الذكرى الأولى لـ 7 أكتوبر.. كيف تغيرت إسرائيل بعد عامٍ من أكبر إخفاقاتها العسكرية والاستخباراتية؟

الذكرى الأولى لـ 7 أكتوبر.. كيف تغيرت إسرائيل بعد عامٍ من أكبر إخفاقاتها العسكرية والاستخباراتية؟

الذكرى الأولى لـ 7 أكتوبر.. كيف تغيرت إسرائيل بعد عامٍ من أكبر إخفاقاتها العسكرية والاستخباراتية؟
حرب غزة

مرّ عام على هجوم "حماس" في 7 أكتوبر 2023، ذلك اليوم الذي يعدّ أكبر الإخفاقات العسكرية والسياسية والاستخباراتية في تاريخ إسرائيل بعد هزيمة 6 أكتوبر 1973، وعلى الرغم من محاولات الحكومة والجيش استعادة السيطرة، إلا أن تبعات الهجوم ما زالت تلقي بظلالها على المجتمع الإسرائيلي وتغيرت معها الكثير من المعايير التي ظلت ثابتة لعقود، فما الذي تغير في إسرائيل خلال هذا العام؟ وما هي التكلفة الحقيقية لهذا الإخفاق؟


*صدمة عميقة وهزيمة غير متوقعة* 


في فجر يوم 7 أكتوبر 2023، شنت "حماس" هجومًا غير مسبوق على مستوطنات وبلدات جنوب إسرائيل. لم يكن الهجوم مجرد ضربة عسكرية تقليدية، بل شكّل نقطة تحول كبيرة في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. 

وُصِف الهجوم بأنه الإخفاق الأكبر لإسرائيل على المستويات الثلاثة: العسكري، السياسي، والاستخباراتي. فالهجوم الذي قادته "حماس" قوبل بتدمير واسع وخلّف خسائر بشرية هائلة في صفوف المدنيين والعسكريين الإسرائيليين.

مع مرور الأيام بعد الهجوم، أدرك المجتمع الإسرائيلي أن إسرائيل ليست بمنأى عن تهديدات حقيقية على أرضها، وهو ما أثار مخاوف واسعة في الأوساط الشعبية والإعلامية حول قدرة الدولة على حماية حدودها وأمن مواطنيها.

 وبينما حاولت الحكومة تبرير الهجوم كحدث استثنائي، كانت الأصوات المطالبة بالمحاسبة تتعالى، وسط مطالب بتشكيل لجان تحقيق للكشف عن مواطن الخلل.

*عقاب مكلف ومستقبل مجهول* 


ردًا على هجوم "حماس"، شنّت إسرائيل حملة عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة، هدفت إلى "سحق" الحركة والقضاء على بنيتها التحتية. لكن مع مرور الوقت، بات من الواضح أن هذه الحرب لن تكون قادرة على تحقيق أهدافها المعلنة.

 ورغم الدمار الذي لحق بغزة والخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين، فشلت إسرائيل في تدمير "حماس" أو إنهاء حكمها على القطاع.

العديد من المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين أقروا بأن القضاء على "حماس" أصبح مستحيلًا، باعتبارها تمثل فكرة ومشروعًا أوسع من مجرد تنظيم مسلح.

 المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، صرح بأن "حماس" لا يمكن القضاء عليها تمامًا، لأنها تتجاوز حدود الأفراد والتنظيم إلى كونها حركة مقاومة متجذرة في الواقع الفلسطيني.

وبالنظر إلى الخسائر العسكرية والبشرية والمالية التي تكبدتها إسرائيل خلال الحرب، باتت التكلفة باهظة للغاية.

 فقد أشارت التقديرات إلى أن تكاليف الحرب وصلت إلى ما بين 200-250 مليار شيكل (54-68 مليار دولار أمريكي)، وهو ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل؛ مما أدى إلى تأثير سلبي مباشر على الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني من تبعات الأزمة.

*الضغوط على إسرائيل* 


على المستوى الدولي، كانت الحرب في غزة نقطة تحول في الرأي العام العالمي تجاه إسرائيل. لأول مرة في تاريخها، تواجه إسرائيل اتهامات أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. 

