بعد تصويت مجلس الأمن.. كيف تُرسم خرائط الدولة الفلسطينية في خطاب واشنطن وتل أبيب؟

بعد تصويت مجلس الأمن.. كيف تُرسم خرائط الدولة الفلسطينية في خطاب واشنطن وتل أبيب؟

بعد تصويت مجلس الأمن.. كيف تُرسم خرائط الدولة الفلسطينية في خطاب واشنطن وتل أبيب؟
مجلس الأمن

أعاد قرار مجلس الأمن الأخير، الذي تبنى مشروعًا أميركيًا يدعو إلى مسار سياسي جديد بعد حرب غزة، فتح النقاش حول شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية، ليس فقط كفكرة مؤجلة منذ عقود، بل كاحتمال تدفعه واشنطن عبر قنوات دبلوماسية نشطة، وفي حين استقبل الفلسطينيون الخطوة بوصفها نافذة يمكن البناء عليها، بدا المشهد في إسرائيل أكثر تعقيدًا، إذ أثار القرار موجة جدل داخل الأوساط السياسية والأمنية، لكونه يلمّح إلى اعتراف دولي بإمكان قيام دولة فلسطينية جديدة، ضمن ترتيبات أمنية وإصلاحية مشددة، ومع كشف صحيفة "إسرائيل هيوم" عن ملامح أولية لما تسميه واشنطن "النموذج الممكن" للدولة المقبلة، عاد الجدل حول ما إذا كان العالم بصدد رؤية صيغة مُعدّلة من "صفقة القرن" أو نسخة سياسية جديدة تستند إلى الواقع ما بعد حرب غزة.

صفقة القرن


أثار تبني مجلس الأمن مشروع القرار الأميركي بشأن غزة ارتدادات سياسية واسعة، خصوصًا بعد أن تضمّن إشارات مباشرة إلى احتمالية إطلاق مسار جاد نحو تقرير المصير الفلسطيني، وهو ما اعتبرته دوائر إسرائيلية خطوة غير مسبوقة منذ سنوات، القرار لم يقدّم وصفًا نهائيًا لشكل الدولة، لكنه وضع أساسًا جديدًا للنقاش من خلال ربط أي تطور سياسي بسلسلة إصلاحات فلسطينية وبإعادة إعمار قطاع غزة.

وبحسب المعلومات التي نشرتها صحيفة "إسرائيل هيوم"، فإن التصور الأميركي يعود بجذوره إلى هندسة سياسية تشكّلت خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وستكون متوافقة مع "صفقة القرن" التي تعود إلى عام 2020، حين صاغت الإدارة السابقة مع فريق ضم صهره جاريد كوشنر ووزير الخارجية ماركو روبيو ملامح ما يسمى بـ«الدولة المتصلة اقتصاديًا، المنفصلة أمنيًا»، وتشير الصحيفة إلى أن هذا النموذج، الذي نوقش حينها مع بنيامين نتنياهو وفريقه الأمني، يُعاد إحياؤه اليوم على نحو يتلاءم مع الواقع ما بعد الحرب.

دولة في الضفة الغربية فقط منزوعة السلاح


يتضمن التصور الأميركي – وفق ما كشفته الصحيفة – أن الدولة الفلسطينية المستقبلية ستكون محصورة في الضفة الغربية، دون أي امتداد جغرافي فوري نحو غزة، التي ستخضع لمرحلة انتقالية طويلة تتعلق بالإعمار وإعادة الهيكلة الأمنية، أما الضفة فستُقسم إلى مناطق متعددة الصلاحيات، يُسمح للفلسطينيين بإدارة شؤونهم فيها من دون امتلاك قوة عسكرية أو أجهزة تسليح ثقيلة، بينما تتولى إسرائيل الإشراف على المجال الجوي والحدود.

هذا النموذج الأمني ينسجم مع مقاربة إسرائيلية قديمة ترى أن «الدولة غير المسلحة» تشكل الحد الأدنى المقبول لإجراء حوار سياسي، لكنه في المقابل يعمّق الإشكاليات المتعلقة بالسيادة والقدرة على إدارة الأمن الداخلي، خصوصًا في ظلّ تدهور ثقة الشارع الفلسطيني بالمؤسسات الأمنية الحالية.

إصلاحات مشروطة


القرار الأممي، كما تذكر الصحيفة، يتبنى الخطاب الأميركي الذي يربط أي تقدم سياسي بـ"إصلاح شامل" داخل السلطة الفلسطينية. وتشمل هذه الإصلاحات إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، تعديل برامج التعليم، محاربة ما تسميه واشنطن "التطرف الديني"، إضافة إلى وقف كامل لملف التحويلات المالية المرتبطة بالأسرى والشهداء، وهو مطلب إسرائيلي ثابت منذ سنوات.

من وجهة نظر واشنطن، فإن السلطة الفلسطينية فقدت خلال الحرب نسبة من شرعيتها الداخلية، ما يجعل إعادة بنائها شرطًا أساسيًا لنجاح أي مشروع دولة، أما في إسرائيل، فتُستخدم هذه النقطة كحجة لرفض وجود مفاوض فلسطيني قادر على تنفيذ أي اتفاق.

التخلي عن حق العودة


تكشف "إسرائيل هيوم"، أن واشنطن وتل أبيب تتفقان على أن الإعلان الفلسطيني عن التخلي عن "حق العودة" سيكون حجر الزاوية في أي تسوية سياسية، ويُعد هذا الشرط الأكثر حساسية، ليس فقط على المستوى السياسي بل الشعبي أيضًا، إذ يمسّ جوهر الرواية الوطنية الفلسطينية ويرتبط بمعاناة ملايين اللاجئين.

ويرى محللون، أن واشنطن تعي حساسية هذا الملف، لكنها تراه عنصرًا إجباريًا لبناء نموذج استقرار طويل المدى، خصوصًا في ظلّ الإصرار الإسرائيلي على منع أي تغيير ديمغرافي داخل حدود 1948.

رفض إسرائيلي وهيمنة خطاب اليمين


رغم أن القرار الأممي لم يفرض إقامة دولة فلسطينية بشكل مباشر، فإن ردود الفعل الإسرائيلية اتجهت نحو الهجوم، خصوصًا من أحزاب اليمين التي تمسك اليوم بقواعد اللعبة داخل حكومة نتنياهو، وقد صرّح الأخير بأن إسرائيل لن تقبل دولة فلسطينية، في خطوة يرى مراقبون أنها تستهدف احتواء ضغوط شركائه اليمينيين أكثر من كونها إعلان سياسة رسمية بعيدة المدى.

من جهة أخرى، تتخوف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن يؤدي الحديث العالمي عن دولة فلسطينية إلى اعتراف تدريجي بها، سواء اتُفق عليها مع الحكومة أو لا، وفي الوقت نفسه، تعتبر شخصيات إسرائيلية بارزة أن السلطة الفلسطينية كيان غير مستقر وغير قادر على تنفيذ أي اتفاق، بما يجعله، بحسب رأيهم، شريكًا غير موثوق.