غزة تنزف: كيف تغيرت الخريطة السياسية والإنسانية بعد 100 يوم من الحرب؟
تغيرت الخريطة السياسية والإنسانية بعد 100 يوم من الحرب
تدخل الحرب الإسرائيلية على غزة يومها المئة، دون أن تحقق إسرائيل هدفها المعلن في القضاء على حماس والسيطرة على القطاع، رغم الدمار الهائل الذي خلفته في المنطقة، وأثارت الحرب ردود فعل متباينة في المنطقة والعالم، فبينما تلقت غزة دعمًا شعبيًا وسياسيًا من بعض الدول والحركات، واجهت إسرائيل تحديات عسكرية وأمنية في جنوب لبنان وسوريا والعراق والبحر الأحمر، بالإضافة إلى الانتقادات الدولية لانتهاكاتها لحقوق الإنسان، «العرب مباشر» يستعرض أبرز التطورات والتداعيات التي أحدثتها الحرب على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي والإقليمي.
هجوم حماس صدمة ثم انتقام
في 7 أكتوبر، تفاجأت إسرائيل بأنها لم تكن مستعدة لهجوم «حماس» الذي أطلقته على قواعدها ومستوطناتها في غلاف غزة، وقع الهجوم في عيد الغفران «يوم كيبور» بما يحمله من ذكرى الهزيمة في حرب 1973، وتمكنت «حماس» من اختراق السياج الحدودي بسهولة، واحتجاز حوالي 250 رهينة، قبل أن يعودوا إلى غزة، وخلفوا وراءهم أكثر من 1200 قتيل إسرائيلي.
ردت إسرائيل بشكل عنيف، وأعلنت حالة الحرب، واستنفرت مئات الآلاف من جنود الاحتياط، وأرسلت جزءًا كبيرًا منهم إلى غزة، ونشرت جزءًا آخر على الحدود الشمالية؛ خوفًا من تدخل «حزب الله» من لبنان أو سوريا.
بعد أسابيع من القتال الشرس، استولى الجيش الإسرائيلي على معظم أراضي غزة، خاصة في الشمال، ولكن ذلك جاء بثمن فادح وكارثة إنسانية حيث قتل 23 ألف فلسطيني أغلبهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى دمار هائل في غزة (70 في المئة من البنية التحتية والمنشآت المدنية تم تدميرها). ومع ذلك، لا يزال جيش إسرائيل مصرًا على مواصلة الحرب، ويسعى إلى استعادة هيبته.
على الصعيد السياسي، أدى هجوم «حماس» إلى توحيد الطبقة السياسية الإسرائيلية المتناحرة، وتمكن زعيم «الليكود» بنيامين نتنياهو من تشكيل «حكومة حرب» مع خصمه الرئيسي في المعارضة بيني غانتس، في حين ظل خصمه الآخر يائير لبيد خارجها، ولم يتغير تأثير اليمين المتطرف على الحكومة، وقد أدلى وزراؤه بتصريحات عنصرية تدعو إلى تهجير غزة واستئناف الاستيطان. حتى بعض قادة اليمين المتطرف تحدثوا عن ضرب غزة بالسلاح النووي.
التحديات التي تواجه حماس
بعد أن شنت حماس هجومًا مفاجئًا على إسرائيل في 7 أكتوبر، قالت الحركة إنها حققت انتصارًا تاريخيًا، ومع ذلك، لم يدم الاحتفال طويلًا، حيث ردت إسرائيل بحملة عسكرية شرسة ضد غزة.
وبعد 100 يوم من الحرب، تظهر النتائج أن حماس لا تزال قادرة على مقاومة الجيش الإسرائيلي، لكنها تدفع ثمنًا باهظًا على المستويين العسكري والمدني، فقد خسرت حماس الآلاف من مقاتليها وأنفاقها الإستراتيجية، في حين الخسائر الأكبر كانت من نصيب المدنيين نتيجة القصف والحصار وخطر التهجير.
غزة بعد 100 يوم من الحرب
مع استمرار الحرب، تتزايد الضغوط الدولية لإيجاد حل سياسي للأزمة في غزة، وتشمل بعض الخيارات المطروحة إعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، أو إجلاء قادة حماس إلى الخارج، أو إقامة دولة فلسطينية في إطار حل الدولتين.
وتواجه كل هذه الخيارات معارضة من جانب إسرائيل أو حماس أو السلطة الفلسطينية أو الولايات المتحدة، ويقول الفلسطينيون إنهم مستعدون للمشاركة في حل شامل يحقق حقوقهم الوطنية وينهي الاحتلال الإسرائيلي، ويمكن أن يتم ذلك بإشراك حماس في منظمة التحرير الفلسطينية والاعتراف بإسرائيل.
العنف الإسرائيلي في الضفة
في ظل الحرب الدائرة في غزة، تشهد الضفة الغربية موجة من الاعتداءات الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل أكثر من 347 فلسطينيًا حتى الآن. وتستهدف العمليات الإسرائيلية، تدمير البنى التحتية للفصائل الفلسطينية في الضفة، خاصة في المخيمات المزدحمة.
