من الضاحية إلى المطار.. الركام يكشف شبكة نفوذ حزب الله في قلب بيروت

من الضاحية إلى المطار.. الركام يكشف شبكة نفوذ حزب الله في قلب بيروت

من الضاحية إلى المطار.. الركام يكشف شبكة نفوذ حزب الله في قلب بيروت
لبنان

في مشهد يعكس حجم التحديات التي تواجه لبنان في مرحلة ما بعد الحرب، تُلقى أنقاض الدمار الناتج عن الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد حزب الله بالقرب من الطرقات في العاصمة بيروت، ضمن عملية غير شفافة تشرف عليها سلطة محلية يهيمن عليها الحزب، ما يسلط الضوء على صعوبة إعادة الإعمار وسط نفوذ الجماعة المسلحة في مؤسسات الدولة.

 

وأكدت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أنه وفقًا لمحاضر حكومية، تم تخصيص ملايين الدولارات من الأموال العامة لاتحاد بلديات الضاحية – الهيئة البلدية المسؤولة عن الضواحي الجنوبية للعاصمة – بهدف الإشراف على تقييم الأضرار وإزالة الأنقاض.

 

ضغوط كبرى

وتابعت الصحيفة، أنه مع ذلك، وبعد مرور أشهر على انتهاء النزاع الذي تسبب بأضرار مادية قدرتها مجموعة البنك الدولي بـ6.8 مليارات دولار، لم تُنشر العقود المرتبطة بهذه العملية، رغم إلزام القانون اللبناني بذلك.

 

وأضافت، أنه من المفترض أن يتم نقل أنقاض ضاحية بيروت الجنوبية إلى مكب النفايات المعروف باسم كوستا برافا، إلا أن الأنقاض تُلقى حتى الآن في موقع تملكه بلديات الضاحية، ويقع بين مدارج مطار بيروت الدولي في الجنوب.

 

وأشارت أن حكومة رئيس الوزراء نواف سلام، التي تولت مهامها في يناير الماضي عقب صرف تلك الأموال، تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية من المانحين الدوليين للمضي في إصلاحات حقيقية وتعزيز الشفافية في الإنفاق العام، في محاولة لكبح سيطرة حزب الله على مؤسسات الدولة.

 

 يُذكر أن الحزب، المدعوم من إيران، يمتلك جناحًا سياسيًا ويُعد قوة نافذة سياسيًا وعسكريًا في لبنان.

 

يرى مهند حاج علي، نائب مدير الأبحاث في مركز كارنيغي في بيروت، أن اتحاد بلديات الضاحية يعمل تحت إشراف القيادة السياسية لحزب الله.

 

 ويشير الموقع الرسمي للاتحاد إلى أن مؤسسة الحزب الصحية تمول وتشرف بالشراكة على مركز الدفاع المدني التابع للاتحاد، فضلًا عن تشغيل مشترك لوحدة التفتيش الغذائي والصحي.

 

مخاوف لبنانية

وأكدت الصحيفة، أن خصوم حزب الله يبدون مخاوف من أن يتيح إشراك الحزب في جهود إعادة الإعمار، عقب الهزيمة العسكرية الأكبر التي مُني بها العام الماضي، فرصة لتعزيز نفوذه السياسي وتوجيه الأموال العامة نحو قواعده الشعبية. 

ويستذكر هؤلاء كيف لعب الحزب دورًا مركزيًا في إعادة الإعمار بعد حرب 2006، ما أسهم في ترسيخ قوته على الأرض.

 

ومن جهتها، تحذر شخصيات إصلاحية من أن ضعف التخطيط المركزي وانعدام الرقابة الفعلية قد يؤديان إلى تداعيات بيئية خطيرة.

 

وتقول لمياء المبيّض، مديرة معهد باسل فليحان في وزارة المالية: إن السيناريوهات القديمة قد تتكرر مرة أخرى، واصفة الوضع بعبارة تعكس الشعور بتكرار الماضي: "إنه أشبه بالديجا فو".

 

أنقاض لبنان

وتقدّر الأمم المتحدة كمية الأنقاض الناتجة عن الحملة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة بـ10 ملايين متر مكعب، وهو ما يفوق بثلاثة أضعاف ما خَلّفته حرب عام 2006.

 

ورغم التوصل إلى وقف إطلاق نار في 27 نوفمبر الماضي بعد اندلاع القتال إثر إطلاق حزب الله صواريخ باتجاه إسرائيل عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، فإن الغارات الإسرائيلية لم تتوقف، بل تصاعدت وتيرتها مؤخرًا.

 

وتركّز الدمار في منطقة الضاحية الجنوبية وفي جنوب لبنان والبقاع، وهي المناطق التي تُعد المعاقل التقليدية لحزب الله وحليفه حركة أمل.

 

وفي ديسمبر، خصصت الحكومة اللبنانية المؤقتة 10 ملايين دولار لاتحاد بلديات الضاحية للإشراف على إزالة الأنقاض في الضواحي الجنوبية.

 

وتشير وثائق اطلعت عليها صحيفة فايننشال تايمز، أن الاتحاد أعلن مناقصة مفتوحة، إلا أنه لم ينتظر المهلة القانونية المطلوبة – والمحددة بشهر تقريبًا– بل اجتمع في أوائل يناير للموافقة على إسناد العقد مباشرة إلى أدنى العارضين، شركة "البنيان"، التي قدّمت عرضًا بسعر 3.65 دولارات للمتر المكعب، وهو رقم وصفه مقاولون آخرون بأنه غير واقعي.

 

لم يتم نشر العقد أو تفاصيل المناقصة رغم أن القانون يُلزم الاتحاد بنشرها إلكترونيًا. كما أن رئيس الاتحاد لم يرد على الاتصالات أو الأسئلة الخطية المتكررة.

 

من جانبه، قال علي الموسوي، المدير التنفيذي لشركة "البنيان": إن شركته استطاعت التفوق على منافسيها بفضل الخبرة التقنية، مشيرًا أن إعادة بيع الحديد المسلّح المفروز من الأنقاض ستساعد في تغطية التكاليف. ونفى وجود أي اتصال مباشر بين شركته وحزب الله، إلا أنه أكد على تنسيق وثيق مع اتحاد البلديات.

 

في الموقع الذي يمتلكه الاتحاد قرب الطريق العام جنوب بيروت، تظهر تلال من الركام مختلطة ببقايا ملابس، خلف الشجيرات الكثيفة.

 

 ويؤكد ناشطون بيئيون وممولون أجانب ضرورة نقل الأنقاض إلى مواقع آمنة، حيث يمكن فرزها وإعادة استخدامها، محذرين من أن رمي الأنقاض في أماكن أقل تكلفة وأسهل منالًا يهدد بوقوع أضرار بيئية جسيمة.

يقول المهندس إيلي منصور، الذي يقود عمليات التقدير الكمي للأنقاض ضمن فريق الأمم المتحدة في لبنان، إن كل شاحنة تنقل الأنقاض يجب أن تكون مزوّدة بجهاز GPS ومستشعر لقياس الكمية المنقولة، مضيفًا أنه في حال غياب هذه التقنيات، فإن غالبية الأنقاض ستنتهي في أماكن مجهولة.

وفيما تصرّ شركة البنيان على أن الأنقاض ستُنقل لاحقًا إلى مكب كوستا برافا، فإن القائمين على المكب يؤكدون عدم وجود أي ضمانات بذلك.