الصادق المهدي.. مسيرة صاخبة بالمعارضة ينهيها "كورونا"
بعد مسيرة حافلة بالعديد من المواقف السياسية البارزة، حتى تحول لوجه بارز للمعارضة بالسودان، التي تعاني من عدة أزمات، رحل زعيم حزب الأمة السوداني، الصادق المهدي، قبل ساعات.
وفاة الصادق المهدي
في صباح اليوم الخميس، أعلنت عائلة زعيم حزب الأمة السوداني، الصادق المهدي، وفاته عن 84 عامًا، حيث أصيب في نهاية أكتوبر الماضي بفيروس كورونا المستجد.
وبعد انتشار خبر الوفاة، خيمت حالة من الحزن على السودان، حيث تبارى الساسة والشعب في نعيه والتذكير بإسهاماته السياسية لأكثر من نصف قرن، وحرصه على مصلحة البلاد، حيث أعلن مجلس الوزراء الحداد العام لمدة ثلاثة أيام ابتداء من اليوم وتنكيس الأعلام في جميع مرافق الدولة ومؤسساتها داخل البلاد، والسفارات السودانية في الخارج.
وأصدر مجلس السيادة الانتقالي بيانًا رسميًا، أكد فيه أن المهدي "رجل من أهل السودان الأوفياء، بذل نفسه خدمة للقضايا الوطنية والسياسية والإنسانية وظل عطاؤه متصلاً طيلة عمره المديد".
كما نعاه رئيس الحكومة السودانية، عبدالله حمدوك، ببالغ الحزن والأسى، حيث وصف الراحل بأنه: "كان أحد أهم رجالات الفكر والسياسة والأدب والحكمة في بلادنا"، مضيفًا أن "المهدي كان دليلاً للديمقراطية، ونموذجاً للقيادة الراشدة، وصفحةً من الحلم والاطمئنان في زمان نُحت فيه السخط وتوالت الخيبات على صدر كتاب التاريخ، وبرحيل الإمام، انطفأ قنديلٌ من الوعي يستغرق إشعاله آلاف السنين من عمر الشعوب".
ونعاه أيضا منافسه وغريمه، زعيم الطائفة الختمية محمد عثمان الميرغني، حيث اعتبر وفاة الصادق المهدي خسارة كبيرة للسودان، وفقدًا للسياسة، قائلا: "حياة الفقيد كانت حافلة بالعطاء والنضال في مختلف الميادين محليا ودوليا"، ووصفه بأنه كان من القيادات الوطنية المخلصة للوطن والمواطن.
محطات في حياته
ولد الصادق المهدي، في ديسمبر عام 1935، في مدينة أم درمان، وحصل على الماجستير في الاقتصاد من جامعة أوكسفورد عام 1957، حيث برز حسه الوطني في ديسمبر 1935 في بيت مفجر الثورة المهدية، التي رسمت ملامح تاريخ السودان الحديث.
وفي عام 1950 ترك ثانوية فيكتوريا بالإسكندرية، وعاد للسودان ثم سافر إلى لندن ليلتحق بجامعة أكسفورد العريقة، التي درس فيها الاقتصاد والسياسة والفلسفة، وبعد عودته لبلاده عمل في وزارة المالية وتركها في نوفمبر 1958 احتجاجًا على الانقلاب، الذي نفذه الفريق إبراهيم عبود، الذي حكم السودان حتى اندلاع ثورة أكتوبر 1964.
العمل السياسي
انضم المهدي للمعارضة، في ستينيات القرن الماضي، حيث وكل عام 1961 مهمة رئاسة الجبهة القومية المتحدة، إحدى أكبر الفصائل الرافضة لنظام عبود، وقتها، ليتم انتخابه رئيسا لحزب الأمة، بعد 3 أعوام من ذلك، قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره، وهو المنصب الذي استمر فيه لحين وفاته.
مكنه ذلك الموقف، وبعد أحداث الـ21 أكتوبر 1964، التي كانت نقطة انطلاق لتغيير الأوضاع بالبلاد، حيث قاد جهود توحيد جميع الاتجاهات السياسية وجمعها خلف قيادة الأنصار في بيت المهدي، حيث قاد وقتها موكب التشييع وأم المصلين في جنازة الشهيد القرشي، الذي فجر الشرارة التي أطاحت بالنظام، فضلا عن كتابته مسودة ميثاق أكتوبر 1964 الذي أجمعت عليه القوى السياسية.
كما قاد حملة لتطوير السياسة السودانية والشعار الإسلامي وإصلاح الحزب في اتجاه الشورى والديمقراطية لتوسيع القاعدة الشعبية، ما أهله ليتم اختياره رئيسا للوزراء في حكومة ائتلافية مع الحزب الوطني الاتحادي في 25 يوليو 1966، خلفا للسيد محمد أحمد محجوب.
لم تسر الأمور على ما يرام للمهدي على الإطلاق، فمع تنامي مكانته، جرى انقلاب 25 مايو 1969م بقيادة جعفر محمد النميري، الذي أطاح به واعتقله ثم تعرض لمحاولة اغتيال، وتم نفيه إلى مصر ووضع تحت الإقامة الجبرية، ثم أعيد لسجن بورتسودان معتقلا حتى مايو 1973، وأطلق سراحه في سبتمبر 1973.
المهدي بين رفض التشريعية والبشير
وبعد عودته للحياة السياسية، رفض بشدة ما عُرف بـ"الثورة التشريعية" التي جرت في 8 سبتمبر 1983، حيث اعتبرها أكبر تشويه للشرع الإسلامي، وعقبة في سبيل البعث الإسلامي في العصر الحديث، ليتم اعتقاله من جديد على يد النظام المايوي، وأطلق سراحه في ديسمبر 1984، لينسجم من جديد مع الانتفاضة الشعبية لثورة إبريل 1985، التي شكلت حكومة انتقالية عمرها عام واحد وجرت خلاله انتخابات عامة حصل حزب الأمة فيها على الأكثرية، وانتخب السيد الصادق رئيسًا للوزراء .
وعقب ذلك، اعتقل الصادق المهدي للمرة الثالثة في يوليو 1989، عندما أطاح به المخلوع عمر البشير في انقلاب عسكري مدعوم بجماعة الإخوان، حينما كان بصدد تقديم مذكرة لقادة الانقلاب وجدت معه، وفي 1 أكتوبر 1989 تعرض للتصفية الصورية والتهديد، قبل أن يوقع مع قادة القوى السياسية الموجودين داخل السجن الميثاق الوطني.
وكان بذلك الصادق المهدي آخِر رئيس وزراء منتخب في السودان، وله العديد من المؤلفات التي تذخر بها المكتبة السودانية منها "مستقبل الإسلام في السودان" و "الإسلام والنظام العالمي الجديد" و "السودان إلى أين"، وسبق أن ترأس "قوى نداء السودان" وهو تحالف يضم أحزابا مدنية، وحركات مسلحة، ومنظمات مجتمع مدني.