باريس والجزائر على أعتاب أزمة جديدة تعرقل مسار التقارب
باريس والجزائر على أعتاب أزمة جديدة تعرقل مسار التقارب

في خطوة اعتُبرت بداية انفراجة دبلوماسية، زار وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الجزائر، حيث التقى الرئيس عبد المجيد تبون في لقاء استمر ساعتين ونصف.
أعرب الجانبان عن نيتهما إعادة العلاقات إلى طبيعتها، وصرّح بارو بأن فرنسا تسعى إلى “طي صفحة التوترات الحالية، وبناء شراكة متكافئة” مع الجزائر، بدا أن صفحة الخلافات الحادة تُطوى لصالح مرحلة جديدة من التعاون.
أزمة جديدة تعيد الأمور إلى المربع الأول
لم تكد تهدأ الأجواء حتى اندلعت أزمة جديدة تمثلت في توقيف السلطات الفرنسية لأحد الموظفين القنصليين الجزائريين ووضعه رهن الحبس المؤقت، في سابقة أثارت غضب الجزائر الشديد.
الخارجية الجزائرية استدعت السفير الفرنسي في الجزائر وأبلغته باحتجاج رسمي، مطالبة بالإفراج الفوري عن الموظف، ومنددة بما اعتبرته انتهاكًا للأعراف والاتفاقيات الدبلوماسية.
"اختطاف مزعوم" وتحقيقات فرنسية
السلطات القضائية الفرنسية بررت توقيف الموظف بفتح تحقيق في قضية "الاختطاف المزعوم" للجزائري أمير بوخرص في فرنسا، إلا أن الجزائر رفضت التبريرات بشكل قاطع، ووصفت الأسباب التي قدمتها النيابة العامة لمكافحة الإرهاب بـ"الواهية والعبثية"، مشيرة إلى أن توقيف الموظف تم في الطريق العام، دون أي إشعار عبر القنوات الرسمية، ما اعتبرته تصعيدًا غير مبرر.
الجزائر تشكك في النوايا الفرنسية
في بيان شديد اللهجة، اعتبرت الجزائر أن هذا "المنعطف القضائي" جاء في توقيت حساس يهدف إلى عرقلة المسار التوافقي الذي بدأ مؤخرًا بين البلدين، مستشهدة بالاتصال الهاتفي الذي جرى بين ماكرون وتبون نهاية مارس الماضي، والذي اتفقا فيه على خارطة طريق لإعادة بعث العلاقات.
وأكدت أن هذا الحادث قد يُلحق "ضررًا بالغًا" بالعلاقات الثنائية، ولن يمر دون تبعات.
كما أن الملف القنصلي ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة من التوترات التي تصاعدت منذ يوليو 2024، حين أعلنت باريس تأييدها للسيادة المغربية على الصحراء الغربية، في خطوة أثارت استياء الجزائر بشدة، كما فاقم من الأزمة نشر الخارجية الفرنسية لخريطة تتضمن الصحراء ضمن الحدود المغربية، في تحدٍ واضح للموقف الجزائري.
هشاشة الثقة بين الجزائر وفرنسا
ويقول المحلل السياسي الجزائري فيصل جلول: إن ما نشهده اليوم هو دليل واضح على هشاشة الثقة بين الجزائر وباريس، فرغم وجود نوايا معلنة للتقارب، إلا أن أي حادثة مفاجئة – كاعتقال موظف دبلوماسي – كفيلة بإعادة العلاقات إلى نقطة الصفر.
ويضيف جلول -في تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر"-، أن التوقيت الذي اختارت فيه فرنسا اتخاذ إجراء قضائي بحق موظف قنصلي جزائري يثير الكثير من علامات الاستفهام، خاصة أنه يأتي عقب زيارة دبلوماسية وصفت بالإيجابية، هذا يشير إلى وجود تباين داخل مؤسسات القرار الفرنسية بشأن مستقبل العلاقة مع الجزائر، وموقف باريس الداعم للمغرب في قضية الصحراء الغربية يظل نقطة خلاف جوهرية.
الجزائر تعتبر هذا الموقف انقلابًا على الحياد التاريخي الفرنسي؛ مما يجعل أي تقارب هشًا ومؤقتًا.