معابر مغلقة وضغوط أمريكية.. هل تصمد شروط حماس أمام خطة السلام؟

معابر مغلقة وضغوط أمريكية.. هل تصمد شروط حماس أمام خطة السلام؟

معابر مغلقة وضغوط أمريكية.. هل تصمد شروط حماس أمام خطة السلام؟
ترامب

في قلب العاصفة السياسية التي تضرب الشرق الأوسط، برزت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة لتفتح بابًا جديدًا من الجدل والمساومة، فالوثيقة المكوّنة من عشرين بندًا، والتي تتراوح بين وقف إطلاق النار الفوري والإفراج عن المعتقلين، وصولًا إلى نزع سلاح حركة حماس وخروج مقاتليها من القطاع، وُصفت بأنها الأكثر شمولًا منذ بداية الحرب، لكنها في الوقت ذاته الأكثر إثارة للانقسام، داخل أروقة حماس، ما تزال النقاشات محتدمة، بين جناح يرى ضرورة الانخراط المباشر في الخطة أملاً بوقف شلال الدم، وآخر يتمسك بخطوط حمراء تتعلق بالمقاومة ورفض الإبعاد القسري. 

وبينما تتواصل مشاورات الدوحة والوساطات المصرية والقطرية والتركية، يبقى السؤال معلقًا، هل تنجح الحركة في تعديل البنود التي تراها تهديدًا لوجودها، أم ستجد نفسها أمام خيار المواجهة مع واشنطن وتل أبيب معًا؟

انقسام داخل حماس


تسعى حركة حماس في هذه الأيام إلى إعادة رسم موقفها من الخطة الأمريكية التي طرحها الرئيس دونالد ترامب لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة، في خطوة تعكس حجم الضغوط الإقليمية والدولية التي تواجهها الحركة منذ اندلاع المواجهات الأخيرة.

وبحسب مصادر فلسطينية مطلعة، فإن قيادة حماس أبدت تحفظات جدية على بعض البنود، وفي مقدمتها مطلب نزع السلاح وخروج مقاتليها من القطاع، معتبرة أن هذه الشروط تشكل مساسًا جوهريًا بمفهوم المقاومة الفلسطينية، وفقًا لـ"فرانس برس".

المصادر القريبة من دوائر صنع القرار في الحركة تكشف أن المشاورات الداخلية لم تصل بعد إلى قرار نهائي، حيث تتصارع رؤيتان داخل القيادة، الأولى تميل إلى الموافقة غير المشروطة على الخطة باعتبارها فرصة لوقف الحرب وتخفيف معاناة السكان، مع الرهان على أن الوسطاء سيضمنون التزام إسرائيل ببنود الاتفاق.

أما الرؤية الثانية، فهي أكثر تشددًا، وترى أن الانخراط في الخطة دون تعديلات واضحة سيمنح شرعية لاحتلال غزة ويفتح الباب لتجريم المقاومة، وهو ما تعتبره حماس خطًا أحمر.

حراك دبلوماسي مكثف


على الصعيد الإقليمي، شهدت الدوحة خلال الأيام الماضية، جولات تفاوضية مكثفة شارك فيها وسطاء قطريون ومصريون وأتراك، في محاولة لتقريب وجهات النظر وصياغة ضمانات تتيح للحركة قبول الخطة دون خسارة أوراقها السياسية والعسكرية.

وفي هذا السياق، تؤكد المصادر أن حماس اشترطت توفير ضمانات دولية واضحة للانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، وعدم السماح لتل أبيب بالالتفاف على وقف إطلاق النار.

الخطة التي طرحها ترامب تتألف من عشرين بندًا، أبرزها وقف فوري للحرب بمجرد موافقة الأطراف، الإفراج عن الرهائن والمعتقلين، تشكيل لجنة من التكنوقراط والخبراء الدوليين لإدارة القطاع، وإشراف مجلس يترأسه ترامب نفسه ويضم شخصيات دولية على غرار توني بلير.

