شعوب "شمال إفريقيا" تئن تحت وطأة الانهيار الاقتصادي المصاحب لـ"كورونا"
خسائر اقتصادية متتالية نالت من اقتصاد دول العالم كافة منذ تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، الصدمة كان وقعها أكثر تأثيرًا على الاقتصادات الخاصة بدول شمال إفريقيا والتي تعاني من تضرر وصعوبات قبل الأحداث الاستثنائية التي يمر بها العالم، وزادت معاناة المواطنين في شمال إفريقيا وتحديدًا في دول المغرب وتونس والجزائر بعد أن انهيار سريع للاقتصاد وزيادة لمعدلات البطالة والفقر المرتفعة منذ البداية.
الاقتصاد المغربي.. خسائر بالجملة ومحدودو الدخل الأكثر تضررًا
الدراسات الأولية أظهرت خسائر بالجملة عانى منها الاقتصاد المغربي من أزمة جائحة كورونا على المستويات كافة، فسجلت نصف شركات المغرب انخفاضاً في نشاطها بأكثر من 50%، وانهار قطاع السياحة بشكل كامل وتمدد الانهيار ليشمل جميع القطاعات على رأسها القطاع العقارية والصناعات التقليدية والصناعات الثقافية والإبداعية.
وطالبت 60% من شركات المغرب تأجيل سداد قروضها، فيما طالبت 49% تأجيل الضرائب والاشتراكات الاجتماعية بالإضافة لتسريح 60% من العمالة؛ ما أدى لتوقف مؤقت للتصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وعلى مستوى الاحتياجات المعيشية يواجه المواطنون في المغرب معاناة في توفير احتياجاتهم اليومية من غذاء ودواء، في ظل شح ملحوظ في الكميات التي تطرحها الدولة بشكل تدريجي خوفًا من استمرار الوضع الحالي لفترة أطول من المتوقع وتهديد المخزون الإستراتيجي للبلاد، وتزداد المعاناة مع محدودي الدخل بشكل أكثر قسوة، خاصة مع تعطل ملايين من العمال الذين يعتمدون على المهن ذات الأجر اليومي والمهن الخدمية التي توقفت تمامًا منذ تفشي فيروس كورونا في المغرب.
إجراءات الجزائر التقشفية لم توقف التدهور.. وانهيار أسعار النفط ضربة قاسمة
ومن المغرب للجزائر، التي تعيش الأزمة الأشد منذ عدة عقود عقب تراجع أسعار النفط والغاز إلى جانب الإجراءات الاحترازية التي زادت من متاعب الاقتصاد الجزائري الَّذي يعتمد بشكل أساسي على عائدات النفط.
وتحاول الحكومة الجزائرية إطلاق إصلاحات لتقليل خطورة تداعيات فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط، ومن أبرز القرارات التقشفية التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لمواجهة التداعيات السلبية لتراجع أسعار النفط ووباء كورونا على الاقتصاد، تخفيض فاتورة الواردات بقيمة 10 مليارات دولار، وتخفيض موازنة شركة سوناطراك النفطية بنسبة 50% من 14 مليار دولار إلى 7 مليارات دولار، وتعد الجزائر ثالث مورد للغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد روسيا والنرويج؛ إذ يستورد 30% من احتياجاته الغازية من الجزائر، بلغت نحو 36 مليار متر مكعب في 2019.
بالإضافة إلى إلغاء إبرام عقود الدراسات والخدمات مع المكاتب الأجنبية في مختلف المشاريع والتي تكلف الجزائر سنوياً 7 مليارات دولار، وتجميد المشاريع الكبرى.
وتضمنت القرارات منع استيراد المواد الزراعية ومنع تصدير المواد الطبية، ومنح عطلة إجبارية مدفوعة الأجر لـ50% من العمال في القطاع الاقتصادي والخدمات العمومية والخاصة.
كما رصدت الجزائر قرابة 500 مليون دولار لاقتناء المعدات الطبية ومستلزمات مجابهة جائحة كورونا، بينها 100 مليون دولار من صندوق النقد الدولي و32 مليون دولار من البنك الدولي للإنشاء والتعمير، و75 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي.
خبراء اقتصاديون أكدوا أن خسائر الجزائر من تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية بلغت مستويات قياسية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، والتي فاقت 2 مليار دولار.
القرارات لم تشفع لمحدودي الدخل في الجزائر الذين تلقوا الجانب الأكبر من الصدمة الاقتصادية؛ ما اضطر الحكومة الجزائرية لتخفيف القيود المفروضة والسماح لعدد من المتاجر باستئناف نشاطها لتخفيف الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت تتفاقم بشدة.
