر
ويرى مراقبون عسكريون ومصادر أمريكية مطلعة، أن السيناريو الأخطر يتمثل في أن توجيه ضربة لإيران قد يأتي بنتائج عكسية تمامًا، ويدفعها لفعل ما يسعى ترامب نفسه إلى منعه: تصنيع قنبلة نووية، فإيران تقوم بالفعل بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من درجة الاستخدام العسكري، وإذا قررت الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT)، فستتبخر آخر مظاهر الرقابة الدولية على برنامجها النووي.
من المرجح أن تؤدي أي ضربة عسكرية أيضًا إلى تقوية العناصر المتشددة داخل النظام الإيراني، وتوفر لهم الذريعة السياسية اللازمة للاندفاع نحو امتلاك سلاح نووي.
وفي هذه الحالة، قد يُذكر اسم ترامب في كتب التاريخ ليس باعتباره الرئيس الذي حل أزمة إيران، بل كرئيس شهدت فترته تحوّل إيران إلى دولة نووية مسلحة، وهذا ليس الإرث الذي يسعى ترامب إلى تركه، كما أنه ليس ما يمكن للولايات المتحدة تحمله.
موقف ترامب
وفي تصريح حديث، رفع ترامب نبرة التهديد بقوله "سيحدث شيء ما مع إيران قريبًا"، لكنه في الوقت نفسه أبدى رغبة واضحة في تجنب المواجهة قائلاً: "آمل أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق سلام، أنا لا أتحدث من منطلق قوة أو ضعف، بل أقول فقط إنني أفضل التوصل إلى اتفاق سلام أكثر من أي شيء آخر". وبحسب المحللين، فإن هذه ليست كلمات رئيس يسعى إلى الحرب، بل كلمات شخص يرى في الدبلوماسية قيمة حقيقية.
ويتقاسم ترامب هذا النهج مع بعض مستشاريه، ففي مقابلة حديثة مع الإعلامي تاكر كارلسون، أعرب مستشاره الخاص للسياسة الخارجية ستيفن ويتكوف عن رؤية أكثر حذرًا تجاه إيران مقارنة بما هو شائع في الأوساط السياسية.
وأكد ويتكوف على أهمية البراغماتية، والتحقق، والاحترام المتبادل، والأهم من ذلك تجنب الصراع. تصريحاته عكست نهجًا متزنًا يستند إلى فهم واضح للمصالح الأميركية وتعقيدات الوضع الإقليمي.
مخاوف من تخريب فرص الدبلوماسية
وأكدت مجلة "ذا ويك" الأمريكية، أن الأزمة مع إيران تكمن في أن العديد من الأصوات المؤثرة في رسم سياسة واشنطن تجاه إيران — سواء داخل الحكومة أو خارجها — تعمل بشكل واضح على تقويض أي مسار دبلوماسي واقعي.
وتابعت، أنهم يدّعون أنهم يسعون إلى اتفاق، بينما ما يطالبون به فعليًا هو استسلام إيران الكامل: وقف تام لتخصيب اليورانيوم، وتفكيك برنامجها النووي، وقطع علاقاتها مع جميع حلفائها الإقليميين، وإحداث تحول جذري في سياستها الخارجية، لا يمكن لأي حكومة إيرانية — سواء كانت براغماتية أو متشددة — أن تقبل بمثل هذه الشروط، حتى الرئيس الإيراني المنتخب حديثًا مسعود بيزشكيان، الذي خاض حملته الانتخابية على أساس تعزيز الدبلوماسية والانفتاح، لن يمتلك المساحة السياسية اللازمة للرضوخ لمثل هذا الإنذار.
وقال مصدر أمريكي مطلع: إن الحقيقة الواضحة هي أنه إذا كنت تدفع نحو مثل هذه المطالب المتطرفة تحت غطاء السعي لتحقيق اتفاق، فأنت في الواقع تُمهد الطريق للحرب.
دبلوماسية جديدة
وأكدت المجلة، أن إيران لاعب معقد بتاريخ طويل، لكن دروس العقد الماضي واضحة: عندما تتبنى واشنطن نهجًا دبلوماسيًا مع إيران، تحقق نتائج، وعندما تعتمد فقط على الضغط، فإنها تقترب أكثر من حافة الصراع.
وأضافت، أن الهدف الأساسي من ممارسة الضغوط هو خلق نفوذ تفاوضي، وليس فرض تكاليف على إيران لمجرد العقاب. والآن، أصبح هذا النفوذ متاحًا، السؤال الحقيقي هو: كيف يمكن استغلاله؟
الحاجة إلى استراتيجية واقعية قائمة على الحوافز المتبادلة
بينما أشار المعهد الأمريكي -في تقريره-، أن الاتفاق النووي لعام 2015 كان بعيدًا عن الكمال، لكنه نجح في فرض قيود مشددة على البرنامج النووي الإيراني، وأخضعه لعمليات تفتيش دولية غير مسبوقة، وكان الهدف من انسحاب ترامب من هذا الاتفاق هو إجبار إيران على قبول شروط أكثر صرامة، وهو ما لم يتحقق.
وتابع، أن بدلاً من ذلك، كانت النتيجة هي توسع إيران في برنامجها النووي، وزيادة عدم الاستقرار الإقليمي، وتعميق تحالف طهران مع موسكو وبكين. إيران أصبحت الآن تخصب اليورانيوم بنسبة 60% — وهي نسبة تقترب بشدة من المستوى اللازم لصناعة سلاح نووي — وتقوم بتخزين كميات أكبر من أي وقت مضى. في الوقت نفسه، تلاشى الإجماع الدولي الذي كان يدعم جهود واشنطن.
وأشار أن الآن هو الوقت المناسب لاستثمار هذا الضغط الأميركي الحالي، ليس من خلال التصعيد نحو الحرب، بل من خلال استغلال هذا النفوذ لإبرام اتفاق أفضل — اتفاق يوفر قيودًا أقوى، وشفافية أكبر، وأمنًا طويل الأمد للولايات المتحدة.