بين الانسحاب والمقايضة.. كواليس معركة المفاوضات بين تل أبيب وحماس في شرم الشيخ

بين الانسحاب والمقايضة.. كواليس معركة المفاوضات بين تل أبيب وحماس في شرم الشيخ

بين الانسحاب والمقايضة.. كواليس معركة المفاوضات بين تل أبيب وحماس في شرم الشيخ
حرب غزة

تسير مفاوضات شرم الشيخ بين حركة حماس وإسرائيل على خيطٍ مشدود بين الحرب والسلام، حيث تتأرجح الطاولة بين مطالب متناقضة وضغوط متزايدة، في ظل مبادرة أمريكية جديدة يقودها الرئيس دونالد ترامب. 

وبينما يتحدث البيت الأبيض عن “فرصة حقيقية لإنهاء الحرب في غزة”، تُظهر الوقائع أن الطريق نحو التسوية ما يزال مليئًا بالألغام السياسية والعسكرية.

تقرير وول ستريت جورنال ألقى الضوء على تفاصيل الخطة الأمريكية ذات البنود العشرين، والتي تُعِدّ واشنطن لتكون بوابة عبور نحو اتفاق طال انتظاره. لكن خلف عناوين الأمل، تتجلى حقائق معقدة، انسحاب تدريجي يثير شكوك إسرائيل، وصفقة تبادل رهائن وأسرى تُهدد بإشعال اليمين الإسرائيلي، وانقسامات داخل حماس بين السياسة والميدان. 

في هذه اللحظة الحساسة، يبدو أن كل طرف يفاوض تحت ضغط الزمن والخسائر، فيما تترقب المنطقة ما إذا كانت شرم الشيخ ستشهد اختراقًا تاريخيًا.. أم فشلًا جديدًا يمدّد النزيف.

خطة ترامب.. الأمل الأمريكي بين الألغام


تستند المفاوضات الجارية في شرم الشيخ إلى خطة أمريكية تتألف من عشرين بندًا، وضعها الرئيس دونالد ترامب في محاولة لإنهاء حرب غزة المستمرة.

الخطة، بحسب مصادر دبلوماسية، تقوم على مبدأ “الانسحاب التدريجي مقابل الإفراج المتبادل”، بحيث تبدأ إسرائيل بسحب قواتها على مراحل محددة، مقابل تسليم الرهائن الإسرائيليين لدى حماس.

لكنّ هذه البنود، التي تبدو على الورق خطوة نحو الاستقرار، تصطدم بتفاصيل ميدانية غاية في التعقيد. فحماس تحتجز نحو 20 رهينة إسرائيلية على قيد الحياة، إلى جانب جثامين 28 آخرين، وترى فيهم ورقة الضغط الأهم في يدها. 

وبمجرد تسليمهم، تخسر الحركة نفوذها التفاوضي، لذلك تطالب بجدول زمني واضح ودقيق يضمن انسحابًا إسرائيليًا كاملًا من غزة، مع حرية حركة لعناصرها خلال تنفيذ الاتفاق.

المعضلة الإسرائيلية.. انسحاب محفوف بالمخاطر

على الجانب الآخر، ترفض إسرائيل أي انسحاب مبكر قبل تحقيق “تفكيك كامل” لقدرات حماس العسكرية.

الخريطة التي قدمها ترامب تتضمن خطوطًا عامة للانسحاب، لكنها لا تحدد مواقع أو إحداثيات دقيقة، وهو ما تعتبره تل أبيب ثغرة أمنية خطيرة.

كما أن المرحلة الأولى من الخطة لا تتيح للفلسطينيين الوصول إلى الحدود المصرية، ما يبقي الحصار قائمًا بصورة جزئية، هذا البند تحديدًا أثار قلق القاهرة، التي تخشى من أن تبقي إسرائيل قواتها على طول الحدود مع مصر، بما يُعقّد أي ترتيبات أمنية مستقبلية ويضعف سيادة الدولة على المنطقة الحدودية الحساسة.

في محور آخر من التفاوض، تُطرح صفقة تبادل واسعة: الإفراج عن 250 أسيرًا فلسطينيًا، بعضهم أدين في قضايا قتل إسرائيليين، مقابل إطلاق سراح الرهائن.

