واشنطن تعيد تشكيل المشهد العسكري شمال سوريا.. تصعيد وتحركات استراتيجية
واشنطن تعيد تشكيل المشهد العسكري شمال سوريا.. تصعيد وتحركات استراتيجية
تشهد الساحة السورية شمالاً تغيرات ملحوظة في ظل تحركات عسكرية أميركية مكثفة، تعكس تطورًا جديدًا في توازنات القوى بالمنطقة، إذ تتزايد الحشود الأميركية، مصحوبة بأرتال ضخمة من الشاحنات والمدرعات الثقيلة، تتحرك من قواعد استراتيجية مثل قاعدة حقل العمر النفطي باتجاه مواقع محورية في الرقة ومحيطها، هذه التحركات تأتي وسط تصعيد مستمر بين الأطراف المتنازعة، وخصوصًا بعد انتهاء الهدنة الهشة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والقوات التركية في عين العرب (كوباني).
في هذه الأثناء، يبرز دور "إدارة العمليات العسكرية"، التي أظهرت تقدمًا ملموسًا في خارطة السيطرة، حيث باتت تتحكم في غالبية الأراضي السورية، في وقت تواجه فيه "قسد" تراجعًا استراتيجيًا مع انسحابها من بعض المناطق الرئيسية، ما يشير إلى إعادة رسم خارطة النفوذ بين الأطراف الدولية والمحلية على أرض مضطربة تعج بالميليشيات والقوى المتصارعة.
التفاصيل الميدانية
شهدت الساعات الأخيرة تحركات عسكرية أميركية كبيرة، تمثلت في قافلة عسكرية ضمت حوالي 100 آلية، توجهت نحو شمال الرقة.
وشهدت المنطقة تسيير دوريات أميركية مكثفة، بعضها جاب ريف كوباني الجنوبي وبلدة صرين، وأخرى شملت مناطق في ريف دير الزور الشرقي، حيث انطلقت من بلدة الكشكية وصولاً إلى بلدة الحوايج، وفقًا لـ"رويترز".
هذه التحركات جاءت بالتزامن مع هدوء نسبي في مدينة عين العرب (كوباني) بعد انتهاء الهدنة، التي كانت قد شهدت خلال الأيام الماضية اشتباكات وقصفًا متبادلاً بين القوات الكردية والفصائل الموالية لتركيا قرب سدي قرقوزاق وتشرين.
خارطة السيطرة الجديدة
أظهرت التطورات الأخيرة تغيرات كبيرة في خارطة السيطرة على الأراضي السورية، فوفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، انسحبت قوات سوريا الديمقراطية من مدينة دير الزور بالكامل، عائدة إلى قرى محدودة شرق الفرات بالقرب من حقل كونيكو للغاز.
في المقابل، وسعت "إدارة العمليات العسكرية" نفوذها، حيث باتت تسيطر على 70% من الأراضي السورية، بما في ذلك مدينة منبج ودمشق.
أما الساحل السوري، فقد ظل تحت النفوذ الروسي، حيث ما تزال القواعد العسكرية الروسية محافظة على وجودها في محافظتي اللاذقية وطرطوس.
ومع مغادرة آلاف المقاتلين من الميليشيات الإيرانية مناطق مثل دير الزور، بدا أن هناك تغيرًا استراتيجيًا لصالح الفصائل المحلية المنضوية تحت "إدارة العمليات العسكرية"، التي تضم "هيئة تحرير الشام" وفصائل أخرى.
دلالات التحركات الأميركية
أكد مراقبون، أن التحركات الأميركية الأخيرة تشير إلى نية واشنطن تعزيز وجودها في سوريا، وربما الضغط على الأطراف الأخرى لتغيير مواقفها.
فالدوريات المكثفة وانتشار الأرتال العسكرية يعكسان استعدادًا لمواجهة محتملة أو إعادة تموضع استراتيجي في ظل تزايد التوترات مع تركيا وإيران.
وأضاف المراقبون، أن الدعم الأميركي لـ"قسد"، رغم تراجعها الميداني، يؤكد أن واشنطن ما تزال ترى في هذه القوات حليفًا رئيسيًا لتحقيق توازن أمام الفصائل المدعومة من تركيا وإيران، مؤكدين أن مع بروز "إدارة العمليات العسكرية" كقوة مسيطرة، وتراجع "قسد"، تتجه الأنظار إلى المناطق الاستراتيجية، مثل شرق الفرات ومنبج.
كما أن التحركات الأميركية قد تعيد رسم المشهد، حيث تسعى واشنطن إلى تحقيق أهدافها دون الانجرار إلى صدام مباشر مع القوى الأخرى.
في المقابل، يبقى الموقف الروسي والإيراني محط تساؤل، حيث تواجه طهران تراجعًا في مناطق نفوذها، بينما تراقب موسكو الوضع بحذر، معززة قواعدها في الساحل.
رسائل الحراك العسكري الأمريكي
من جانبه، يقول د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية: إن التحركات الأميركية الأخيرة هي جزء من استراتيجية أوسع لإعادة صياغة التوازنات في سوريا.
وأوضح المنجي - في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن واشنطن تستهدف الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة الشرقية، خاصة بعد انسحاب الميليشيات الإيرانية من مواقع استراتيجية في دير الزور.
وأضاف المنجي، أن هذه التحركات قد تكون جزءًا من خطة طويلة الأمد لتعزيز السيطرة على موارد الطاقة في سوريا، بما يعزز أوراق الضغط الأميركية في مواجهة القوى الدولية الأخرى، مثل روسيا والصين.
كما لفت أستاذ العلوم السياسية، أن الحراك العسكري الأميركي يحمل رسالة واضحة لتركيا، التي وسعت نفوذها في شمال سوريا عبر الفصائل المسلحة الموالية لها.
وأكد أن هذه التطورات تعكس تعقيد المشهد السوري، حيث باتت البلاد ساحة صراع مفتوح بين القوى الإقليمية والدولية، في ظل غياب أفق لحل سياسي مستدام.
استعراض قوة
في السياق ذاته، يقول أحمد محرم، المحلل السياسي السوري: إن التحركات العسكرية الأميركية الأخيرة في شمال سوريا تأتي في سياق استعراض للقوة بهدف الضغط على الأطراف الإقليمية، لا سيما تركيا وإيران.
وأضاف محارم، أن الولايات المتحدة تسعى لتحقيق أهداف متعددة من هذا التصعيد، منها تثبيت نفوذها في المناطق الاستراتيجية حول حقول النفط والغاز، وتعزيز موقعها التفاوضي في أي تسوية سياسية مستقبلية للأزمة السورية.
وأشار المحلل السياسي السوري، أن الدعم الأميركي المستمر لقوات سوريا الديمقراطية رغم تراجعها الميداني يحمل رسالة واضحة مفادها أن واشنطن لن تتخلى عن حلفائها المحليين بسهولة، حتى مع تزايد النفوذ الروسي والتركي في مناطق أخرى، مضيفًا أن التصعيد قد يؤدي إلى تعقيد المشهد السوري، مشيرًا أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تهديد لمصالحها في الشمال السوري.