شلل حكومي في الولايات المتحدة بعد فشل تمرير الميزانية.. ماذا يحدث؟

شلل حكومي في الولايات المتحدة بعد فشل تمرير الميزانية.. ماذا يحدث؟

شلل حكومي في الولايات المتحدة بعد فشل تمرير الميزانية.. ماذا يحدث؟
الكونغرس الأمريكي

في لحظة تعكس عمق الانقسام السياسي الأمريكي، دخلت الولايات المتحدة مع الساعات الأولى من فجر الأربعاء في حالة شلل حكومي كامل، بعد أن عجز الكونغرس عن تمرير اتفاق يمدد التمويل الفيدرالي، ما أجبر آلاف الموظفين على إجازة قسرية وألقى بظلال ثقيلة على مؤسسات الدولة، هذا الإغلاق ليس مجرد أزمة تقنية في إدارة الميزانية، بل هو مرآة لشرخ سياسي متفاقم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حيث تحولت المساومات حول أرقام الإنفاق إلى معركة هوية بشأن دور الدولة وحدود سلطتها.

وبينما تحذر الوكالات الفيدرالية من خسائر يومية تقدر بمئات الملايين من الدولارات، يقف الأمريكيون على أعتاب شلل اقتصادي وإداري قد يتجاوز تأثيره الداخل إلى الأسواق العالمية، وفي ظل غياب مخرج واضح، تتجه الأنظار إلى البيت الأبيض والكونغرس لمعرفة إن كانا قادرين على كسر الجمود، أم أن البلاد ستدخل أطول فصل في تاريخها من الإغلاق الحكومي.

تداعيات عميقة


دخلت الولايات المتحدة رسميًا في أولى ساعات الأربعاء مرحلة جديدة من الأزمات السياسية والاقتصادية، مع بدء الإغلاق الفيدرالي الخامس عشر منذ عام 1981، بعد فشل الكونغرس في تمرير اتفاق يمدد ميزانية الحكومة لما بعد نهاية السنة المالية.

ويمثل هذا الإغلاق الأول منذ سبع سنوات، لكنه يختلف عن سابقاته بكونه يأتي في ظل أجواء استقطاب سياسي غير مسبوق بين الجمهوريين والديمقراطيين.

الإغلاق الفيدرالي يعني عمليًا توقف عدد كبير من الأنشطة الحكومية، وتعليق أعمال وزارات ووكالات أساسية، إضافة إلى تجميد رواتب ما يقرب من 750 ألف موظف، بينهم عسكريون وعاملون في قطاعات حساسة مثل البحث العلمي والمطارات.

وتشير التقديرات الرسمية، أن الكلفة الاقتصادية المباشرة للإغلاق تصل إلى نحو 400 مليون دولار يوميًا، ما يفاقم المخاوف من تداعيات عميقة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي إذا استمرت الأزمة لفترة طويلة.

خلاف جمهوري - ديمقراطي


ورغم خطورة الوضع، فإن جذوره سياسية أكثر منها مالية، فقد فشل الجمهوريون، الذين يشكلون الأغلبية في مجلس النواب، في الحصول على الأصوات الكافية داخل مجلس الشيوخ لتمرير مشروع قانون مؤقت يمدد التمويل الحكومي.

إذ يتطلب القانون موافقة 60 عضوًا من أصل 100، وهو ما لم يتحقق بسبب رفض الديمقراطيين الانضمام إلى صفوف الجمهوريين.

وفي حين كان الجمهوريون يعوّلون على دعم محدود من المعسكر الديمقراطي، فإن الجسور بين الطرفين انهارت سريعًا، خاصة بعد اجتماع قصير في البيت الأبيض لم يسفر عن أي تقارب ملموس.

تشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، أكد أن الخلافات مع الجمهوريين "كبيرة وجوهرية"، مشيرًا أن المعضلة تتجاوز مسألة أرقام الميزانية لتصل إلى قضايا جوهرية تتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب وحزبه.

من جانبهم، حمل الجمهوريون الديمقراطيين مسؤولية الإغلاق، معتبرين أنهم يعرقلون تمرير قانون مؤقت كان يمكن أن يحفظ استمرار عمل المؤسسات حتى التوصل إلى اتفاق شامل.

