محللة سياسية: الصراع الراهن يلقي بظلاله السلبية على اقتصاد البلاد

أكدت محللة سياسية أن الصراع الراهن يلقي بظلاله السلبية على اقتصاد البلاد

محللة سياسية: الصراع الراهن يلقي بظلاله السلبية على اقتصاد البلاد
صورة أرشيفية

أزمات عديدة تواجه اقتصاد السودان الذي يعيش وطأة أزمات متصاعدة، يضاعفها الصراع العسكري المشتعل بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف (أبريل) الماضي، وما نتج عنه من انهيار شبه كامل لمنظومة الاقتصاد التي توقفت تماماً، فضلاً عن أعمال السرقة والنهب التي اجتاحت كافة المتاجر في مناطق مختلفة من البلاد، نتيجة تردي الوضع الأمني. 

أزمة اقتصادية

ويأتي هذا الصراع في وقت يعاني فيه السودان من أزمة اقتصادية طاحنة عصفت بمؤشرات الدولة الاقتصادية الكلية، وجعلتها في مواجهة مشكلات متشابكة انعكست على الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد، وتُفاقم عمليات القتال الجارية من معاناة الاقتصاد السوداني، مع ما يتكبده من خسائر تصل في بعض التقديرات إلى نصف مليار دولار يومياً.

أزمات ما قبل الصراع 

تقول سمر الباجوري المحللة بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات: إن الاقتصاد السوداني ما قبل اندلاع الصراع لم يكن في أفضل حالاته قبل التصعيد العسكري الحالي، لأنّه يعاني منذ عدة أعوام من تدهور سريع في مؤشراته، نتيجة ما يتسم به من اختلالات اقتصادية ظهرت بشكل أكثر وضوحاً منذ بداية عام 2018، مع التراجع الكبير والحاد في قيمة الجنيه السوداني، والذي تسبب في أزمة تتعلق بعدم توفير السلع الأساسية، وتراجع في الخدمات العامة. 

وتابعت المحللة السياسية: إنه بلغ معدل التضخم في (يناير) 2023 حوالي 83%، وهو يُعدّ مستوى أقل بكثير ممّا سجله السودان في عام 2021، والذي وصل حينها إلى 358.1%.

تفاقم الوضع الاقتصادي

ولفتت أنه يعود الارتفاع الكبير في معدلات التضخم على هذا النحو في السودان، إلى الإفراط في طباعة العملة المحلية "الجنيه" دون وجود أرصدة احتياطي نقدي كافية لدى البنك المركزي، وذلك بهدف توفير السيولة المطلوبة للإنفاق الحكومي المتزايد والذي يتسم بقدر كبير من عدم الكفاءة، سواء الإنفاق على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة أو الاستثمارات العامة في أوجه إنفاق غير تنموية، ذلك فضلاً عن انخفاض الإيرادات العامة، ولاسيّما الضريبية مع زيادة معدلات التهرب الضريبي، حيث مثّل هذا النوع من الإيرادات في (ديسمبر) 2021 حوالي 5.6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما نجم عنه ارتفاع العجز المتزايد في الموازنة العامة.

وأوضحت أنه تظهر بشكل جلي الاختلالات الهيكلية فيه على المستوى الداخلي والخارجي، فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسودان تراجعاً سنوياً، ليسجل معدل نمو سالب حتى قبل أزمة "كوفيد-19".

وأكدت أنه شهد الاقتصاد السوداني تراجعاً متواصلاً في أداء القطاعات الرئيسية والمتمثلة في الزراعة والصناعة، حيث تراجع معدل النمو السنوي للإنتاج الزراعي إلى أكثر من -2% نتيجة تدهور سياسات التمويل والتسويق الزراعي وكذلك انخفاض إنتاجية القطاع الزراعي، والأمر ذاته بالنسبة إلى قطاع الصناعة، الذي تراجع إنتاجه بسبب تدهور الظروف الاقتصادية ومشكلات عدم توافر النقد الأجنبي والسلع الرأسمالية والتمويل، حيث انخفض إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى أقلّ من 7% مقارنة بـ3% قبل (10) أعوام، كما أُغلقت حوالي 40% من المنشآت الصناعية في العامين الأخيرين.

كلفة الصراع 

وكشفت أنه سيُلقي الصراع الراهن بظلاله السلبية على اقتصاد البلاد، وعلى نحو يدفع إلى خفض توقعات التعافي التي وضعتها بعض المؤسسات الدولية له خلال عام 2023، وقد قُدّرت تكلفة الصراع الدائر في السودان بحوالي نصف مليار دولار يومياً، وفي تحليلات أخرى بنحو (10) مليارات دولار شهرياً، وبالرغم من صعوبة تقدير التكلفة الاقتصادية الحقيقية لهذا الصراع، فإنّه يمكن تحديد مؤشرات عامة للتكاليف المباشرة وغير المباشرة.

تأثير الصراع

وأوضحت أنه يأتي في مقدمتها تأثير الصراع في معيشة السودانيين، فقد شهدت الأيام الماضية ارتفاعاً كبيراً في أسعار الغذاء والسلع الأساسية وكذلك قلة المعروض منها، خاصة مع إغلاق المحال التجارية ومنافذ البيع مع احتدام القتال، وقُدّر الارتفاع في أسعار السلع الغذائية بنسب تتراوح بين 300% إلى 400%، فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار اللحوم إلى أكثر من (8) آلاف جنيه سوداني، ولا تقتصر التأثيرات على الأجل القصير فقط، وإنّما تؤثر مثل هذه الاشتباكات في الوضع الاقتصادي في السودان وأبنائه في الأجلين المتوسط والبعيد.

وأشارت أنه من المؤكد أن يؤثر الصراع الحالي في قطاع الزراعة الذي يعمل به حوالي 40% من إجمالي القوة العاملة في السودان، ويُعدّ مصدر معيشة للنسبة الأكبر من السكان، وأن الاشتباكات الحالية، خاصة مع استمرارها لفترات أطول، من شأنها أن تؤثر في الإنتاج الزراعي؛ ما ينعكس سلباً ليس فقط على المؤشرات الاقتصادية، وإنّما كذلك على أبعاد اجتماعية أكثر تعقيداً، يأتي في مقدمتها الأمن الغذائي، وجاء ذلك في الوقت الذي كان من المتوقع أن يعود فيه السودان مرة أخرى لتحقيق اكتفائه الذاتي من بعض المحاصيل الغذائية، وهو ما أشارت إليه منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) في 29 (مارس) الماضي بتعافي إنتاج السودان من الذرة الرفيعة والبيضاء هذا العام.

استمرار المواجهات

وأوضحت أن استمرار المواجهات العسكرية وما يترتب عليها من تأثيرات في المؤشرات الاقتصادية المرتبطة بتزايد الإنفاق العسكري، وانخفاض الإيرادات الضريبية، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي؛ سيؤدي إلى استمرار حالة التدهور التي يعاني منها الاقتصاد السوداني، ويؤثر بشكل حتمي في قدرته على سداد مديونيته الخارجية المتضخمة بالفعل والتي تجاوزت 202% من الناتج.