خطة أممية معلّقة وساعة صفر سياسية تقترب.. ليبيا بين الأمل والانفجار

خطة أممية معلّقة وساعة صفر سياسية تقترب.. ليبيا بين الأمل والانفجار

خطة أممية معلّقة وساعة صفر سياسية تقترب.. ليبيا بين الأمل والانفجار
ليبيا

بين عواصم القرار الدولي وأنقاض الانقسام الليبي، تتجه الأنظار من جديد إلى مجلس الأمن، حيث تقف بعثة الأمم المتحدة أمام لحظة حاسمة قد تحدد مستقبل العملية السياسية برمتها، فمع اقتراب نهاية ولايتها أواخر أكتوبر، يعود الجدل القديم حول جدوى استمرارها من عدمه، وسط انقسام داخلي حاد وضغوط خارجية متزايدة تدفع نحو “تسوية ما”، حتى وإن جاءت مفروضة، وبينما يرى البعض أن التجديد للبعثة يمثل نافذة أخيرة لإنعاش المسار السياسي المتعثر منذ سنوات، يعتقد آخرون أن بقاءها بالنهج ذاته ما هو إلا إطالة لأمد الأزمة وإعادة إنتاج للفشل في ثوب جديد، وفي ظل انسداد الأفق الانتخابي، وتآكل الثقة بين الأطراف، يقف الليبيون أمام مفترق طرق جديد: إما أن تكون جلسة مجلس الأمن المقبلة نقطة انطلاق نحو الاستقرار، أو جولة جديدة من الدوران في الحلقة المفرغة.

من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي في الرابع عشر من أكتوبر جلسة حاسمة لبحث تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، التي تنتهي رسميًا في الحادي والثلاثين من الشهر ذاته.

 جلسة تأتي في ظرف دقيق تمر به البلاد، حيث تتقاطع الحسابات المحلية مع أجندات إقليمية ودولية تتنازع على رسم مستقبل ليبيا السياسي والاقتصادي.

منذ تأسيسها عام 2011، لعبت البعثة الأممية أدوارًا متباينة في دعم العملية السياسية، غير أن ما كان يُنتظر منها كوسيط نزيه وميسر للحوار تحوّل تدريجيًا إلى ملف جدلي داخل ليبيا، يتأرجح بين اتهامات بالتقصير، وشبهات بالانحياز، وانتقادات لفشلها في فرض خريطة طريق قابلة للتنفيذ.

ويُتوقع أن تقدم المبعوثة الأممية الخاصة هانا تيتيه -خلال الجلسة المقبلة- إحاطة مفصلة حول آخر التطورات في الملف الليبي، وسط ترقب لمعرفة ما إذا كانت ستعلن عن تعديلات جوهرية في استراتيجيتها بعد الانتقادات الواسعة التي طالت البعثة.

 وتقول مصادر دبلوماسية: إن تيتيه تسعى لإقناع المجلس بضرورة منحها تفويضًا أطول وصلاحيات أوسع، بما يسمح لها بالضغط على الأطراف المتنازعة نحو توافق حقيقي.

ضغوط دولية.. ومساعٍ للحسم


يرى المحلل السياسي الليبي عمر أبو سعيدة، أن الجلسة المرتقبة تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الأمم المتحدة على تجاوز مرحلة “إدارة الأزمة” إلى مرحلة “حل الأزمة”.

 ويشير في حديثه إلى أن المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يضغط بقوة من أجل حسم ملفات متراكمة تتعلق بتوحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات.

ويضيف أبو سعيد -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن الحوار الوطني المزمع عقده في 20 أكتوبر، برعاية البعثة الأممية، قد يشكل “بصيص أمل” إذا ما تمتع بالجدية والشفافية، معتبرًا أن دعم هذا الحوار بات ضرورة لا خيارًا، لأن البديل هو العودة إلى مربع الصراع المسلح. 

ويؤكد أن نجاح البعثة هذه المرة لن يكون في البيانات الختامية، بل في قدرتها على فرض آليات تنفيذية ملزمة لجميع الأطراف.

أداء البعثة بين الانتقادات والآمال


على الجانب الآخر، يتبنى الخبير القانوني والدستوري محمد صالح جبريل اللافي، رؤية أكثر تشاؤمًا، معتبرًا أن البعثة لم تحقق أي اختراق حقيقي في السنوات الأخيرة، وأنها أصبحت “جزءًا من الأزمة بدل أن تكون وسيلة لحلها”. 

ويرى أن خارطة الطريق التي أعلنتها المبعوثة السابقة لم تُترجم على أرض الواقع، بسبب غياب الضغط الدولي الحقيقي، وازدواجية مواقف القوى الكبرى التي تتعامل مع الملف الليبي بانتقائية.

ويحذر اللافي -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، من أن استمرار النهج الحالي دون مراجعة جذرية سيؤدي إلى مزيد من التآكل في الثقة، مؤكدًا أن الليبيين لم يعودوا يثقون في شعارات المصالحة الوطنية بقدر حاجتهم إلى خطوات ملموسة توحّد المؤسسات وتضمن انتخابات شفافة. 

ويضيف أن التمديد للبعثة قد يكون أمرًا حتميًا، لكن الفاعلية ستظل رهينة بتغيير القيادة أو على الأقل المنهج الذي تعمل به.

خارطة طريق على الورق


كانت هانا تيتيه قد أعلنت في أغسطس الماضي خارطة جديدة تتضمن تشكيل حكومة موحدة خلال شهرين، تليها انتخابات عامة في إطار مصالحة وطنية شاملة.

 غير أن التطورات الميدانية في طرابلس خلال الأسابيع التالية، وما شهدته من اشتباكات وتحشيدات، أجهضت تلك التطلعات، وأعادت المشهد إلى حالة الترقب والتوجس المعتادة.

ويرى مراقبون، أن فشل تنفيذ الخارطة لم يكن بسبب رفض الليبيين لها بقدر ما هو نتيجة لغياب الإرادة السياسية وتضارب المصالح الإقليمية، إذ باتت بعض القوى الخارجية ترى في استمرار الانقسام مصلحة استراتيجية تضمن نفوذها في الشرق أو الغرب.

ما بعد التجديد.. ماذا بعد؟


وبعد أكثر من عقد على الفوضى، تبدو ليبيا اليوم عالقة بين ماضٍ لم ينته ومستقبل لم يولد بعد. فالانتخابات التي كان من المفترض إجراؤها عامي 2021 و2023 لم ترَ النور، والحكومات المتعددة ما تزال تتنازع الشرعية والمناصب، بينما المواطن العادي يغرق في أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة.

تجديد التفويض للبعثة، في رأي كثيرين، لن يكون سوى إجراء روتيني ما لم يترافق مع تحول نوعي في آلية العمل الدولي، يضع حدًا للتنازلات المتبادلة، ويعيد الأولوية لصوت الليبيين أنفسهم. فبين ضغوط الخارج وتصلب الداخل، تبقى ليبيا في انتظار إرادة حقيقية، لا مجرد تفويض جديد.