الإغلاق الأطول


الإغلاق الحالي لا يقتصر أثره على موظفي الحكومة الفيدرالية فحسب، بل يتعداهم إلى المواطنين العاديين الذين سيشعرون بتعطل الخدمات العامة.

فإصدار جوازات السفر والتأشيرات سيتباطأ، وحركة السفر الجوي ستتأثر بسبب غياب عدد من موظفي المراقبة الجوية، كما ستتوقف مشاريع بحثية وعلمية في مؤسسات مرموقة.

الأهم أن بيانات البطالة الشهرية، التي تراقبها الأسواق عن كثب، قد لا تصدر في موعدها، ما يزيد من حالة الغموض وعدم اليقين.

تاريخيًا، أظهرت الإغلاقات السابقة أن الاقتصاد الأمريكي قادر على استيعاب آثارها قصيرة الأمد، لكن في حال طال أمد الأزمة فإنها تتحول إلى عبء ثقيل ينعكس على معدلات النمو وثقة المستثمرين.

الإغلاق الأطول في تاريخ الولايات المتحدة استمر 35 يومًا خلال إدارة ترامب الأولى، وأدى حينها إلى خسائر اقتصادية قدرت بمليارات الدولارات.

ورقة ضغط


يرى مراقبون، أن الأزمة الراهنة تكشف خللاً بنيويًا في النظام السياسي الأمريكي، حيث تحولت عملية إقرار الميزانية – التي من المفترض أن تكون مسألة إجرائية – إلى ورقة ضغط ومساومة بين الأحزاب.

ويؤكد خبراء، أن هذا الوضع يضعف ثقة الأمريكيين في مؤسساتهم، ويغذي شعورًا عامًا بالانقسام السياسي الحاد.

على الصعيد الدولي، يتابع العالم بقلق تطورات المشهد الأمريكي، نظرًا إلى أن أي اهتزاز اقتصادي في واشنطن ينعكس مباشرة على الأسواق المالية وأسعار الطاقة والتجارة العالمية.

وتخشى بعض الدول من أن يؤدي الإغلاق إلى تقليص قدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، سواء في المجال الأمني أو المساعدات الاقتصادية.

وبينما تتواصل الاتهامات المتبادلة بين الحزبين، يظل المواطن الأمريكي هو الخاسر الأكبر من هذه المواجهة السياسية المفتوحة، ومع غياب مؤشرات على تسوية قريبة، تتعالى الأصوات المطالبة بقيادة سياسية تتحلى بالمرونة والقدرة على تجاوز الحسابات الضيقة لمصلحة استقرار الدولة.

ليس مجرد معركة حزبية


من جانبه، يقول الدكتور نبيل زكي، أستاذ الاقتصاد الدولي والتمويل بجامعة نيويورك: إن الإغلاق الحكومي الراهن لا يمكن النظر إليه كأزمة محلية فحسب، بل كحدث ذي انعكاسات عالمية محتملة.

ويشرح أن تعطيل مؤسسات الدولة بهذا الشكل يعكس عمق الاستقطاب السياسي في واشنطن، الأمر الذي يضعف ثقة المستثمرين في استقرار الاقتصاد الأمريكي، وهو اقتصاد يقود حركة المال والتجارة عالميًا.

ويضيف زكي -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن كلفة الإغلاق المباشرة، المقدرة بنحو بمئات الملايين من الدولارات يوميًا، لا تعكس سوى جزء من الخسائر الحقيقية، إذ تتفاقم آثاره في شكل تراجع ثقة المستهلك، تأجيل الاستثمارات، وتباطؤ في أنشطة قطاعات حيوية مثل الطيران والبحث العلمي.

ويشير إلى أن الأسواق الناشئة ستكون الأكثر عرضة للاهتزاز، لأن أي ضغوط على الدولار أو تذبذب في عوائد السندات الأمريكية ينعكس فورًا على حركة رؤوس الأموال العالمية.

ويرى، أن استمرار الأزمة لأكثر من أسبوعين سيحوّلها من مشكلة إدارية إلى تهديد فعلي للنمو، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل في شركائها التجاريين الرئيسيين.

ويختم بالقول: "الإغلاق الحكومي في أمريكا ليس مجرد معركة حزبية، إنه مؤشر على هشاشة سياسية قد تهدد مكانة الولايات المتحدة كقاطرة للاقتصاد العالمي".