وتنتظر إسرائيل صدور مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية ضد كبار قادتها السياسيين والعسكريين بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

علاوة على ذلك، فقد خسرت إسرائيل تأييد العديد من الدول الغربية التي طالما كانت داعمة لها في المحافل الدولية. في الأمم المتحدة، صوتت 121 دولة لصالح الفلسطينيين ودعت إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، بينما وقفت إلى جانب إسرائيل 14 دولة فقط.

 وازدادت العزلة الإسرائيلية عندما فشلت في تمرير قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بإطلاق الرهائن الإسرائيليين دون شروط، حيث صوتت ضده 153 دولة.

الاحتجاجات حول العالم ضد الممارسات الإسرائيلية في غزة لم تتوقف. فقد رصد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب تنظيم نحو 2090 مظاهرة شهريًا ضد إسرائيل حول العالم، مقابل 65 مظاهرة فقط لصالحها. كانت تلك المظاهرات تعبيرًا واضحًا عن تراجع الدعم الدولي لإسرائيل، حتى في دول مثل الولايات المتحدة وأوروبا.

*انقسام وشكوك* 


لم تقتصر آثار الحرب على الجانب الدولي فقط، بل ظهرت بوضوح داخل المجتمع الإسرائيلي. في البداية، أبدى الشعب الإسرائيلي دعمًا كبيرًا للحكومة والجيش، لكن مع مرور الأشهر، بدأ الانقسام يتفاقم. فبعدما حددت الحكومة أهداف الحرب بالقضاء على "حماس" وإعادة الرهائن، بات من الواضح أن هذه الأهداف لم تتحقق بشكل كامل.

تغيرت نظرة الإسرائيليين تجاه مؤسسات الدولة. فقد انخفضت ثقة الإسرائيليين في الجيش من 89.5% في أكتوبر 2023 إلى 76% في سبتمبر 2024، بحسب استطلاعات الرأي. نفس الاستطلاعات أظهرت تراجعًا في الثقة بالحكومة والشرطة، بينما شهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تراجعًا في شعبيته، حيث انخفضت نسبة الرضا عنه إلى 28% بعد الهجوم، قبل أن ترتفع قليلاً إلى 30% في سبتمبر 2024.

 

التوترات الداخلية تفاقمت أيضًا مع بروز مقترحات دولية لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. ففي حين دعمت بعض الأطراف السياسية الإسرائيلية اتفاقات لتبادل الأسرى ووقف القتال، عارضت الأحزاب اليمينية المتطرفة هذه الخطط بشدة، مهددة بانسحابها من الحكومة إذا ما تم التوصل إلى أي اتفاق من هذا القبيل. 

أدى هذا التوتر إلى منع الوصول إلى تسوية سياسية، وجعل نتنياهو أكثر تمسكًا بموقفه الرافض لأي مفاوضات مع "حماس".

*المستقبل الغامض للتحقيقات والمساءلة* 


مع اقتراب الذكرى الأولى لهجوم 7 أكتوبر، تتجه الأنظار في إسرائيل إلى لجان التحقيق المحتملة التي ستنظر في أسباب الإخفاق. 

العديد من القادة العسكريين والسياسيين قد يواجهون المحاسبة، حيث أعلنت بعض الشخصيات البارزة استقالتها استباقًا للتحقيقات. 

فقد أعلن رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، أهارون هاليفا، استقالته في أبريل، وكذلك فعل رئيس وحدة الاستخبارات 8200، يوسي سارئيل، في سبتمبر.

من المتوقع أن تؤدي التحقيقات إلى تغييرات كبيرة في القيادة الإسرائيلية، وهو ما يصفه بعض المحللين بأنه "زلزال سياسي" قد يعصف بالحكومة الحالية. هذه التحقيقات قد تؤدي أيضًا إلى مزيد من التوترات داخل المجتمع الإسرائيلي، خاصة إذا ما تمت محاسبة شخصيات رئيسية في الحكومة أو الجيش.