رهائن وأسرى وخرائط انسحاب.. تفاصيل معقدة في المفاوضات المصرية بين حماس وإسرائيل

رهائن وأسرى وخرائط انسحاب.. تفاصيل معقدة في المفاوضات المصرية بين حماس وإسرائيل

رهائن وأسرى وخرائط انسحاب.. تفاصيل معقدة في المفاوضات المصرية بين حماس وإسرائيل
حرب غزة

في القاهرة، حيث طالما لعبت مصر دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تتجه الأنظار مجددًا إلى العاصمة المصرية مع وصول وفود من تل أبيب وحركة حماس، في محاولة أخيرة لإنقاذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف الحرب الدامية في قطاع غزة. المفاوضات المرتقبة لا تقتصر على مجرد صفقة تبادل أسرى ورهائن، بل تتجاوزها إلى رسم ملامح مستقبل القطاع الممزق منذ أكثر من عامين من الحرب، وبينما يلوّح ترمب بمهلة زمنية لا تتجاوز 72 ساعة لوقف القتال وإطلاق سراح المحتجزين، تصر إسرائيل على ضمان نزع سلاح حماس، في حين تطرح الحركة شروطًا تخص إدارة ما بعد الحرب، ومع استمرار الغارات الإسرائيلية التي أودت بحياة عشرات الفلسطينيين خلال الساعات الماضية، تتأرجح آمال الغزيين بين التفاؤل بانفراج قريب واليأس من تكرار سيناريوهات فشل سابقة.

مفاوضات شاقة برعاية مصرية


تبدأ جولات التفاوض غير المباشر الأحد والاثنين في القاهرة، حيث يجتمع الوسطاء المصريون مع ممثلي حماس وإسرائيل لمحاولة صياغة تفاهم عملي يضمن تنفيذ خطة ترمب.

وتشمل أبرز بنود الخطة: وقف شامل لإطلاق النار، إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين، وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من القطاع.

غير أن التحدي يكمن في ما بعد الانسحاب، إذ يصر ترمب على تشكيل "هيئة تكنوقراط انتقالية" تدير غزة تحت إشرافه المباشر، وهو ما تعتبره حماس خطوة محفوفة بالمخاطر، إذ يعني إقصاءها الكامل عن السلطة مقابل بقائها لاعبًا منزوع السلاح.

ضغوط أميركية وخط انسحاب أولي

الرئيس الأميركي بدا عازمًا على فرض إيقاع سريع للأحداث، مهددًا بعدم التهاون مع أي تأجيل. وقد نشر خريطة تفصيلية لخط انسحاب أولي يبعد بين 1.5 و3.5 كيلومتر عن حدود إسرائيل، على أن يبدأ التنفيذ فور موافقة حماس.

لكن المعضلة الحقيقية ليست في الخرائط فقط، بل في غياب الثقة بين الطرفين. فإسرائيل تخشى من أن توقف حماس الحرب لتعيد تنظيم صفوفها لاحقًا، فيما ترى الحركة أن شروط نزع سلاحها تعني عمليًا إعدامها السياسي.

استمرار القصف وتآكل الثقة

رغم إعلان واشنطن أن وقف إطلاق النار يجب أن يبدأ فور الاتفاق، لم يتوقف القصف الإسرائيلي. 

الدفاع المدني في غزة أكد مقتل نحو 60 شخصًا السبت، بينهم 40 في مدينة غزة وحدها.

 تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كشفت عن ازدواجية الموقف، إذ أعرب عن أمله في عودة الرهائن خلال أيام تزامنًا مع عيد العرش اليهودي، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن تجريد حماس من سلاحها سيكون إما عبر خطة ترمب أو بالقوة العسكرية الإسرائيلية.

ردود حماس والرهان على ما بعد الحرب

من جانبها، أعلنت حماس موافقتها المبدئية على إطلاق جميع الرهائن، بما فيهم جثامين القتلى، والتخلي عن إدارة القطاع لصالح هيئة مستقلة من شخصيات غير حزبية. 

لكنها ربطت التنفيذ بالتفاوض على ملفات جوهرية تخص مستقبل غزة، مثل الإعمار، رفع الحصار، وضمانات بعدم تكرار الاجتياحات.