الاستيطان الإسرائيلي وتهديده للضفة
بالإضافة إلى الجيش، يقوم المستوطنون الإسرائيليون بشن هجمات يومية على الفلسطينيين وتخريب مزروعاتهم وقتلهم أحيانًا أمام الجنود. كما يستغلون الحرب في غزة لتوسيع نفوذهم على الضفة الغربية، بواسطة تمديد المستوطنات أو إنشاء نقاط استيطانية جديدة.
الضفة على حافة الانفجار
وفقًا لتقارير متنوعة، تقف الضفة اليوم على حافة انفجار يهدد بفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل، ويطالب الفلسطينيون بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولتهم المستقلة في الضفة وغزة والقدس الشرقية.
«حزب الله» وإسرائيل: تصعيد محسوب أم حرب محتملة؟
في أعقاب هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر، رفع حزب الله درجة التوتر في جنوب لبنان، وهي منطقة كانت هادئة نسبيًا منذ النزاع العسكري في عام 2006، حيث نفذ الحزب عمليات هجومية ضد أهداف إسرائيلية قريبة من الحدود؛ ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى وتشريد عشرات الآلاف من سكان شمال إسرائيل، التي أطلقت ردًا عنيفًا، أسفر عن مقتل عشرات من عناصر الحزب، بمن فيهم قيادات رفيعة.
لكن يبدو أن «حزب الله» لا يسعى إلى حرب شاملة مع إسرائيل للدفاع عن حليفته «حماس»، خصوصًا أنه أوضح مرارًا أنه لم يكن على علم بعملية «الطوفان» قبل حدوثها، ومع ذلك، تزعم إسرائيل أنها تستعد لحرب ضد الحزب إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في إجباره على الابتعاد عن حدودها.
وعلى الرغم من أن الضربات بين الطرفين تظل محسوبة حتى الآن، فإنها كانت على وشك الانفلات مرتين على الأقل، الحادثة الأولى كانت بعد أيام قليلة من هجوم 7 أكتوبر في غزة، حينما أرسلت إسرائيل طائراتها لقصف لبنان بناء على معلومات استخبارية تفيد بأن حزب الله يخطط لهجوم مماثل لهجوم حماس في غزة.
وقد تدخلت الولايات المتحدة آنذاك لمنع الضربة، أما الحادثة الثانية المحتملة فكانت عندما اغتالت إسرائيل بضربة جوية قادة حماس في معقل حزب الله بالقرب من بيروت، لكن الحزب اكتفى بالتهديد بالثأر.
وفي الوقت نفسه، شهدت جبهة الجولان السوري تصعيدًا مشابهًا، لكنه أقل شدة بكثير، حيث تم تسجيل محاولات لإطلاق صواريخ على إسرائيل التي زادت من هجماتها داخل سوريا مستهدفة بشكل خاص قادة حزب الله والحرس الثوري، مثل العميد سيد رضا موسوي.
الأميركيون تحت النار
أثارت الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة توترات جديدة بين الولايات المتحدة وبعض الفصائل الشيعية الموالية لإيران في العراق وسوريا؛ فقد شنت هذه الفصائل هجمات متكررة على القواعد الأميركية في البلدين معتقدة أنها بذلك تضع ضغوطاً على إسرائيل لإنهاء عدوانها، بما أن الولايات المتحدة هي حليفتها الرئيسية.
وقد استخدمت الفصائل الصواريخ والطائرات المفخخة لاستهداف القواعد الأميركية الرئيسية في العراق، كقاعدة عين الأسد وقاعدة الحرير، وفي سوريا، كقاعدة حقل العمر وقاعدة التنف وقاعدة الشدادي.
وقد ردت الولايات المتحدة على هذه الهجمات بشن غارات جوية على مواقع لـ«الحشد الشعبي»، وتمكنت من قتل عدد من القيادات البارزة في الجماعات المسؤولة عن الهجمات على جنودها.
وأدى هذا التصعيد العنيف بين الجانبين إلى دفع الحكومة العراقية لطرح قضية وجود التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، وإعلان رغبتها في الدخول في مفاوضات لتحديد موعد انسحابه من البلاد.
الحوثيون يشعلون البحر الأحمر
أعلنت جماعة الحوثي اليمنية، التي تتلقى دعمًا من إيران، أنها أطلقت صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه إسرائيل (إيلات) تضامنًا مع غزة، التي تتعرض لهجمات إسرائيلية مستمرة، لكن القوات البحرية والجوية الأميركية والبريطانية والإسرائيلية تمكنت من اعتراض معظمها قبل وصولها إلى أهدافها.
فردت الجماعة اليمنية بزيادة حدة هجماتها لتشمل سفنًا تجارية في البحر الأحمر، زاعمة أنها تابعة لإسرائيل أو متعاونة معها، لكن الحقيقة أن الكثير من هجماتها أصابت سفنًا ليس لها صلة بإسرائيل.
أثار خطر الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر قلق الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى، وعندما لم يستجيبوا -الحوثيون- للمطالبات بوقف الهجمات، شنت القوات الأميركية والبريطانية ضربات جوية وبحرية واسعة النطاق على مواقع الحوثيين داخل اليمن، لكن الحوثيين أصروا على أن ذلك لن يمنعهم من مواصلة إطلاق صواريخ ومسيّرات جديدة دعمًا لغزة.