نيويورك تايمز تكشف كواليس التحركات الدولية لوقف التصعيد بين الهند وباكستان
نيويورك تايمز تكشف كواليس التحركات الدولية لوقف التصعيد بين الهند وباكستان

تشهد الحدود الهندية الباكستانية تصعيدًا عسكريًا خطيرًا يُثير مخاوف إقليمية ودولية من اندلاع مواجهة شاملة بين البلدين النوويين، في ظل تزايد القصف المدفعي والهجمات الجوية المتبادلة والتصريحات السياسية المتشددة، حسبما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
ويأتي هذا التصعيد بعد هجوم إرهابي دامٍ استهدف كشمير الهندية، مما دفع نيودلهي إلى تنفيذ غارات هي الأعمق داخل الأراضي الباكستانية منذ عقود.
تحركات دبلوماسية لاحتواء الأزمة
وفي ظل القلق الدولي المتزايد من اتساع رقعة المواجهات، أجرى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو اتصالات هاتفية مع قيادات البلدين دعا فيها إلى خفض التصعيد فورًا، بحسب ما ذكرته وزارة الخارجية الأمريكية.
ورغم إعلان كل من الهند وباكستان أنهما لا تسعيان إلى تصعيد النزاع، إلا أن الأوضاع الميدانية على الأرض كانت تعكس عكس ذلك، حيث بدا أن البلدين لم يظهرا استعدادًا حقيقيًا لاحتواء التوتر الذي بلغ ذروته في الساعات الماضية.
إحباط هجمات باكستانية
وقالت الحكومة الهندية إنها أحبطت محاولات باكستانية لإطلاق طائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت منشآت عسكرية هندية في أكثر من اثنتي عشرة مدينة وبلدة، أغلبها تضم قواعد جوية.
وأضافت نيودلهي أنها ردّت عبر ضرب مواقع باكستانية للدفاع الجوي وأنظمة الرادار قرب مدينة لاهور، وهي خطوة يعتبرها محللون مؤشرًا على تصعيد خطير قد يؤدي إلى اتساع رقعة النزاع.
وفي المقابل، اتهمت إسلام آباد الهند بالاستمرار فيما وصفته بـ«العدوان غير القانوني»، مشيرة إلى أن قواتها أسقطت أكثر من عشرين طائرة مسيرة هندية دخلت المجال الجوي الباكستاني.
انقطاع الكهرباء والهلع بين السكان
وبحلول مساء الخميس، شهدت بعض مناطق مدينة جامو الخاضعة للسيطرة الهندية انقطاعات في الكهرباء وسط دوي انفجارات وصفارات إنذار، في ظل تحليق مكثف للطائرات المسيّرة والقذائف المدفعية، حسب روايات شهود عيان.
وقال الناشط المدني رامان شارما، وهو من سكان المدينة، إن السكان يعيشون في حالة ذعر ويلزمون منازلهم خشية تصاعد القصف.
وذكرت وزارة الدفاع الهندية أن القواعد العسكرية في جامو وباثانكوت وأودهامبور، القريبة من خط التماس في كشمير، تعرضت لهجمات باستخدام صواريخ وطائرات مسيّرة.
إجلاء جماهيري خلال مباراة كريكت
وفي مدينة دارامشالا، حيث كانت تقام مباراة كريكت ضمن الدوري الهندي الممتاز، أُجبر أكثر من عشرة آلاف مشجع على مغادرة الملعب بعد سماع دوي قصف قريب، وتم إلغاء المباراة وسط حالة من الذعر الجماهيري.
نزاع متجذر في كشمير منذ الاستقلال
يعود الصراع الهندي الباكستاني إلى عام 1947 عقب الاستقلال عن الاستعمار البريطاني، حيث خاض البلدان عدة حروب كان أبرزها حول إقليم كشمير المتنازع عليه.
وقد جاء هذا التصعيد الأخير بعد هجوم إرهابي مروّع في كشمير الهندية الشهر الماضي، أسفر عن مقتل 26 مدنيًا، واتهمت الهند باكستان بالوقوف خلفه، متوعدة بالرد، بينما نفت إسلام آباد تلك الاتهامات وحذّرت من رد مماثل إذا تعرضت لهجوم.