 بالنسبة للحركة، الخطر يكمن في أن تتحول خطة ترمب إلى مجرد "صفقة أمنية" تخدم إسرائيل سياسيًا وتترك الفلسطينيين أمام واقع إنساني أكثر تعقيدًا.

مأساة إنسانية متفاقمة

بينما تدور المفاوضات في القاعات المغلقة، يعيش سكان غزة كابوسًا يوميًا. الأمم المتحدة كانت قد أعلنت حالة مجاعة في أغسطس الماضي، وسط انهيار المنظومة الصحية وتراجع الإمدادات الإنسانية. 

محمود الغازي، أحد سكان غزة، عبّر بمرارة: "نحتاج إلى تسريع المفاوضات لوقف الإبادة وشلال الدماء. كل ساعة تأخير تعني عشرات الشهداء الجدد". 
الأرقام تعكس هول الكارثة: أكثر من 67 ألف قتيل فلسطيني منذ اندلاع الحرب، في مقابل 1219 إسرائيليًا، إلى جانب عشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين.

معركة على المستقبل

المفارقة أن خطة ترمب، رغم ما تحمله من تنازلات للطرفين، قد تشكل النافذة الأخيرة لوقف النزيف، لكن نجاحها يعتمد على قدرة القاهرة على المناورة بين المواقف المتصلبة، واستعداد واشنطن لاستخدام نفوذها للضغط على حليفتها إسرائيل، وكذلك على استعداد حماس لقبول واقع سياسي جديد. 


في كل الأحوال، تبدو هذه الجولة من المفاوضات أكثر من مجرد نقاش حول تبادل أسرى؛ إنها معركة على هوية غزة، وعلى موقعها في معادلة الشرق الأوسط لما بعد الحرب.

بديل التسوية كارثي

من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن خطة ترمب لوقف الحرب في غزة تقف أمام مأزق حقيقي يتجاوز حدود الصراع العسكري.

 فبحسب تقديره، تكمن خطورة الخطة في أنها تحاول الجمع بين تسوية إنسانية عاجلة، عبر وقف إطلاق النار وإطلاق الرهائن، وبين ترتيبات سياسية وأمنية بعيدة المدى تمس جوهر الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

ويشير فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، إلى أن الإصرار الأميركي على نزع سلاح حماس كشرط لأي اتفاق قد يدفع الحركة إلى التشدد بدلًا من تقديم تنازلات، خصوصًا أن سلاحها يمثل بالنسبة لها ورقة الردع الوحيدة أمام إسرائيل.

ويضيف: أن إسرائيل بدورها لا تملك ترف التراجع، فهي ترى في خطة ترمب فرصة لتكريس واقع جديد يضمن أمن حدودها على المدى الطويل، وفي المقابل، تسعى حماس إلى ربط أي صفقة بضمانات تتعلق بإعادة الإعمار ورفع الحصار، ما يعني أن أي اتفاق لا يعالج هذه الملفات سيكون هشًا وقابلًا للانهيار.

ويؤكد فهمي، أن نجاح القاهرة كوسيط يعتمد على قدرتها في خلق معادلة توازن بين المطالب المتعارضة، وهو أمر صعب في ظل تصاعد القصف واستمرار المجاعة، لكنه يرى أن البديل عن التسوية سيكون كارثيًا، إذ سيعني دخول غزة مرحلة استنزاف دموي مفتوح، يهدد ليس فقط استقرار القطاع بل أيضًا الأمن الإقليمي بأكمله.

واختتم فهمي، أما مصر، فتتحرك كوسيط رئيسي مستفيدة من ثقلها الإقليمي وصلاتها المباشرة مع كل الأطراف، بما فيها واشنطن وتل أبيب والفصائل الفلسطينية، لكنه يشدد على أن نجاح القاهرة يتطلب دعمًا دوليًا حقيقيًا، وإرادة من الطرفين لتقديم تنازلات مؤلمة، مضيفًا: مصر وحدها لا تستطيع فرض الحل، لكنها تملك القدرة على فتح القنوات، وتوفير أرضية مشتركة تمنع انزلاق غزة إلى مواجهة لا نهاية لها.