من المطار إلى قاعة المحكمة.. توقيف وزير النفط يربك المشهد الليبي
من المطار إلى قاعة المحكمة.. توقيف وزير النفط يربك المشهد الليبي

لم يكن مشهد توقيف وزير النفط والغاز الليبي السابق محمد عون في مطار معيتيقة حدثًا عابرًا في سجل الاضطرابات السياسية بليبيا، بل بدا وكأنه انعكاس لصراع أوسع يتجاوز قاعات المحاكم ليصل إلى مراكز القرار، فعون، الذي عُرف بمواقفه المعارضة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وجد نفسه فجأة في قلب عاصفة قانونية وإعلامية، بعدما اعتقلته الأجهزة الأمنية بدعوى تنفيذ حكم غيابي صدر ضده قبل سنوات، ورغم إعلان النائب العام الإفراج عنه لاحقًا بانتظار جلسة قضائية جديدة، ظل الحدث مثار جدل واسع في الأوساط الليبية، حيث انقسمت الآراء بين من يرى في التوقيف تطبيقًا صارمًا للقانون، ومن يعتبره تصفية حسابات سياسية تهدف إلى إسكات الأصوات الناقدة لسياسات الحكومة، وبين رواية القضاء وخلفيات السياسة، تتضح صورة أشد تعقيدًا لقطاع النفط الليبي، الذي يظل ساحة مفتوحة للتجاذبات المحلية والدولية على حد سواء.
تصفية حسابات
شهدت ليبيا، مساء السبت، لحظة مثيرة للجدل عندما أوقف الأمن في مطار معيتيقة بطرابلس وزير النفط والغاز السابق بحكومة الوحدة الوطنية، محمد عون، وهو يستعد لمغادرة البلاد.
التهمة التي أُعلنت رسميًا بدت قديمة، تعود إلى فترة رئاسته لشركة الزويتينة للنفط عام 2006، حيث وُجهت إليه اتهامات بإساءة استعمال السلطة وإهمال صيانة المال العام.
وأوضحت النيابة العامة، أن الحكم الغيابي بحقه يقضي بالسجن أربع سنوات، لكن لاحقًا تم الإفراج عنه بعد التحقق من مثوله السابق أمام محكمة استئناف طرابلس، على أن تعقد جلسة جديدة الثلاثاء المقبل للفصل في وضعه القانوني.
إلا أن ما بدا في الوهلة الأولى إجراءً قضائيًا روتينيًا تحوّل سريعًا إلى مادة سياسية مشتعلة، فالمتابعون للشأن الليبي يدركون أن محمد عون لم يكن وزيرًا عاديًا، بل شخصية مثيرة للجدل بسبب مواقفه الحادة ضد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة.
خلال فترة توليه الوزارة، انتقد عون علنًا توقيع الدبيبة اتفاقيات مع تركيا وإيطاليا، واعتبرها تهديدًا مباشرًا لثروات الليبيين النفطية، كما اتهم رئيس الحكومة بتجاوز صلاحيات وزارته وإنشاء المجلس الأعلى لشؤون الطاقة بطريقة سلبت اختصاصاته، هذه الخلفية جعلت توقيفه الأخير يبدو للكثيرين أقرب إلى تصفية حسابات سياسية من كونه مجرد تنفيذ لحكم قديم.
ازدواجية تطبيق العدالة
الجدل تعمّق مع تصريحات أحمد حمزة، رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، الذي اعتبر أن توقيف عون يكشف عن "ازدواجية في تطبيق العدالة"، حيث يتم ملاحقة من يتحدث عن الفساد في قطاع النفط بينما يُغض الطرف عن المتورطين الحقيقيين في صفقات مشبوهة.
في خلفية هذه الأزمة يقبع ملف النفط الليبي، وهو القطاع الأكثر حساسية واستراتيجية في البلاد، فالصراع على إدارته لا يرتبط فقط بتوزيع العوائد داخليًا، بل يمتد ليشمل شبكة من المصالح الإقليمية والدولية.
ليبيا، التي تنتج نحو مليون برميل يوميًا، تمثل مصدرًا حيويًا للطاقة بالنسبة لأوروبا الساعية لتنويع مصادرها بعد الحرب في أوكرانيا، لذلك، فإن أي اضطراب سياسي أو قانوني يضرب وزارة النفط يثير مخاوف من انعكاسه على الإنتاج والتصدير.
إلى جانب ذلك، فإن شخصية محمد عون تحمل رمزية خاصة، إذ إنه كان من الوزراء القلائل الذين تصدوا علنًا لرئيس الحكومة في ملفات اقتصادية حساسة، ولعل هذا ما جعل توقيفه في مطار معيتيقة يبدو للكثيرين وكأنه رسالة سياسية أكثر من كونه إجراءً قضائيًا بحتًا، فالسؤال الأبرز الذي تردّد في الأوساط الليبية كان، لماذا الآن، ولماذا في لحظة يغلي فيها المشهد الليبي بتوترات عسكرية وأزمات اقتصادية متفاقمة؟
قانونيًا، يؤكد مكتب النائب العام أن ما جرى لا يخرج عن إطار الإجراءات المعتادة، مشيرًا أن الإفراج عن عون جاء بعد التأكد من مثوله السابق أمام القضاء.
غير أن التبريرات القانونية لم تنجح في كبح موجة الشكوك، خصوصًا أن الرأي العام في ليبيا أصبح أكثر حساسية تجاه أي إجراء يمس مسؤولًا بارزًا، نظرًا للتداخل الدائم بين مسارات العدالة والسياسة.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي، حسام الدين العبدلي: إن الموقف الأخير يكشف عن هشاشة العلاقة بين القضاء والسياسة في ليبيا، مضيفًا، بينما يُفترض أن تكون المحاكم مستقلة، فإن طبيعة الصراع على السلطة تجعل من كل قرار قضائي مادة للتأويل السياسي.
وأضاف -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، هذا التداخل يعمّق أزمة الثقة بين المواطنين والسلطات، ويجعل أي محاولة لتطبيق القانون عرضة للتشكيك، مضيفًا، أن توقيف وزير نفط سابق يعكس صعوبة مكافحة الفساد في قطاع يعتبر شريان الحياة للاقتصاد الليبي.
فبدل أن يكون القضاء أداة لكشف الملفات الكبرى التي تتعلق بعقود مليارية واتفاقيات دولية، ينشغل في إعادة فتح قضايا تعود إلى أكثر من عقد ونصف، وهذا بدوره يثير تساؤلات عن أولويات الدولة الليبية في هذه المرحلة الحساسة.