الهند تضغط اقتصاديًا على باكستان.. تصعيد صامت خلف ضربات عسكرية محدودة

الهند تضغط اقتصاديًا على باكستان.. تصعيد صامت خلف ضربات عسكرية محدودة

الهند تضغط اقتصاديًا على باكستان.. تصعيد صامت خلف ضربات عسكرية محدودة
الحرب الهندية الباكستانية

بينما كانت الهند تستعد لتوجيه ضربات عسكرية ضد باكستان هذا الأسبوع، تحت عنوان "الانتقام" من هجوم إ

رهابي استهدف إقليم كشمير الشهر الماضي، كانت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي تمارس أشكالًا أخرى من إسقاط النفوذ، أكثر دقة وهدوءًا، وتركز بشكل رئيسي على استغلال هشاشة الوضع الاقتصادي في باكستان، حسبما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

تحركات داخل أروقة صندوق النقد الدولي


وتابعت الصحيفة، أنه من المقرر أن يعقد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي اجتماعًا يوم الجمعة 9 مايو على بعد ثلاثة مبانٍ فقط من البيت الأبيض. 

وتشير تسريبات من مسؤولين هنود إلى أن بلادهم ستطرح موقفًا جديدًا خلال هذا الاجتماع، يدعو إلى عدم تمديد قرض بقيمة 7 مليارات دولار لباكستان، وهو القرض الذي يُعد حاسمًا في جهود إسلام آباد لتحقيق استقرار مالي وتوفير خدمات أساسية لشعبها. 

وفي الوقت الذي لم تؤكد فيه نيودلهي رسميًا هذه المساعي، فإن تقارير إعلامية محلية ألمحت أن الهند تسعى كذلك للتأثير على مصادر أخرى محتملة للمساعدات المالية لباكستان.

تصعيد تدريجي قبل الضربات


وأضافت، أنه حتى قبل تنفيذ الهجمات الجوية على الأراضي الباكستانية يوم الأربعاء، كانت الهند تمارس ضغوطًا متزايدة على عدوتها التاريخية بطرق مختلفة. ففي 23 أبريل، انسحبت الهند من معاهدة لتقاسم المياه كانت تؤمن مصادر المياه الباكستانية منذ عام 1960، وهي خطوة وصفتها إسلام آباد بأنها "عمل حربي".

كما لجأت الهند إلى أدوات قوتها الناعمة، فمع تصاعد التوترات إثر الهجوم الإرهابي في كشمير، قامت الحكومة الهندية بفرض رقابة على الإنترنت حدّت من وصول الموسيقيين والرياضيين الباكستانيين إلى جماهيرهم على المنصات الهندية، على غرار ما فعلته نيودلهي مع تطبيق تيك توك الصيني في عام 2020 بعد مواجهة حدودية مع الصين.

وقف التبادل التجاري بين الجانبين


أعلنت الهند أيضًا قطع جميع العلاقات التجارية مع باكستان، وعلى الرغم من أن حجم التجارة بين البلدين كان محدودًا من الأساس، حيث تقتصر الصادرات الهندية على السكر وبعض الأدوية والمواد الكيميائية، فإن بعض الشركات الهندية واصلت تنفيذ عقودها التجارية في غياب إشعار رسمي بالمنع.

وفي المقابل، كانت باكستان تصدر بضائع بقيمة لا تتجاوز مليوني دولار للهند قبل هذه الأزمة الأخيرة؛ مما يبرز الفجوة الاقتصادية الشاسعة بين الجارتين المتخاصمتين.

ضغوط خلف الأبواب المغلقة


تجري أغلب الضغوط الاقتصادية في الكواليس، فقد نقلت وسائل إعلام محلية عن مسؤولين هنود قولهم إنهم يعملون على إقناع صندوق النقد الدولي ومؤسسات مالية مماثلة بضرورة "معاقبة" باكستان. 

