كيف هرب نتنياهو من الانتقادات الداخلية باغتيال نصر الله

كيف هرب نتنياهو من الانتقادات الداخلية باغتيال نصر الله

كيف هرب نتنياهو من الانتقادات الداخلية باغتيال نصر الله
نتنياهو

منذ هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحت ضغط هائل، محاصراً بانتقادات معارضيه الذين يرون أن حكمه فشل في الحفاظ على أمن البلاد، ومع تزايد الانتقادات وتفاقم الأزمات الداخلية، جاء اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة إسرائيلية كـ"باب للهروب" من تلك الضغوط؛ مما عزز موقف نتنياهو السياسي ومنحه فرصة لإعادة صياغة مسار الحرب والتأكيد على قوة إسرائيل.

*نقطة تحول*

منذ وقوع هجوم حماس في أكتوبر الماضي، وُضع بنيامين نتنياهو في موقع دفاعي أمام سيل من الانتقادات الداخلية التي وجهت له من معارضيه، كانت هذه الانتقادات متعددة الجوانب، إذ استهدفت نتنياهو من جوانب أمنية وسياسية، سواء بسبب الفشل في منع الهجوم، أو طول أمد الحرب دون الإفراج عن الرهائن، أو بسبب رفضه لاتفاق هدنة مع حماس.

لكن التطور الأهم جاء في يوم الجمعة الماضي عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية العاصمة اللبنانية بيروت؛ مما أدى إلى مقتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، في ضربة وصفت بأنها واحدة من أكبر النجاحات الإسرائيلية في الفترة الأخيرة. 

وبهذا الاغتيال، وجد نتنياهو نافذة للخروج من عاصفة الانتقادات، واستغل الفرصة ليتحدث عن نقطة تحول في الحرب.

*تأثير الاغتيال على موقف نتنياهو السياسي* 

في خطاب متلفز عقب تأكيد مقتل نصر الله، وصف نتنياهو الاغتيال بأنه "نقطة تحول" في مسار الحرب ضد أعداء إسرائيل، قائلاً: "هذه أيام بالغة الأهمية، بعد عام من الضربات، تحطمت آمالهم، واكتسبت إسرائيل قوة دافعة".

هذا الخطاب لم يكن مجرد تبرير سياسي، بل كان محاولة لتعزيز موقع نتنياهو في ظل الأزمات الداخلية، حيث ألقى بثقل هذا النجاح العسكري على كاهل الانتقادات التي تواجهه.

فقد أتاح هذا الحدث لنتنياهو فرصة لتعزيز قبضته على ائتلافه الحكومي، الذي شهد بعض الانقسامات في فترات سابقة. من خلال ضم حليفه السابق، جدعون ساعر، إلى حكومته، تمكن نتنياهو من توسيع أغلبيته في الكنيست لتصل إلى 68 مقعدًا، وهي أغلبية مريحة تمكنه من السيطرة على الوضع السياسي في الكنيست المؤلف من 120 مقعدًا.

*استطلاعات الرأي تشير إلى تحسن طفيف في شعبية نتنياهو*

جاءت نتائج استطلاع الرأي لتؤكد أن الليكود، الحزب الذي يتزعمه نتنياهو، بدأ بالتعافي التدريجي في استطلاعات الرأي، وهو استطلاع أجرته القناة 12 الإخبارية الإسرائيلية.

أظهرت الأرقام، أن 43% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن أداء نتنياهو في الحرب "جيد"، مقارنة بـ35% في الاستطلاع السابق الذي أجري قبل 10 أيام.

ورغم أن هذه الأرقام لا تمثل قفزة كبيرة في شعبيته، إلا أنها تشير إلى أن اغتيال نصر الله قد خفف من حدة الانتقادات الموجهة إليه، وقدم له فرصة جديدة لتعزيز مكانته.

*استعادة الثقة العسكرية الإسرائيلية*

طوال عام منذ الهجوم الكبير لحركة حماس، حاولت إسرائيل استعادة سيطرتها العسكرية في مواجهة الجماعة، ورغم أن نتنياهو لم يعلن حتى الآن عن "نصر نهائي"، إلا أن فتح جبهة ثانية مع حزب الله جاء ليمنح إسرائيل فرصة لتأكيد قوتها.