لكنّ حماس تطالب بتوسيع القائمة لتشمل شخصيات بارزة مثل: مروان البرغوثي، الذي يُعد من رموز الحركة الوطنية الفلسطينية.
وتصرّ كذلك على استعادة جثامين قادتها الذين قُتلوا في غزة، وعلى رأسهم يحيى ومحمد السنوار، وهو مطلب رفضته إسرائيل أكثر من مرة.

من جهته، يدرك نتنياهو أن أي موافقة على هذه الصفقة ستثير عاصفة داخل حكومته اليمينية، وقد تُفجّر خلافات تهدد تماسك الائتلاف الحاكم.

معسكر المتشددين.. العقبة المشتركة


رغم أن نتنياهو وحماس أبديا قبولًا مبدئيًا بخطة ترامب، إلا أن العقبة الأبرز تأتي من “المتشددين” في كلا الطرفين، في إسرائيل، يضغط وزراء اليمين المتطرف لرفض أي تنازل، ويرون أن الإفراج عن الأسرى “يكافئ الإرهاب”.


أما داخل حماس، فبعض الأجنحة العسكرية ترفض فكرة “الصفقة الناقصة”، وتفضل استمرار القتال على تقديم تنازلات لا تحقق مكاسب ملموسة.

هذه المعارضة المزدوجة تجعل المفاوضات أشبه بسير فوق حافة الهاوية، حيث أي خطوة خاطئة قد تعني انهيار العملية بالكامل.

 حضور ثقيل على الطاولة


يعكس مستوى التمثيل في شرم الشيخ حجم الرهان السياسي القائم، فمن الجانب الإسرائيلي يشارك وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، أحد أكثر المقربين من نتنياهو، فيما يرسل ترامب صهره جاريد كوشنر والمبعوث ستيف ويتكوف.

أما وفد حماس فيضم خليل الحية ومحمد درويش، وكلاهما نجا مؤخرًا من غارة إسرائيلية في الدوحة، ما يضفي على حضورهما رمزية خاصة.

كما تنضم قطر وتركيا إلى الجهود الوسيطة؛ الأولى عبر رئيس وزرائها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والثانية من خلال رئيس استخباراتها إبراهيم قالن، في إشارة إلى أن التفاهمات المقبلة لن تكون ثنائية، بل إقليمية الطابع والتأثير.

ويرى دبلوماسيون، أن الضغط الأمريكي المباشر هذه المرة، قد يمنح جولة شرم الشيخ فرصة أفضل للنجاح مقارنة بمحاولات سابقة فشلت عند أول اختبار ميداني.

القاهرة على خط التوازن الدقيق يقول الدكتور محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية: إن الدور المصري في مفاوضات شرم الشيخ ليس مجرد وساطة تقليدية، بل هو جزء من معادلة أمن قومي معقدة تتقاطع فيها اعتبارات السياسة والجغرافيا.

ويضيف المنجي لـ"العرب مباشر"، أن مصر تدرك أن أي اتفاق غير متوازن بين حماس وإسرائيل قد ينعكس مباشرة على استقرار حدودها مع قطاع غزة، لذلك تسعى القاهرة لتأمين انسحاب إسرائيلي منظم يضمن وقف إطلاق النار، دون أن يؤدي في الوقت نفسه إلى فراغ أمني تستغله الفصائل المسلحة أو التنظيمات المتطرفة.

ويرى، أن القاهرة تحاول أن تكون “جسر الثقة” بين الأطراف المتنازعة، مستفيدة من علاقاتها القوية مع واشنطن وتل أبيب، ومن قدرتها على التواصل مع حماس من موقع غير عدائي.

ويؤكد المنجي، أن مصر تراهن على نجاح المفاوضات لتثبيت دورها كوسيط رئيسي في أي تسوية إقليمية قادمة، معتبرًا أن شرم الشيخ اليوم تمثل اختبارًا حقيقيًا للدبلوماسية المصرية، بين رغبتها في تحقيق اختراق سياسي، وحرصها على ألا تتحول حدودها إلى ساحة صراع جديدة.