وعلق سوديبتو ماندل، كبير الاقتصاديين السابق في بنك التنمية الآسيوي، على ذلك قائلاً: "سيكون من المستغرب إذا لم تتخذ الهند موقفًا ضد هذه القروض".

وأشار ماندل، أن المؤسسات المالية الدولية، رغم مظهرها كمؤسسات مصرفية، إلا أنها في الواقع كيانات سياسية إلى حد كبير، حيث تُتخذ القرارات في النهاية وفقًا للانحيازات السياسية لأعضاء مجالس إدارتها، وليس فقط بناءً على معايير فنية أو اقتصادية بحتة.

واستشهد ماندل بحادثة من عام 1998 عندما ألغى بنك التنمية الآسيوي قرضًا كان قد أقرّه للهند، وذلك ردًا على اختبارها النووي الذي أثار حينها غضب الولايات المتحدة ودول غربية أخرى اعتبرت أن الهند تشعل سباق تسلح نووي في جنوب آسيا.

هند قوية ومتحررة من قيود الماضي


غير أن موازين القوى اليوم مختلفة جذريًا، فقد أصبحت الهند دولة اقتصادية كبرى يزيد حجم اقتصادها بنحو عشر مرات عن باكستان، وتُعد سوقًا جذابة للعمالة والاستهلاك في نظر القوى الغربية الباحثة عن بدائل للصين.

وفي الليلة نفسها التي شنّت فيها الهند ضرباتها ضد أهداف باكستانية، أعلنت نيودلهي ولندن التوصل إلى اتفاق تجارة حرة طال انتظاره منذ ثلاث سنوات، كما تسعى الهند إلى إبرام اتفاقات مماثلة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الاعتبارات الدولية والحدود الممكنة


ورغم التحولات الجيوسياسية التي تميل لصالح الهند، فإن هناك تحفظات داخل المؤسسات المالية في واشنطن تجاه الاستجابة الكاملة لمطالب نيودلهي. 

وأبدت تلك المؤسسات قلقها من أن تؤدي إجراءات اقتصادية مفرطة إلى تعميق هشاشة الوضع الاقتصادي في باكستان، لا سيما بعد سنوات من البرامج والمساعدات التي استهدفت إصلاح ديونها واستقرار عملتها.

ونفت الحكومة الهندية تقارير تحدثت عن قيام وزارة ماليتها بالضغط مباشرة على بنك التنمية الآسيوي لوقف تمويل باكستان، لكنها لم تنفِ تقارير مماثلة تشير إلى سعيها لإعادة إدراج باكستان في القائمة الرمادية لفريق العمل المعني بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي خطوة من شأنها تقويض قدرة باكستان على تلقي المساعدات المالية، علمًا أنها كانت قد خرجت من تلك القائمة بصعوبة في عام 2022.

تحول في ميزان العلاقات والتحالفات

من جانبه، اعتبر ت.س.أ. راغافان، السفير الهندي الأسبق في باكستان بين عامي 2013 و2015، أن أقوى أدوات الهند غير العسكرية في هذه الأزمة تتمثل في علاقاتها الدولية.

وقال: إن "المعادلات قد تغيّرت بشكل كبير في السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية"، مشيرًا أن العلاقات الهندية مع دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة أصبحت أكثر متانة وتأثيرًا.

وأوضح راغافان، أن التفهم الدولي لطبيعة التهديدات التي تواجهها الهند قد تعزز بعد الهجوم الإرهابي الذي شهدته مدينة مومباي في عام 2008، والذي خلّف 166 قتيلًا، وقال: إن "معظم الدول أصبحت تدرك جيدًا حينها حجم المشكلة الأمنية التي تتعامل معها الهند".

وفي ضوء هذه التطورات، تبدو الهند اليوم وكأنها تفضل استخدام قوتها الدبلوماسية والاقتصادية إلى جانب الخيارات العسكرية المحدودة، في مسعى لفرض معادلة جديدة على جارتها اللدود، في وقت يبدو فيه المجتمع الدولي منشغلًا أو عاجزًا عن أداء دور فاعل في كبح التصعيد.