المواطنون بلا حماية أو وقاية.. «فيروس كورونا» يقسو على «إدلب»
أهوال يعيشها السوريون في الشمال، زادها تفشي وباء كورونا بشكل غير مسبوق لم يستطع وقفه وجود حكومتين ودولة احتلال تسعى لفرض سيطرتها ونفوذها على سوريا، وتفاقمت الأزمة مؤخرًا بسبب النقص الواضح في المستلزمات الطبية وكذلك غياب الكوادر الطبية.. وأصبح الأمر في شمال سوريا وإدلب تحديدا ينذر بكارثة إنسانية خاصة مع شراسة فيروس كورونا في موجته الثانية فعدد الإصابات بفيروس كورونا في ازدياد، في محافظة إدلب وريفها، والتي تبلغ مساحتها الجغرافية 6100 كم2، ويقطنها اليوم 4 ملايين نسمة، بسبب نزوح اللاجئين من المناطق التي دمّرت في أكثر من مدينة ومنطقة في سوريا، وتشرف على إدارتها حكومتا "الإنقاذ" و"السورية المؤقتة"، المدعومتَان من تركيا دون أمل في إنقاذ ملايين السكان.
ملايين السوريين يعيشون في مخيمات غير آدمية شمال غرب سوريا
يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنّ المخيمات في شمال غرب سوريا تعاني من صعوبات كبيرة، لا سيما في فصل الشتاء، حيث ينتشر الطين وبرك الماء داخل المخيمات وعلى الطرقات التي تصل بين الخيام والمخيمات، كما يعاني سكان المخيمات في شمال غرب سوريا من الأرضية الترابية التي شيّدت عليها خيامهم، وتفتقر المخيمات للخدمات الأساسية، مثل مياه الشرب والصرف الصحي والمواد الإغاثية والمنشآت التعليمية والصحية وهي الأمور التي تزيد من صعوبة تنفيذ الإجراءات الاحترازية المطلوبة وعلى رأسها التباعد الاجتماعي والاهتمام بغسل اليدين واستخدام أدوات الوقاية الصحية.
وأكد المرصد أن أغلب المواطنين في أدلب لا يستطيعون شراء كمامة بسبب ارتفاع سعرها وانخفاض دخولهم، فسعر الكمامة يتراوح بين 20 و30 سنتًا في حين متوسط دخل العامل يوميًا لا يتجاوز الـ 2 لـ 3 دولارات.
ورصد المرصد السوري أيضاً "أوضاعاً مأساوية في مخيم يؤوي نازحين من أبناء ريف معرة النعمان الشرقي، والذي يقع غرب مدينة معرة مصرين، بالقرب من بلدة باتنتة شمال مدينة إدلب، يقطنه ما يقارب الـ 2000 شخص، يتوزعون في 450 خيمة، لا تقي ساكنيها برد الشتاء"، وبحسب المرصد، يعاني سكان المخيم من سوء الخيام التي شاركت النازحين منذ سنوات طويلة، حيث باتت مياه الأمطار لا تجد ما يعيقها لاختراقها والوصول إلى داخلها.
كما أشار المرصد إلى أنّ النازحين يعانون غياب دعم المنظمات الإنسانية، والصعوبة البالغة في تأمين مواد تدفئة آمنة، بسبب ارتفاع أسعارها، في حين يلجأ البعض إلى استخدام مواد بلاستيكية ونفايات و"كاوتشوك" الإطارات المستعملة والملابس، وتلك المواد التي لها مضارّ كبيرة على صحّة الإنسان، في ظلّ الواقع الصحّي المتدهور، بينما تمتلئ المراكز الصحية بالمرضى، في ظلّ انتشار وباء كورونا.
إمكانيات معدومة وطوابير الانتظار لإجراء المسحة بلا نهاية
من جانبها نشرت صفحة "مديرية صحة إدلب" على مواقع التواصل الاجتماعي، بتاريخ 22 نوفمبر، آخر إحصائياتها لإصابات فيروس كورونا في محافظة إدلب حتى يوم السبت، 12 نوفمبر الحالي، ليكون إجمالي الإصابات 7854، بينما حالات الشفاء 2630، والوفيات 63، والحالات النشطة 5137 وهي الأرقام التي تؤكد عدة جهات أنها لا تعكس الأرقام الحقيقية الكارثية لعدد المصابين.
ضعف الإمكانيات أكثر ما يعرض النازحين وأهل إدلب للمخاطر، فطوابير الانتظار لإجراء مسحة ضخمة للغاية، وأي شخص يشعر بأعراض الإصابة بفيروس كورونا ويذهب إلى المركز الطبي الرئيسي في إدلب لإجراء المسحة عليه الانتظار فترة تصل لشهر أو أكثر، وهي فترة تفوق بكثير ما يحتاجه الفيروس للقضاء على ضحاياه.
