لهيب أوروبا.. القارة العجوز تعاني أمام التغير المناخي
لهيب أوروبا.. القارة العجوز تعاني أمام التغير المناخي

في قلب صيف يتجاوز كل المقاييس، تختنق أوروبا تحت موجة حرّ غير مسبوقة، تدق ناقوس الخطر المناخي مجددًا، من برشلونة إلى توسكانا، ومن شواطئ المتوسط إلى قلب باريس، تتسابق درجات الحرارة إلى قمم تاريخية، بينما تئن المستشفيات من تزايد حالات الإعياء، وتتحول الغابات إلى بؤر مشتعلة، لا تبدو هذه الموجة استثناءً عابرًا، بل علامة فارقة في زمن تغير المناخ، حيث أصبحت الظواهر القصوى، من الفيضانات إلى الحرائق، جزءًا من الواقع اليومي، في ظل ارتفاع الحرارة إلى أكثر من 46 درجة مئوية في بعض المناطق، تبرز الأسئلة الملحّة، كيف تستعد المدن الأوروبية لمستقبل مناخي أكثر قسوة؟ وهل ما نشهده اليوم مجرد بداية لموجات أشد وطأة.
*تحول مناخي جذري يضرب القارة العجوز*
خلال الأيام الماضية، رسمت درجات الحرارة المرتفعة مشهدًا غير معتاد في أرجاء أوروبا، حيث تجاوزت الحرارة في بعض المناطق 46 درجة مئوية، وهي درجات غير معهودة حتى في دول الجنوب المعتادة على صيف حار.
في إسبانيا، وعلى غير عادة شهر يونيو، تجاوز متوسط الحرارة 23.6 درجة مئوية، وهو رقم غير مسبوق منذ بدء تسجيل البيانات.
مدينة برشلونة، التي تتمتع عادة بمناخ متوسطي معتدل، سجّلت أعلى حرارة منذ أكثر من قرن.
*البرتغال.. ذروة جديدة للحرارة*
وفي البرتغال، وصلت الحرارة إلى 46.6 درجة مئوية في بلدة مورا شرق لشبونة؛ مما دفع السلطات لإعلان حالة تأهب قصوى.
37% من محطات الرصد الجوية سجلت درجات تفوق 40 درجة مئوية، ما يشير إلى امتداد الظاهرة وتكرارها على نطاق واسع.
هذه الموجات الحرارية لا تُعد فقط تهديدًا على الصحة، بل تؤثر أيضًا على البنية التحتية والكهرباء والقطاع الزراعي، الذي يعاني أصلاً من الجفاف ونقص المياه.
*إيطاليا.. شلل في المدن الكبرى*
إيطاليا لم تكن أوفر حظًا، إذ أعلنت وزارة الصحة حالة الإنذار الأحمر في 21 من أصل 27 مدينة تخضع للمراقبة الصحية، من بينها العاصمة روما.
ووفقًا للتقارير، ارتفعت حالات دخول المستشفيات بنسبة 20% في مناطق مثل توسكانا.
وجهت السلطات تعليمات صارمة للسكان بعدم الخروج خلال ساعات الظهيرة، بينما خيم شبح العطش على المناطق الريفية، في ظل تراجع منسوب الأنهار.
*فرنسا.. موجة حر تشعل الغابات وتغلق المحطات*
في فرنسا، اضطرت شركة الكهرباء إلى إغلاق محطة جولفش النووية مؤقتًا لتجنب رفع حرارة مياه نهر جارون الذي تستخدمه المحطة في عمليات التبريد.
في جنوب البلاد، اندلعت حرائق واسعة أجبرت السلطات على إجلاء عشرات المخيمات، وأغلقت الطرق السريعة في وجه المسافرين.
تشير التقديرات، أن الموجة الحارة ستستمر حتى منتصف الأسبوع، ما يعني مزيدًا من الضغط على البنية التحتية والطواقم الصحية والإغاثية.
*المتوسط يغلي*
المفاجأة الأكبر ربما جاءت من البحر الأبيض المتوسط، الذي سجل في يونيو أعلى متوسط حرارة سطحية منذ بدء الرصد، بواقع 26.01 درجة مئوية — أي أعلى بثلاث درجات من المعدلات المعتادة.
الباحث في مركز دراسات الأقمار الاصطناعية تيبو غينالدو حذر من أن هذه الموجة تؤثر بشكل مباشر على التنوع البيئي البحري، متحدثًا عن نفوق جماعي للكائنات البحرية واختلال التوازن البيولوجي. وقال: "المتوسط يتحمّل العبء الأكبر، في ظل حرارة مرتفعة، شمس حارقة، ورياح نادرة".
*التحذير الأهم.. ما زلنا في البداية*
القلق لا يتوقف عند درجات الحرارة المسجلة، بل في كون هذه الموجات لم تعد نادرة.
يؤكد خبراء المناخ، أن أوروبا أصبحت من بين أكثر المناطق عرضة لموجات الحر المتكررة بسبب الاحتباس الحراري، وأن هذه الظواهر مرشحة للتفاقم في السنوات المقبلة إذا لم يتم خفض انبعاثات الكربون بشكل حاسم وسريع.