الجيش اللبناني يعيد رسم خريطة السيطرة جنوب الليطاني

الجيش اللبناني يعيد رسم خريطة السيطرة جنوب الليطاني

الجيش اللبناني يعيد رسم خريطة السيطرة جنوب الليطاني
الجيش اللبناني

في تحول لافت يشير إلى مرحلة جديدة من موازين القوى في الجنوب اللبناني، بدأ الجيش اللبناني، بالتعاون مع قوات الأمم المتحدة "اليونيفيل"، بفرض سيطرة شبه كاملة على المواقع التي كانت سابقًا تحت قبضة حزب الله جنوب نهر الليطاني.

هذه الخطوة جاءت في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار المبرم نهاية نوفمبر الماضي، عقب حرب طاحنة بين إسرائيل وحماس، تداخلت فيها جبهة الجنوب اللبناني عبر "دعم ناري" من حزب الله كانت كلفته باهظة على مستوى القيادة والبنية العسكرية، وها هو الحزب، وللمرة الأولى منذ عقود، يتخلى عن شمال الليطاني، مخلّفًا وراءه نقاطًا عسكرية تم تفكيك معظمها، ما يعيد الاعتبار نظريًا لمنطق الدولة، أما في الخلفية، فتتردد أصداء ضغط دولي متزايد، وتحديدًا من واشنطن، لدفع بيروت نحو تطبيق القرار 1701 بكليّته، بما يشمل نزع سلاح الميليشيات. المشهد جنوبًا لم يعد كما كان، ويبدو أن ملامح حقبة أمنية جديدة بدأت بالتشكل بين الصواريخ المنكفئة والرايات الرسمية المرفوعة.

*سيطرة الجيش اللبناني*


بدأت معالم مرحلة جديدة تتضح جنوب نهر الليطاني، حيث تؤكد مصادر أمنية أن الجيش اللبناني بات يسيطر على الغالبية العظمى من المواقع العسكرية التي كانت سابقًا خاضعة لسيطرة حزب الله.

ووفق ما أوردته وكالة "فرانس برس" نقلاً عن مصدر مقرّب من الحزب، فقد سلّم حزب الله ما يقارب 190 نقطة من أصل 265 نقطة انتشار له جنوب الليطاني، تطبيقًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه نهاية نوفمبر 2024، بعد أسابيع من التصعيد العسكري الذي طال الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

هذا التطور يأتي تتويجًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وضع حدًا للمواجهة غير المباشرة بين حزب الله وإسرائيل، والتي اندلعت على خلفية الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، وتوسعت لتشمل الجنوب اللبناني.

الحرب تلك أفرزت نتائج موجعة لحزب الله، إذ خسر فيها عددًا من أبرز قادته وعلى رأسهم أمينه العام السابق حسن نصرالله، ما دفع الحزب إلى إعادة النظر في تموضعه العسكري، خصوصًا في الجنوب، حيث كثفت إسرائيل من ضرباتها.

*إجراءات حذرة*


الاتفاق الذي رعته أطراف دولية وإقليمية، نصّ بوضوح على حصر الانتشار الأمني جنوب الليطاني بالجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، وعلى انسحاب حزب الله من هذه المنطقة، وتفكيك بنيته العسكرية هناك.

ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها خطوة نادرة تعزز حضور الدولة اللبنانية في منطقة لطالما كانت محكومة بالتوازنات غير الرسمية التي فرضتها "المقاومة"، كما يطلق الحزب على نفسه.

وأكد مصدر أمني لبناني، أن الجيش بات في "المراحل الأخيرة لإنهاء الوجود الحزبي جنوب الليطاني"، مشيرًا أن عمليات التفكيك والتسليم تتم بالتنسيق الوثيق مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وسط إجراءات حذرة لتفادي أي احتكاك ميداني غير محسوب، بحسب "فرانس برس".

*رهان دولي*


في هذا السياق، صرّحت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، خلال زيارتها إلى لبنان، أن بلادها مستمرة في الضغط على الحكومة اللبنانية لتطبيق القرار 1701 بكامله، مشددة على ضرورة نزع سلاح حزب الله وكافة الميليشيات غير الرسمية.

هذه التصريحات تعكس حجم الرهان الدولي على ضبط الجنوب ومنع تحوله مجددًا إلى ساحة اشتباك مفتوحة قد تطيح بأي استقرار هش.

من جهته، عبّر الرئيس اللبناني المنتخب حديثًا، جوزاف عون، عن التزامه الصريح بحصر السلاح في يد الدولة، مؤكدًا أن الطريق إلى تحقيق هذا الهدف يمر بالحوار الوطني الشامل، وليس بالمواجهة.

وأضاف أن العمل جارٍ لإعداد استراتيجية أمن وطني جديدة، تُبنى على أسس الاستقرار والتوازن ورفض الاصطفافات الإقليمية.

حزب الله، الذي كان الفصيل الوحيد المسموح له بالاحتفاظ بسلاحه بعد نهاية الحرب الأهلية عام 1990 بذريعة "المقاومة"، يجد نفسه اليوم أمام واقع مختلف.

فالمعادلة التي مكنته من فرض هيمنته على الجنوب لعقود بدأت تتآكل، في ظل تراجع دوره الإقليمي بعد الضربات التي تلقاها في الحرب الأخيرة، وفي ظل تقلص الغطاء السياسي له داخل الدولة اللبنانية بعد تغير موازين القوى الداخلية.

رغم هذا التراجع، فإن إسرائيل ما زالت تحتفظ بوجود عسكري محدود على خمس تلال استراتيجية على الحدود، وتواصل تنفيذ غارات جوية على أهداف تزعم أنها تابعة لحزب الله، ما يشير إلى هشاشة التهدئة.

وبذلك، فإن مستقبل الجنوب اللبناني ما يزال رهينة تطورات سياسية وعسكرية لا يمكن حسمها ميدانيًا فقط، بل تحتاج إلى توافقات محلية وإقليمية تترجم في مؤسسات الدولة.

في المحصلة، فإن لبنان يقف على عتبة إعادة تشكيل العلاقة بين مكوناته العسكرية والسياسية.

والجنوب، الذي كان لعقود ساحة مواجهة وتوازنات، قد يتحول إلى نموذج جديد لفكرة "الدولة الواحدة"، شرط أن تُمنح القوى الرسمية القدرة والدعم لترسيخ هذه المعادلة.