حسن نصر الله كان يشكل تهديداً استراتيجياً كبيراً لإسرائيل، إذ أن حزب الله يعتبر أكثر تنظيماً وتسليحاً مقارنة بحماس. وباستهداف نصر الله، تمكنت إسرائيل من توجيه ضربة قوية للجماعة، حيث قُتلت معظم القيادات العليا لحزب الله، ودُمرت ترسانته الصاروخية بشكل كبير.

 

رغم أن إسرائيل لم تعلن رسميًا مسؤوليتها عن جميع الهجمات، إلا أن المصادر تشير إلى أن جهاز المخابرات الإسرائيلي هو من يقف وراء العديد من العمليات التي استهدفت حزب الله مؤخرًا.

 

وقد أثبتت هذه العمليات أن إسرائيل قادرة على التصدي لمخاطر حزب الله بشكل فعال، خاصة وأنه يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني.

 

*الاستفادة من القرار 1701*

 

من الناحية الدبلوماسية، يبدو أن إسرائيل واثقة من أن اغتيال نصر الله لن يتسبب في مشاكل دولية كبيرة كتلك التي نتجت عن الحرب في غزة.

 

وتعتمد إسرائيل في مواجهتها لحزب الله على القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، الذي ينص على دفع قوات حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، على بعد حوالي 30 كيلومتراً من الحدود مع إسرائيل، هذا القرار يمثل أساسًا قانونيًا قويًا لدعم العمليات الإسرائيلية ضد الحزب في جنوب لبنان.

 

*رسائل متعددة*

 

من جانبه، يرى د. طارق فهمي، أستاذ السياسة الدولية، أن اغتيال حسن نصر الله يحمل في طياته تداعيات كبيرة على مستوى الساحة الإقليمية والدولية، فهو ليس مجرد نجاح عسكري لإسرائيل بل خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة ترتيب خريطة القوى في المنطقة.

 

يشير فهمي - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، إلى أن هذه العملية تحمل رسائل متعددة، أولها تأكيد قدرة إسرائيل على استهداف شخصيات بارزة تعتبر رموزًا للمقاومة، وهذا يعزز من قوتها الردعية في مواجهة حركات أخرى مثل حماس والجهاد الإسلامي.

 

كما يوضح د. فهمي، أن العملية قد تؤدي إلى تصعيد محدود على المدى القريب، خاصة في ظل الاستعدادات المستمرة من قبل حزب الله للرد على هذا الاستهداف، لكن الحسابات السياسية والأمنية قد تمنع الحزب من التورط في مواجهة شاملة مع إسرائيل في الوقت الحالي، خاصة بعد الضربات المتتالية التي تلقاها.

 

ويعتقد أن الاغتيال سيفتح الباب أمام تغييرات داخلية في هيكلية حزب الله نفسه، حيث ستضطر الجماعة إلى إعادة تنظيم قيادتها وتقييم استراتيجياتها في ظل فقدان زعيمها المؤثر.

 

هذا الفراغ القيادي قد يؤدي إلى فوضى داخل الحزب، ما قد يضعفه في مواجهة إسرائيل، ويقلل من قدرته على التحرك بفعالية في المستقبل.

 

من الناحية الدولية، يؤكد د. فهمي أن هذا الاغتيال قد يُنظر إليه في بعض العواصم الغربية على أنه ضرورة لضمان استقرار المنطقة، خاصة وأن حزب الله كان دائمًا يشكل تهديدًا لأمن إسرائيل وللاستقرار في لبنان.

 

لكنه في الوقت ذاته، يحذر من أن بعض الدول قد ترى فيه تجاوزًا للخطوط الحمراء؛ مما قد يؤدي إلى تدخلات دبلوماسية تحاول تهدئة الأوضاع، ومنع انفجار الصراع في المنطقة بشكل أوسع.

 

في النهاية، يرى د. فهمي، أن هذه العملية تمثل جزءًا من استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى تعزيز موقف نتنياهو داخليًا وإقليميًا، وتوجيه رسالة واضحة بأن إسرائيل لن تتوانى عن اتخاذ أي خطوة تراها ضرورية لحماية أمنها وضمان استقرارها، حتى لو كان ذلك يعني تصعيدًا محتملاً في المستقبل.