رغم كورونا.. عودة الحياة تدريجيًا أمر واقع في تونس
وفي تونس، زاد الوضع الاقتصادي تعقيدًا منذ ظهور فيروس كورونا، حيث أكد الخبراء أن تحسن الوضع الاقتصادي أصبح مرتبطاً بشكل أساسي بتجاوز الأزمة الحالية، حيث تسبب الحجر الصحي المفروض على الشعب التونسي في تراجع معدلات النمو الاقتصادي إلى معدلات غير مسبوقة واختلال التوازنات المالية للدولة وكذلك انهيار شديد أصاب الفئات الأضعف من أصحاب المهن الصغيرة ومحدودي الدخل.
وفي الوقت نفسه، تجد الحكومة نفسها في موقف حرج بسبب التحذيرات بشأن رفع الحجر الصحي قبل محاصرة الفيروس بشكل يضمن القضاء عليه وتقليل الخسائر البشرية التي لا تعوض على عكس الخسائر المادية والاقتصادية.
خبراء الاقتصاد أكدوا ضرورة عودة الحياة بشكل تدريجي ومدروس مع إلزام الجميع بالتدابير الوقائية والبداية بالسماح لبعض المهن بمزاولة نشاطها المعتاد خاصة تلك التي لا تشترط وجود تجمعات كبيرة، وكذلك المهن اليومية التي أصبح أصحابها لا يجدون قوت يومهم، حيث أكد مراقبون أن معظم العمال البسطاء لم يستطيعوا الالتزام بالقرارات الحكومية وقرروا النزول لممارسة أعمالهم مهما كانت المخاطر، مؤكدين أن موتًا سريعًا بفيروس كورونا أكثر رحمة من موت بطيء جوعًا.
المنحة الحكومية لن تكفينا 3 أيام.. تركتها لمن يحتاجها وبعت ذهب زوجتي
من جانبه يقول، علي معز، 40 عاماً، تونسي، أملك مقهى، ومنذ تفشي فيروس كورونا في العالم أغلقت مصدر رزقي الوحيد، وحاولت خلال الفترة الماضية الالتزام برواتب العمال الـ7 الذين يعملون معي، ولكن اضطررت لتسريح خمسة منهم بعد أن شعرت أن جميع مدخراتي في الحياة تتبخر أمام عيني.
وأضاف معز، لا أعرف كيف أساعدهم ولا أعرف كيف أساعد نفسي خاصة مع دخول شهر رمضان وما يحمله من عادات غذائية تزيد حجم الإنفاق بشدة، وهو ما أعجز عنه لاستمرار الإغلاق حتى الآن.
وتابع: لا أستطيع دفع إيجار المقهى ولم يقبل صاحب العقار بتخفيض الإيجار وحدثني عن الظروف الصعبة والاستثنائية وكأنه فقط من يمر بها وليس الجميع، مضيفًا، نحن الأكثر تضرراً فليس لنا غطاء اجتماعي ولا راتب حكومي أو عقود تحمينا ورغم المنحة التي خصصتها الحكومة والتي تبلغ 200 دينار، أكد أنه لم يفكر في الحصول عليها وفضل تركها لمن هو أسوأ حالا منه، مؤكداً أنها لن تكفي متطلبات 3 أيام فقط من طعام وشراب خاصة مع تضاعف أسعار معظم المنتجات منذ الجائحة، فلجأت لبيع أسورة ذهبية تملكها زوجتي لنستطيع شراء الطعام والشراب فقط.
الإجراءات المصاحبة لـ"كورونا" ستتسبب في ثورة جياع إذا استمرت أكثر من ذلك
في السياق نفسه، قال سفيان بن ناصر، جزائري، أملك محل حلاقة، ومنذ الإجراءات الحكومية وهو مغلق ولا أستطيع فتحه، وحتى إذا ما سمحت لي الحكومة بفتح مصدر رزقي الوحيد، فلن يأتي معظم المواطنين خوفًا من الإصابة بسبب تعاملي المباشر مع الزبائن وخوفهم من أدوات الحلاقة وبقائهم في منازلهم وعدم اضطرارهم للحفاظ على مظهرهم في ظل الظروف الحالية والاكتفاء بالحلاقة في المنزل لتوفر الأدوات بأسعار منخفضة.
وأضاف بن ناصر، هددني صاحب العقار بطردي، وأخبرته أن يفعل ذلك إذا وجد مستأجراً فالحياة متوقفة عند الجميع فلا أحد يستأجر ولا يبيع أو يشتري، بدأت ببيع بعض الأجهزة في منزلي بنصف ثمنها وإذا استمر الوضع أكثر من شهر سنشهد مجاعة تضرب الملايين من المواطنين الذين تشبه ظروفهم ظروفي.
وتابع: آمل أن تطمئن الحكومة المواطنين لأستطيع أن أعود لعملي وكسب رزقي لدي أطفال ولا فارق الآن لدي بين موتهم بـ"كورونا" أو موتهم جوعًا، بل أشعر كثيرًا أن الموت بفيروس كورونا أكثر رحمة رغم ما تؤكده التقارير الإعلامية من ارتفاع نسب الشفاء في كل دول العالم، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية لا شفاء منها.