من الحرب إلى الإدارة الدولية.. غزة أمام اختبار خطة السلام الأمريكية
من الحرب إلى الإدارة الدولية.. غزة أمام اختبار خطة السلام الأمريكية

في تحول لافت قد يعيد رسم ملامح المشهد في الشرق الأوسط، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استعداد حكومته للشروع في "المرحلة الأولى" من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب الدائرة في غزة منذ عامين، الخطة، التي وُصفت في الأوساط السياسية بأنها "مغامرة محفوفة بالتعقيدات"، تهدف إلى تحقيق وقف فوري لإطلاق النار وتبادل للأسرى، تمهيدًا لإقامة إدارة مدنية فلسطينية انتقالية بإشراف دولي مباشر.
ويأتي الإعلان الإسرائيلي بعد ساعات من تصريحات ترامب التي طالب فيها تل أبيب بوقف القصف على غزة "فورًا"، عقب إعلان حركة حماس قبولها بعض عناصر المبادرة الأمريكية، وبينما يرى مراقبون أن الخطة تمثل آخر محاولة لإنقاذ ما تبقّى من الاستقرار الإقليمي، يحذر آخرون من أنها قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التجاذبات السياسية بين واشنطن وتل أبيب والفصائل الفلسطينية.
المرحلة الأولى
تعيش المنطقة لحظة مفصلية جديدة مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تستعد لتطبيق "المرحلة الأولى" من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة.
وجاء الإعلان من مكتب رئيس الوزراء في بيان مقتضب، أكد فيه أن "إسرائيل ستعمل بالتعاون الكامل مع الرئيس ترامب لإنهاء الحرب وفقًا لمبادئ الخطة الأمريكية"، في إشارة إلى تحول لافت في الموقف الإسرائيلي الذي كان متشددًا حتى وقت قريب تجاه أي مبادرة تتضمن وقفًا شاملًا لإطلاق النار.
ووفقًا لما تسرب من بنود الخطة، فإن المرحلة الأولى تنص على وقف فوري للأعمال القتالية إذا ما وافق الطرفان -إسرائيل وحماس- على الشروط المعلنة، وتشمل البنود كذلك الإفراج عن جميع الرهائن، سواء الأحياء أو الجثامين، خلال 72 ساعة من إعلان إسرائيل قبولها الرسمي بالخطة، إلى جانب تجميد العمليات العسكرية الإسرائيلية بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي طوال فترة التبادل.
كما تتضمن الخطة انسحابًا جزئيًا وتدريجيًا للقوات الإسرائيلية إلى خطوط متفق عليها مسبقًا، تمهيدًا لإنشاء "منطقة عازلة" بإشراف مراقبين دوليين، وبموجب هذه الترتيبات، ستقوم إسرائيل بالإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين، في صفقة تشمل تبادلًا للأحياء والأموات، بما يعيد إلى الأذهان صفقات التبادل السابقة التي كانت تتم بوساطات إقليمية ودولية معقدة.
لكن البند الأكثر إثارة للجدل في الخطة يتمثل في تسليم الإدارة المدنية في غزة إلى حكومة فلسطينية انتقالية تكنوقراطية، تعمل تحت إشراف دولي مباشر من خلال ما يسمى بـ"مجلس السلام"، الذي سيُنشأ برئاسة الرئيس الأمريكي نفسه، وسيتولى هذا المجلس مسؤولية تشغيل الخدمات اليومية في القطاع، وضمان استمرارية مؤسسات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء، إلى حين التوصل إلى تسوية سياسية شاملة.
الجانب الإنساني
في الجانب الإنساني، تتضمن المرحلة الأولى بدء تدفق المساعدات الإنسانية وعودة الخدمات الأساسية تدريجيًا، بما يشمل إعادة تشغيل شبكات الكهرباء والمياه وإزالة الأنقاض وإصلاح البنية التحتية التي دمّرتها الحرب، وستتم هذه العمليات بإشراف منظمات دولية محايدة، مع ضمان عدم تدخل إسرائيل أو حماس في آليات التوزيع، عبر معابر محددة أبرزها معبر رفح.
