الحظر يطرق أبواب النهضة.. والجماعة تُصارع للبقاء
الحظر يطرق أبواب النهضة.. والجماعة تُصارع للبقاء

منذ أن قرر الرئيس التونسي قيس سعيد إقالة الحكومة وتعليق البرلمان في يوليو 2021، دخلت "حركة النهضة" الذراع السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية في تونس مرحلة الانحدار الحاد، الحركة التي تصدرت المشهد لعقد من الزمن، أصبحت اليوم عالقة بين تهم الفساد، واتهامات الإرهاب، والانهيار الشعبي.
قضايا بالجملة.. وسقوط أخلاقي مدوٍّ
لم يكن تراجع النهضة مجرد نتيجة لتبدلات سياسية عابرة، بل جاء تتويجًا لسنوات من سوء الإدارة والتورط في ملفات حساسة، أبرزها، الاغتيالات السياسية التي هزت البلاد، وكذلك تمويلات مشبوهة من الخارج، والتسفير إلى بؤر الصراع، كما قضية الاختراق المنهجي للمؤسسات.
وهو ما دفع بالقضاء التونسي إلى فتح عشرات الملفات التي تطال قيادات من الصف الأول، بمن فيهم رئيس الحركة راشد الغنوشي، القابع في السجن بانتظار الأحكام.
النهضة بلا واجهات.. وبلا قواعد شعبية
اليوم، تبدو النهضة وكأنها شبح حزب، بلا مقار تنظيمية، وبلا تمويل علني، وبلا خطاب موحد، أعضاؤها الأساسيون إما معتقلون، أو فارون خارج البلاد في الملاذات الآمنة، أو صامتون، في حين تحوّل الغطاء السياسي الذي طالما وفرته "الشرعية الانتخابية" إلى عبء أخلاقي في ظل تراجع شعبيتها وفقدان الثقة العامة.
المجتمع الدولي يراقب.. والسلطة تترقب التوقيت
رغم اكتمال الشروط القانونية لحظر الحزب، يبدو أن السلطات التونسية تنتهج سياسة "الإنهاك البطيء"، سعيًا لتفكيك البنية التنظيمية للجماعة بهدوء، وحرمانها من صناعة أسطورة "الضحية السياسية"، المعركة لم تعد قانونية فقط، بل باتت معركة رمزية وأخلاقية تستهدف كشف حقيقة الجماعة أمام الرأي العام المحلي والدولي.
جماعة بلا مشروع.. وهامش مناورات يضيق
ما تبقى من "النهضة" يحاول البقاء في المشهد من خلال واجهات إعلامية وتشكيلات سياسية بديلة، مثل "جبهة الخلاص" التي تسوق رواية "الانقلاب على الديمقراطية"، لكنها تبقى محاولات محدودة التأثير في ظل واقع داخلي يرفض عودة الإسلام السياسي إلى السلطة، مهما اختلفت واجهاته.
ومع تصاعد الأحكام القضائية، وتجريم التمويل الخارجي، وغياب أي حاضنة شعبية فاعلة، لم تعد مسألة حظر النهضة سوى إجراء مؤجل بقرار سيادي.
ما تبقى من وقت هو مساحة تصفية الحساب مع ماضي ثقيل، بينما البلاد تمضي نحو نموذج سياسي جديد يسعى لتطهير المؤسسات من تركة التمكين.
وفي تعليق على وضع "حركة النهضة" في المرحلة الراهنة، قال حازم القصوري، المحلل السياسي التونسي: إن ما تواجهه الجماعة اليوم هو نتيجة طبيعية لمسار طويل من سوء التقدير السياسي، وتورط ممنهج في مشاريع تتعارض مع الدولة الوطنية، مؤكداً أن تونس تعيش لحظة تطهير سياسي هدفها إنهاء النفوذ الإخواني بكل أشكاله.
وأضاف القصوري -في تصريح خاص للعرب مباشر-، إن النهضة ارتكبت خطأً استراتيجياً حين اختارت الدولة العميقة بديلاً عن الدولة القانونية، وسخرت المؤسسات لخدمة أجندة تنظيمية مغلقة، واليوم تدفع ثمن تلك الخيارات، والعشرية السوداء تدفع الشعب التونسي لرفضهم أيضًا، والآن ما يجري ليس تصفية سياسية كما تروج الجماعة، بل مساءلة قانونية بعد تراكم ملفات فساد، وتمويل أجنبي، وتسفير، وتحريض على العنف، القضاء يتحرك بناءً على دلائل، لا أوهام.
وأكد القصوري، أن الشارع التونسي لم يعد يقبل بوجود هذه الجماعة في المشهد، النهضة أصبحت عبئًا على الانتقال الديمقراطي، وهي الآن بلا رصيد شعبي، ولا غطاء سياسي، وتعيش مرحلة ما قبل الحظر الكامل.