كما تتضمن الخطة انسحابًا إسرائيليًا تدريجيًا من غزة مع الإبقاء على "حزام أمني"، وهو ما يثير مخاوف الفلسطينيين من تكريس تقسيم القطاع وتحويله إلى منطقة محدودة السيادة.

 

الموقف المصري


في القاهرة، برز الموقف المصري بوضوح باعتباره أحد الركائز الأساسية في التعامل مع خطة ترامب بشأن غزة، وزير الخارجية بدر عبد العاطي شدد في تصريحاته لوسائل إعلام سعودية، على أن الخطة، رغم ما تحمله من نقاط مثيرة للجدل، لا تخلو من عناصر إيجابية تستحق البناء عليها، مثل الدعوة إلى إنهاء الحرب بشكل فوري ورفض تهجير الفلسطينيين أو ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل. واعتبر أن هذه البنود تمثل أرضية يمكن أن تكون منطلقًا لأي تسوية سياسية مستقبلية.

لكن الوزير حذر في الوقت ذاته من خطورة التعاطي مع الخطة بسطحية، مشيرًا إلى أن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، وأن عملية التنفيذ هي المحك الحقيقي. 

فمصر ترى أن أي تسوية لن تُكتب لها الحياة ما لم تُدعَم بإرادة دولية قوية، تفرض التزامات واضحة على إسرائيل وتمنعها من التنصل أو الالتفاف على الاتفاق، خصوصًا في ما يتعلق بالانسحاب الكامل من غزة وعدم استخدام الحزام الأمني كذريعة للإبقاء على شكل من أشكال السيطرة.

عبد العاطي كان أكثر صراحة عندما تناول ملف التهجير، مؤكدًا أن القاهرة قولًا واحدًا لن تسمح بأي محاولة لإخراج الفلسطينيين من أرضهم، معتبرًا ذلك جريمة ترقى إلى مستوى التطهير العرقي. 

وأضاف: أن مثل هذه الخطوة لن تجد قبولًا لا في العالم العربي ولا لدى المجتمع الدولي، لأنها تتعارض مع القوانين الدولية ومع أبسط القيم الإنسانية.

وشدد على أن مصر، التي تفتح معبر رفح بشكل مستمر لإدخال المساعدات الإنسانية، لن تكون أبدًا بوابة لتهجير الفلسطينيين، بل على العكس، تعمل على أن يظل المعبر شريان حياة للقطاع المحاصر، كما لفت إلى وجود أكثر من سبعة آلاف شاحنة تنتظر العبور من الجانب المصري، محملاً إسرائيل المسؤولية القانونية والسياسية عن استمرار إغلاق المعابر وتعطيل وصول الإمدادات.

بهذا الموقف، وضعت القاهرة خطوطًا حمراء واضحة، فهي تؤكد دعمها لأي جهد ينهي الحرب، لكنها ترفض أن تكون الخطة الأمريكية وسيلة لتصفية القضية الفلسطينية أو فرض وقائع جديدة على الأرض على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية.

مهلة ترامب وضغوط أمريكية


في واشنطن، بدا ترامب أكثر تشددًا، إذ منح حماس مهلة لا تتجاوز أربعة أيام للرد، ملوحًا بعواقب وخيمة إذا رفضت الخطة، هذا الإنذار يعكس رغبة الإدارة الأمريكية في فرض جدول زمني ضاغط، إلا أن مصادر فلسطينية تؤكد أن الحركة تحتاج لوقت أطول لصياغة موقف رسمي يوازن بين الحفاظ على ثوابتها الوطنية وتفادي الدخول في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة.

المشهد الحالي يعكس توازنًا هشًا بين المصالح الدولية والإقليمية والمحلية. فمن جهة، تسعى واشنطن لفرض خطة قد تمنحها إنجازًا سياسيًا في ملف معقد طالما استعصى على الرؤساء الأمريكيين السابقين.

 ومن جهة أخرى، تجد حماس نفسها أمام امتحان وجودي يتعلق بقدرتها على المناورة دون خسارة شعبيتها أو سلاحها، وبين هذين الطرفين، تلعب مصر وقطر وتركيا دورًا محوريًا في صياغة تسوية قد تحفظ ماء وجه الجميع.