مراقبون رأوا في هذه الخطة "إعادة إنتاج لمفاهيم الحماية الدولية لغزة" التي طُرحت مرارًا منذ عام 2014 ولم تجد طريقها إلى التنفيذ.
فبينما تراها الإدارة الأمريكية "فرصة تاريخية لإنهاء دوامة العنف"، يشكك كثيرون في قدرة واشنطن على فرضها في ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي من جهة، وتزايد الضغوط السياسية على حكومة نتنياهو من جهة أخرى، خاصة مع معارضة اليمين الإسرائيلي المتشدد لأي انسحاب أو تسوية تضعف موقف الجيش داخل القطاع.
تحفظات حماس
أما على الصعيد الفلسطيني، فقد أبدت حركة حماس استعدادها "لدراسة الخطة بشكل إيجابي"، مؤكدة قبولها ببعض عناصرها "ما دامت تضمن رفع الحصار ووقف العدوان وإعادة الإعمار".
غير أن مصادر في الحركة أشارت إلى تحفظات على دور "مجلس السلام الدولي"، معتبرة أنه قد يشكل "غطاء لتدويل إدارة غزة وحرمان الفلسطينيين من السيادة على أرضهم".
في المقابل، يرى مقربون من البيت الأبيض، أن ترامب يسعى من خلال هذه المبادرة إلى "تحقيق إنجاز دبلوماسي سريع" يعزز صورته كرجل صفقات، ويعيد الولايات المتحدة إلى صدارة المشهد الشرق أوسطي، بعد سنوات من التراجع في ظل الإدارات السابقة.
ووفق تسريبات صحفية أمريكية، فإن واشنطن تستعد لإرسال وفد دبلوماسي وأمني رفيع إلى المنطقة للإشراف على تنفيذ البنود الأولية من الاتفاق، بالتوازي مع ضغوط مكثفة على كل من قطر ومصر لضمان التزام الأطراف الفلسطينية.
ويرى مراقبون، أن نجاح هذه الخطة مرهون بمدى استعداد إسرائيل للقبول بوقف حقيقي للعمليات العسكرية دون فرض شروط إضافية، فضلًا عن مدى قدرة حماس على فرض الانضباط الميداني ومنع أي فصائل صغيرة من تقويض الهدنة عبر إطلاق صواريخ أو تنفيذ هجمات.
وفي كل الأحوال، يبدو أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب مرحلة جديدة تتأرجح بين الأمل والريبة — مرحلة قد تحمل بذور تهدئة مؤقتة أو شرارة جولة أخرى من الصراع إذا ما فشلت الوعود الأمريكية في الصمود أمام الوقائع على الأرض.
من جانبه، يقول د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن خطة ترامب الجديدة لا يمكن النظر إليها بمعزل عن السياق السياسي الداخلي لكل من واشنطن وتل أبيب، موضحًا أن "التحرك الأمريكي يبدو أقرب إلى محاولة سياسية لإنقاذ صورة الإدارة الأمريكية أمام المجتمع الدولي، أكثر من كونه مشروعًا متكاملًا لتسوية الصراع"، مشيرًا إلى أن الخطة تحمل في طياتها "نوايا واضحة لترامب الذي يسعى لإعادة التموضع في ملف الشرق الأوسط بعد سنوات من التوتر مع العواصم العربية".
وأضاف فهمي -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن موافقة نتنياهو على الدخول في المرحلة الأولى من الخطة "لا تعني بالضرورة التزامًا كاملاً من جانب إسرائيل"، مؤكدًا أن تل أبيب اعتادت استخدام مثل هذه المبادرات لكسب الوقت وترميم صورتها في الخارج.
وأوضح، أن "القبول الإسرائيلي المشروط يهدف إلى اختبار ردود الفعل الفلسطينية والإقليمية، وقياس مدى جدية الإدارة الأمريكية في تنفيذ بنودها"، مضيفًا، إن نجاح الخطة "مرهون بتوافر ضمانات حقيقية تفرض التزامات متبادلة على الجانبين"، معتبرًا أن أي غياب لمظلة رقابية دولية فاعلة "سيحوّل الاتفاق إلى هدنة هشة، سرعان ما تنهار تحت أول اختبار ميداني".