أمل في التهدئة يصطدم بالواقع الميداني
وبعد يوم دامٍ بدأه الجيش الهندي بهجمات جوية وردّت عليه باكستان بإسقاط طائرات ومزاعم عن وقوع عشرات القتلى، بدا أن هناك بوادر لفتح قنوات التواصل بين الجانبين، إذ أكد مسؤولون باكستانيون أن هناك اتصالات أمنية أولية لإعادة قنوات الحوار، رغم أن تلك الاتصالات كانت غير مباشرة على الأرجح وبوساطة أطراف ثالثة.
في هذا السياق، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استعداده للمساعدة في احتواء الأزمة، رغم تصريح نائبه جي دي فانس لقناة فوكس نيوز بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في حرب لا تخصها.
تحركات إقليمية ودبلوماسية
شهدت العاصمتان نيودلهي وإسلام آباد حراكًا دبلوماسيًا محمومًا، حيث وصل مسؤولون كبار من إيران والسعودية إلى الهند لإجراء محادثات، في محاولة لاحتواء الأزمة التي تهدد الاستقرار الإقليمي.
غير أن المعطيات على الأرض ظلت تشير إلى تصعيد متواصل، إذ أفادت الهند بتعرضها لقصف مدفعي كثيف ليلاً من مواقع باكستانية على طول الحدود، إلى جانب محاولات متكررة لاستهداف بلدات عسكرية بصواريخ وطائرات بدون طيار.
وأكدت وزارة الدفاع الهندية أن ردّها كان «بذات القوة وفي نفس المجال»، مشيرة إلى استهداف مواقع رادار ودفاع جوي باكستانية.
وقال فيكرام ميسري، وكيل وزارة الخارجية الهندية، إن بلاده لا تسعى للتصعيد، بل ترد على ما وصفه بـ«التصعيد الأصلي»، مؤكدًا أن الردود كانت دقيقة ومدروسة ومحددة الهدف.
ويرى محللون أن قرار الهند باستهداف منظومات الدفاع الجوي الباكستانية يحمل مخاطر كبيرة، لأنه قد يُنظر إليه على أنه محاولة لتعمية العدو وشلّ أنظمة القيادة والسيطرة، مما قد يدفع القادة إلى اتخاذ قرارات سريعة في لحظات التوتر.
ويقول البروفيسور جوشوا وايت، من جامعة جونز هوبكنز، إن هذا النوع من الاستهداف قد يؤدي إلى تغيير طبيعة النزاع ويزيد من سرعة وتيرته.
بينما رى بعض الدبلوماسيين الغربيين أن الهند ربما لم تعتبر ضربتها الأولى كافية لتحقيق الردع، لذا لجأت إلى تصعيد جديد لفرض شروطها على باكستان، إما كردّ على هجمات لاحقة أو كجزء من خطط مستقلة للتصعيد.
جهود لاحتواء التصعيد السياسي
وفي نيودلهي، اجتمع ممثلو الحكومة مع أحزاب المعارضة لإطلاعهم على الوضع، وخرج الجميع ببيان دعم للعملية العسكرية.
وقال وزير شؤون البرلمان، كيرين ريجيو، إن العملية «ما تزال مستمرة».
أما وزير الخارجية الهندي، س. جايشانكار، فأكد لنظيره الإيراني أن الرد الهندي كان «مدروسًا ومحددًا»، مضيفًا أن الهند لا تنوي التصعيد، لكنها سترد بحزم إذا تعرضت لهجوم جديد.
وفي المقابل، أظهر قادة باكستان وحدة وطنية لافتة، حيث شارك الرئيس ورئيس الوزراء وقائد الجيش في جنازة طفل يبلغ 7 سنوات قضى في الضربات الهندية، وقال الرئيس آصف علي زرداري إن الهجمات الهندية تمثل «جبنًا» وستُقابل بـ«رد حاسم».