هدنة غزة وتحجيم إيران.. ملفات تتزاحم في طريق ترامب إلى الرياض
هدنة غزة وتحجيم إيران.. ملفات تتزاحم في طريق ترامب إلى الرياض

في سياق إقليمي محتدم تتداخل فيه الخيوط السياسية والعسكرية والملفات الأمنية الحساسة، التقى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بنظيره الأمريكي ماركو روبيو في واشنطن، ضمن تحركات دبلوماسية تبدو مدروسة بعناية.
اللقاء جاء قبل أسابيع من الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض، وسط جهود أمريكية مكثفة للوصول إلى تفاهمات إقليمية تسبق هذه المحطة السياسية المهمة.
أجندة المحادثات لم تكن تقليدية؛ بل حملت رسائل واضحة بشأن مستقبل غزة، ونزع سلاح حماس، واحتواء الحوثيين في اليمن، فضلًا عن سيناريوهات خفية بشأن إيران وعلاقتها بمفاوضات تجري على خط مسقط- واشنطن.
*غزة والحوثيين*
التقى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود بنظيره الأمريكي ماركو روبيو في العاصمة واشنطن، في وقت تشهد فيه المنطقة توترًا بالغًا وتفاعلات إقليمية مكثفة، وعلى رأسها التصعيد في غزة، وتنامي تهديدات الحوثيين في اليمن، والسباق المحموم على النفوذ في الشرق الأوسط.
اللقاء، الذي يأتي قبل زيارة منتظرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية في مايو المقبل، حمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز الأطر التقليدية للعلاقات الثنائية.
فالولايات المتحدة تسعى لتحقيق اختراق ملموس في ملفات الشرق الأوسط الساخنة، قبل أن تطأ أقدام ترامب أرض الرياض.
والرياض من جانبها تبدو مستعدة للانخراط في تفاهمات تضمن استقرارًا نسبيًا في ملفات تشكل عبئًا على المنطقة.
بحسب البيان المشترك الصادر عن الخارجية الأمريكية، اتفق الوزيران على أهمية التوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام في قطاع غزة، يكون مقدمة لـ"تفكيك البنية العسكرية لحركة حماس"، وهي صيغة تثير تساؤلات حول آليات التنفيذ وحدود التنسيق المحتمل مع إسرائيل، التي تعارض أي وقف لإطلاق النار دون ضمانات أمنية قصوى.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن تحركات إدارة ترامب تصب في خانة خلق بيئة مواتية للزيارة المرتقبة إلى السعودية، إذ يدرك الرئيس الأمريكي أن تحقيق تقدم في ملف غزة سيعزز موقفه أمام القيادة السعودية، ويمنحه ورقة تفاوضية ثقيلة خلال اللقاءات المقبلة.
ويكتسب الاجتماع السعودي الأمريكي زخمًا إضافيًا من خلال اقترانه زمنيًا بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، والتي سبقته بيومين فقط.
ثمة من يرى في ذلك تنسيقًا غير مباشر بين الملفات، حيث تسعى واشنطن لتقريب وجهات النظر بين الحلفاء، رغم إدراكها أن نتنياهو لا يفضل حاليًا وقف العمليات العسكرية في غزة، نظرًا لضغوط الجناح المتشدد في ائتلافه الحكومي.
*تهديدات إيران*
إلى جانب غزة، برز ملف الحوثيين كأحد محاور القلق المشترك، إذ تشعر السعودية بضرورة وجود موقف أمريكي أكثر وضوحًا في ما يخص تهديدات الجماعة المدعومة من إيران، والتي استهدفت مرارًا منشآت حيوية سعودية خلال السنوات الماضية.
وتشير مصادر مطلعة، أن الرياض طلبت من واشنطن التزامًا أمنيًا متزايدًا، سواء عبر دعم المنظومات الدفاعية أو من خلال تحرك دبلوماسي لردع الحوثيين عبر ضغوط إقليمية.
أما الملف الأكثر غموضًا في المحادثات، فيظل إيران، التي غابت ظاهريًا عن البيان المشترك، لكنها كانت – دون شك – حاضرة في خلفية اللقاء.
فبالتزامن مع الاجتماع في واشنطن، تنطلق أولى جولات المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران في العاصمة العمانية مسقط، حيث من المتوقع أن يناقش مبعوث الرئيس الأمريكي ستيفن ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سبل إعادة إحياء الحوار، وسط مؤشرات على تغير في موقف طهران.
وبحسب مصادر دبلوماسية أمريكية لـ"واشنطن بوست"، فإن ترامب يطمح إلى معرفة ما إذا كانت طهران مستعدة فعلًا للدخول في مسار تفاوضي جاد، أو أن الأمور ستؤول إلى طريق مسدود يفرض عليه التفكير في الخيار العسكري.
ويرى مراقبون، أن موقف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بات أكثر مرونة، بعد أن رفض في وقت سابق التفاوض، ثم عاد وفتح الباب مجددًا أمام المبادرات.
في هذا السياق، جاءت تصريحات عراقجي في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، ليؤكد فيها استعداد بلاده لاستقبال الاستثمارات الأمريكية وفتح صفحة جديدة مع واشنطن، في تحول بدا لافتًا ويرجح أن يكون نتيجة ضغوط داخلية واقتصادية خانقة.
كل هذه المؤشرات تضع زيارة ترامب المقبلة إلى السعودية في إطار سياسي واسع، يتجاوز العلاقات الثنائية إلى ملفات إقليمية حساسة تتطلب تفاهمات دقيقة.
ويبدو أن التحركات السعودية والأمريكية تحاول رسم خريطة تحالفات جديدة، تُبنى على توازنات دقيقة، تبدأ من غزة ولا تنتهي عند مضيق هرمز.
*ضبط إيقاع الشرق الأوسط*
من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن اللقاء بين وزيري خارجية السعودية والولايات المتحدة اكتسب أهمية مضاعفة في ظل حالة السيولة الإقليمية، ومحاولات واشنطن ضبط إيقاع ملفات الشرق الأوسط قبيل زيارة مرتقبة للرئيس الأميركي.
ويؤكد فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن ملف نزع سلاح حركة حماس ليس مسألة فنية أو أمنية فحسب، بل يتداخل مع التوازنات السياسية الفلسطينية والإقليمية، ما يجعله تحديًا حقيقيًا لأي مبادرة للتهدئة في غزة.
وفيما يخص ملف الحوثيين، يشير فهمي إلى أن هناك إدراكًا متزايدًا من قبل واشنطن والرياض بأن أي تسوية في اليمن يجب أن تتضمن ترتيبات أمنية حقيقية، وليس فقط وقفًا مؤقتًا للعمليات القتالية.
ويضيف: "الحديث عن احتواء الخطر الحوثي يشير إلى توجه سعودي واضح نحو إنهاء حالة الاستنزاف في الجنوب، بالتوازي مع ضمانات أميركية للحد من الدعم الإيراني للجماعة".
ويعتبر د. فهمي أن السكوت عن ذكر إيران في البيان المشترك لا يعني غيابها عن طاولة المباحثات، بل قد يعكس تنسيقًا خلف الكواليس تمهيدًا لاتفاق أشمل يجري طبخه في مسقط، بانتظار نضوج الظروف الإقليمية والدولية لطرحه علنًا.