المرض سلاحٌ.. روسيا تُقاتل بجنود يحملون فيروسات قاتلة.. ما القصة؟
المرض سلاحٌ.. روسيا تُقاتل بجنود يحملون فيروسات قاتلة.. ما القصة؟

لم تعد حرب أوكرانيا مجرد ساحة لتبادل القذائف والصواريخ، بل تحوّلت أيضًا إلى مسرح لأساليب قتال غير تقليدية تكشف حجم الأزمة داخل الجيش الروسي.
تقارير حديثة من كييف تحدثت عن وحدات عسكرية روسية تضم جنودًا مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والتهاب الكبد الوبائي وأمراض معدية أخرى، زُج بهم في الخطوط الأمامية للقتال حول مدينة بوكروفسك، أحد أكثر محاور الحرب اشتعالًا، هؤلاء الجنود، الذين يرتدون شارات مميزة تُعلن إصابتهم بالمرض، يمثلون -وفق مراقبين- مظهرًا جديدًا من مظاهر الانهيار الصحي والمعنوي في صفوف القوات الروسية.
المفارقة أن موسكو، التي طالما أنكرت مشكلاتها الصحية الداخلية، تجد نفسها اليوم مضطرة لاستخدام المصابين بأمراض قاتلة لتعويض خسائرها البشرية؛ مما يثير تساؤلات حول البعد الأخلاقي والعسكري لهذه الاستراتيجية، فهل يعكس ذلك يأس الكرملين من تحقيق تقدم ميداني، أم أنه مجرد فصل جديد في حرب استنزاف تُعيد تعريف القتال بطرق صادمة؟
"فرق الموت"
كشف مركز الأمن والتعاون الأوكراني (USCC)، أن روسيا شكّلت ما بات يُعرف في كييف بـ"الوحدات المصابة"، وهي تشكيلات قتالية تضم جنودًا يحملون أمراضًا معدية خطيرة مثل فيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد الوبائي، بحسب صحيفة "التليغراف" البريطانية.
هذه الوحدات رُصدت على تخوم مدينة بوكروفسك، المركز اللوجستي الحيوي شرق أوكرانيا، حيث يحاول الجيش الروسي منذ أشهر تحقيق اختراق استراتيجي دون نجاح يُذكر.
وبحسب شهادات ميدانية لجنود أوكرانيين لـ"التليغراف" البريطانية، فإن هؤلاء المقاتلين الروس يرتدون شارات أو ضمادات خاصة على أذرعهم تشير إلى طبيعة أمراضهم. بعضهم تم رصده أثناء محاولات التسلل عبر القرى المحيطة بالمدينة، وهو ما يعكس الطابع الانتحاري للمهام التي يُكلَّفون بها.
تصعيد صحي داخل الجيش الروسي
مراقبون يرون أن هذه الظاهرة ليست معزولة، بل تأتي في سياق أزمة صحية متفاقمة داخل الجيش الروسي، حيث ارتفعت معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد والسل بشكل لافت منذ بدء الحرب.
بل إن تقارير أشارت إلى تفشي أمراض نزفية قاتلة في بعض الوحدات، وهو ما اعترفت به حتى وسائل إعلام روسية خاضعة للرقابة، واصفة إياه بـ"الوباء الخفي".
الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن وزارة الدفاع الروسية عدّلت في أكتوبر الماضي اللوائح العسكرية لتسمح للمصابين بالتهاب الكبد الوبائي سي بالانضمام إلى القتال، في خطوة اعتبرها خبراء دليلاً على عجز موسكو عن تغطية النزيف البشري الناتج عن الخسائر الميدانية.
من فاغنر إلى الجيش النظامي
ليست هذه المرة الأولى التي يُزج فيها بالمصابين بأمراض خطيرة إلى الخطوط الأمامية. فمنذ 2022، لجأت مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة إلى تجنيد سجناء مصابين بفيروس الإيدز والتهاب الكبد، ومنحتهم أساور ملوّنة لتمييز أمراضهم مقابل الإفراج المبكر أو تزويدهم بعلاجات مضادة للفيروسات.
لكن الجديد هذه المرة هو أن الجيش الروسي النظامي نفسه تبنى هذه الممارسة، ما يعكس تحولها من مجرد تكتيك مؤقت إلى سياسة شبه رسمية، ويعتقد محللون أن إدماج "الجنود المرضى" في وحدات نظامية يؤشر إلى تصاعد الضغوط على الكرملين، سواء من حيث الخسائر البشرية أو من حيث الحاجة إلى الحفاظ على زخم الهجوم رغم الاستنزاف.
البعد الأخلاقي والسياسي
هذه التطورات تثير أسئلة حساسة تتجاوز حدود المعركة، فهل يُعتبر إرسال جنود مصابين بأمراض معدية إلى ساحات الحرب انتهاكًا للقوانين الدولية أو لجنيف التي تحظر استخدام أسلحة بيولوجية أو تعريض الخصوم لمخاطر صحية مباشرة؟
أصوات في كييف ترى أن روسيا تستخدم هؤلاء الجنود كـ"سلاح بيولوجي غير مباشر"، حتى لو لم يكن ذلك ضمن خطة رسمية، في المقابل، يعتبر آخرون أن موسكو ضحية لظروفها الداخلية، حيث عجزت عن احتواء الأوبئة المنتشرة في مؤسساتها العسكرية والسجنية، لتتحول الأزمة الصحية إلى جزء من حرب الاستنزاف الدائرة.
من الناحية الدعائية، فاقمت هذه الأخبار من عزلة روسيا على الساحة الدولية، إذ إنها تعطي صورة عن جيش يعاني ليس فقط من نقص في المعدات والإمدادات، بل أيضًا من انهيار على مستوى الصحة العامة.
وقد تستخدم أوكرانيا هذه المعطيات لتعزيز سرديتها أمام الغرب بضرورة دعمها بمزيد من السلاح والتمويل، باعتبار أن خصمها يفتقر إلى الحد الأدنى من الجاهزية الصحية والعسكرية.
أما داخليًا، فقد يشكل ذلك عاملًا إضافيًا لزعزعة الروح المعنوية لدى الجنود الروس، الذين يدركون أنهم يقاتلون جنبًا إلى جنب مع رفاق مصابين بأمراض معدية خطيرة، ما قد يثير حالة من الشك والذعر داخل الصفوف.