يقول أحمد لـ "حفريات": "انتابني الخوف عندما رأيت حالة الازدحام في المركز الطبّي، والخوف من أن أكون لست مصاباً بالفيروس، وأصاب بالعدوى من الناس الواقفين، والذين ينتظرون أن يأتي دورهم لإجراء المسحة والتحاليل الطبّية؛ لذلك عدت إلى البيت من دون إجراء المسحة".
أصبت بـ«كورونا» وطردت من عملي لأنني لم أستطع عمل مسحة
يقول حسن زيد، 34 عاما، سوري، اعتقد أن المنظمات الإغاثية والإنسانية العاملة في سوريا شعرت باليأس من تحسين أوضاعنا، فالظروف تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، والإمكانيات معدومة، مضيفًا، في البداية كانت المنظمات تتولى عملية التوعية بجانب تقديم دعم مادي وتوزيع أدوات التعقيم والوقاية الصحية مثل الكمامات والقفازات وغيرها، أما الآن أصبحت تقدم حملات توعية نظرية فقط.
وأضاف حسن، شعرت بأعراض الإصابة بفيروس كورونا، وذهبت إلى المركز الطبي لإجراء المسحة ولم أنجح في ذلك، حيث وجدت أنني يجب أن انتظر 211 حالة إجراء مسحة قبل أن أصل لدوري، وعندها قررت شراء الأدوية الخاصة بمصابي فيروس كورونا وعزل نفسي في المنزل لمدة أسبوعين على الأقل دون الحاجة إلى مسحة وتركت عملي وأخبرتهم بأنني أجريت المسحة وأن نتيجتها ظهرت كمسحة إيجابية وأحتاج لإجازة، وبعد التعافي حاولت العودة إلى عملي فطالبوني بتقرير المسحة للتأكد من صحة كلامي ومنذ ذلك الحين أنا بلا عمل بسبب عدم مقدرتي على عمل المسحة.
وتابع حسن، ورغم ما حدث أجد نفسي محظوظًا أكثر من الآخرين بسبب أن الفيروس الذي أصابني ليس قويا لدرجة قتلي في ظل حالة الإهمال الشديد وعدم توفر طبيب لسؤاله عن حالتي ومدى قدرتي على الصمود أمام المرض فآخرون تدهورت حالتهم بشدة ولقوا حتفهم بسبب غياب الرعاية الصحية.
حكومة الإنقاذ عاجزة.. وتأمرنا بارتداء الكمامات دون أن تخبرنا أين نجدها
في السياق ذاته، يقول عبد العزيز حسين، 41 عاما، الأعداد المعلنة للمصابين بفيروس كورونا في أدلب ليس لها علاقة بالواقع تمامًا، مضيفًا أن المراكز الطبية تحصي ما يقرب من 500 إصابة بشكل يومي ولكن في النهاية لا تصدر أعدادا موثقة إلا لمن يسعده حظه بإجراء المسحة في حين هناك الآلاف مصابين في منازلهم دون وجود رعاية صحية.
وأضاف حسين، ومع بداية الشتاء زادت الأمور صعوبة والأوضاع تدهورًا قبل الشتاء كانت الحالات عبارة عن إعياء شديد فقط، ولكن الأيام الماضية شهدنا زيادة غير طبيعية في أعداد حالات الوفاة بعضهم نتيجة جلطات وآخرون بسبب صعوبة التنفس.
وتابع حسين، ضعف الإمكانيات وغياب الكوادر الطبية أحد أبرز الأسباب بالإضافة إلى الفقر الشديد واستهتار الناس فالحكومة لم تعطل أعمالها بسبب انتشار الفيروس ويتعاملون باستهتار شديد، والمواطنون لا يستطيعون الالتزام بشراء الكمامات وارتدائها مما يزيد الطين بلة.
يقول حسين، إن معظم الأطباء في المراكز الصحية أخبروهم أن المراكز تقدم أقصى ما تستطيع ولكن الإمكانيات الضعيفة تعرقل عملهم خاصة أن الأطباء وقطاع التمريض يشهد يوميًا إصابات مختلفة تجبرهم على التوقف عن العمل والعزل المنزلي، مؤكدًا أن "حكومة الإنقاذ"، المدعومة من تركيا، لم تقدم للمواطنين أيّة خدمات طبية، بل اكتفت بنشر بيان طالبت فيه الناس بارتداء الكمامة، واتخاذ الإجراءات الوقائية، دون أن تخبرنا من أين نستطيع شراء الكمامات وكيف نتخذ الإجراءات الوقائية في ظل حالة الانفلات.