من مطار إسطنبول إلى المجهول.. ماذا وراء ترحيل قيادي إخواني مطلوب؟
من مطار إسطنبول إلى المجهول.. ماذا وراء ترحيل قيادي إخواني مطلوب؟

في خطوة مفاجئة تعكس تحولات مقلقة في ملف الإسلاميين المطلوبين دوليًا، أعلنت محامية القيادي الإخواني محمد عبد الحفيظ ترحيله من تركيا إلى "وجهة غير معلومة"؛ ما أثار تساؤلات واسعة حول مصيره، واحتمال تسليمه إلى السلطات المصرية أو نقله إلى بلد ثالث.
عبد الحفيظ، المتهم بالتورط في نشاطات حركة "حسم" المسلحة، كان قد أوقف في مطار إسطنبول عقب عودته من أفريقيا، في وقت تصاعدت فيه تحذيرات القاهرة من محاولات الجماعة لإحياء نشاطها التخريبي داخل البلاد، ومع الغموض الذي يلف جهة ترحيله، تخشى دوائر حقوقية وعائلته من أن يكون مصيره شبيهًا بحالات سابقة من الإخفاء القسري أو الترحيل القسري، وفي الوقت ذاته، تتحدث أجهزة الأمن المصرية عن عملية أمنية متزامنة أفضت إلى تصفية عنصرين من "حسم" بعد رصد مخطط إرهابي وشيك.
*ترحيل غامض*
في تطور أمني وسياسي لافت، أعلنت المحامية التركية جولدن سنونميز، ترحيل موكلها المصري محمد عبد الحفيظ، القيادي في حركة "حسم" الإخوانية، من الأراضي التركية إلى جهة غير معلنة، دون الكشف عن تفاصيل إضافية بشأن ملابسات وخلفية هذا القرار.
ونقلت المحامية، عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس"، أن السلطات التركية نفذت قرار الترحيل فعليًا، فيما أكدت زوجة عبد الحفيظ بدورها الواقعة، وأعلنت أن فريق الدفاع سيتقدم بطلبات عاجلة لضمان سلامته وتوضيح وجهته، وسط خشية حقوقية من تعرضه لانتهاكات أو محاكمة غير عادلة.
وكانت السلطات التركية قد أوقفت عبد الحفيظ في مطار إسطنبول، مساء الاثنين الماضي، عقب عودته من رحلة عمل في إحدى الدول الإفريقية، توقيفه جاء بعد ساعات من إعلان وزارة الداخلية المصرية عن إحباط مخطط إرهابي لحركة "حسم" يستهدف منشآت أمنية واقتصادية داخل البلاد، ما يربط بين توقيفه والمستجدات الأمنية في مصر.
*من هو عبد الحفيظ؟*
محمد عبد الحفيظ عبدالله عبد الحفيظ مواليد 1984، حاصل على ليسانس أداب، وهو مسئول العمليات والدعم اللوجيستي والتأصيل الشرعي لحركة حسم، وصدر ضده أحكام بالسجن المؤبد في أكثر من قضية، أبرزها القضية رقم 64 لسنة 2016 جنايات عسكرية شمال القاهرة، المعروفة بمحاولة استهداف عدد من الشخصيات العامة.
حكم عليه بالمؤبد في القضية رقم 120 لسنة 2022 جنايات عسكرية شرق القاهرة، والخاصة بمحاولة استهداف الطائرة الرئاسية واغتيال المقدم ماجد عبد الرازق، معاون مباحث قسم شرطة النزهة.
*تحرك أمني مصري*
وتزامن توقيف عبد الحفيظ مع إعلان وزارة الداخلية المصرية تنفيذ عملية أمنية دقيقة أسفرت عن تصفية عنصرين من "حسم" داخل شقة في حي بولاق الدكرور بالقاهرة، بعد أن بادر العنصران بإطلاق النار على قوات الأمن التي كانت تستعد لمداهمة الوكر.
وأسفر الاشتباك، وفق البيان الرسمي، عن مقتل العنصرين، ومواطن مصري تصادف مروره بالمكان، إضافة إلى إصابة ضابط خلال محاولة إنقاذه.
الداخلية المصرية كشفت -في بيانها- عن قائمة تضم خمسة من أبرز قيادات "حسم" المتورطين في إعادة إحياء نشاط الجماعة المسلحة، هم: يحيى موسى، محمد مناع، علاء السماحي، محمد عبد الحفيظ، وعلي عبد الونيس، وأكد البيان، أن تلك القيادات، ومعظمها تقيم في تركيا، كانت تنسق لإعادة تشكيل الخلايا المسلحة وتوجيه عناصرها لاختراق الحدود المصرية عبر الدروب الصحراوية، استعدادًا لشن عمليات إرهابية جديدة.
ولم تكن هذه التصريحات المصرية معزولة عن تحذيرات سابقة أطلقتها حركة "حسم" نفسها، حين نشرت مقطع فيديو عبر تطبيق "تلغرام" قبل أيام، توعدت فيه باستئناف عملياتها المسلحة في مصر، لا سيما استهداف السجون والمقار الأمنية لتحرير معتقلي الجماعة، وفق تعبيرها.
*ملاذات بديلة*
في المقابل، يرى مراقبون، أن الترحيل المفاجئ يسلط الضوء على تغير محتمل في السياسة التركية تجاه العناصر الإخوانية المقيمة على أراضيها، خصوصًا في ظل مساعي أنقرة لإعادة تموضعها الإقليمي والتقارب مع القاهرة في عدة ملفات أمنية واقتصادية.
غير أن عدم الإفصاح عن الوجهة النهائية لترحيله، والامتناع عن تقديم توضيحات رسمية حتى الآن، يثيران شكوكًا بشأن صفقة أمنية أو تفاهمات خلف الكواليس.
من جانبه، يرى د. طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، أن ترحيل عبد الحفيظ من تركيا، بغض النظر عن وجهته، يُشكل منعطفًا حاسمًا في مستقبل جماعة الإخوان خارج مصر، وخاصة من يقيمون في تركيا.
ويشير فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن التوقيت بالغ الدلالة، إذ يأتي في ظل تقارب مصري– تركي متصاعد، ومؤشرات على تفاهمات أمنية صامتة بين الجانبين.
ويضيف فهمي، أن العملية لا يمكن قراءتها بمعزل عن سياق إقليمي متغير، تراجعت فيه مكانة تنظيمات الإسلام السياسي كفاعل مدعوم من بعض القوى، كما أن أنقرة تسعى الآن لتطبيع علاقاتها مع دول الجوار، بعد سنوات من التوتر.
ويرى فهمي، أن هذا التطور قد يدفع بقيادات أخرى إلى البحث عن ملاذات بديلة، أو مراجعة استراتيجيتها بالكامل، خاصة مع ما تواجهه من عزلة سياسية وتشدد قانوني في أكثر من دولة كانت سابقًا حاضنة لها.