كيف نجحت كوريا الجنوبية في تجنب انهيار ديمقراطي؟
كيف نجحت كوريا الجنوبية في تجنب انهيار ديمقراطي؟
في تطور سياسي مفاجئ، شهدت كوريا الجنوبية واحدة من أكبر الأزمات الدستورية منذ عقود، بعد إعلان الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية بحجة مواجهة "تهديدات معادية للدولة"، القرار الذي أثار استياء البرلمان والمجتمع الدولي فتح المجال لساعات من التوتر الحاد بين السلطات التشريعية والتنفيذية، قبل أن تنجح الديمقراطية في استعادة زمام الأمور، الأزمة لم تكن مجرد خلاف سياسي داخلي، بل كانت اختبارًا لقدرة المؤسسات الكورية على الصمود في وجه محاولات تعطيل القانون.
*قرار صادم*
في صباح يوم الثلاثاء، أعلن الرئيس يون الأحكام العرفية، متذرعًا بتهديدات قال إنها تمس الدستور.
القرار جاء في وقت حساس، حيث تواجه حكومته انتقادات واسعة بسبب قضايا فساد مزعومة تتعلق بزوجته ومسؤولين في حكومته، خطوة يون وُصفت من قبل المعارضة بـ"الانقلاب"، مما زاد من حالة الانقسام السياسي.
لم يقتصر رفض القرار على أحزاب المعارضة فقط، بل امتد ليشمل قيادات بارزة في الحزب الحاكم نفسه.
زعيم الحزب، هان دونج هون، أعرب عن استيائه من الخطوة التي اعتبرها متسرعة وغير قانونية.
البرلمان الكوري الجنوبي، الذي يسيطر عليه حزب المعارضة، عقد جلسة طارئة وصوت بالأغلبية لإلغاء القرار.
*المواجهة داخل البرلمان*
شهد البرلمان الكوري الجنوبي مواجهات محتدمة بين جنود مكلفين بفرض الأحكام العرفية وموظفي البرلمان الذين تصدوا لمحاولة اقتحام المبنى باستخدام أدوات بسيطة كطفايات الحريق.
المشهد تصاعد بشكل درامي عندما تدافع الموظفون والجنود في الممرات المؤدية إلى القاعة الرئيسية، ما أثار حالة من الفوضى تخللتها هتافات مناهضة للأحكام العرفية من النواب الحاضرين.
هذه المواجهات العلنية بين جناحي السلطة التشريعية والتنفيذية أثارت اهتمامًا عالميًا واسعًا، إذ بثت وسائل الإعلام لقطات مباشرة تُظهر حجم الاحتقان السياسي والتهديد الذي طال الديمقراطية في البلاد.
*ضغط دولي حاسم*
لم تكن الأزمة محصورة في الداخل فقط، إذ سارعت الولايات المتحدة لإصدار بيان يعبر عن "قلق عميق"، مؤكدة أهمية احترام سيادة القانون، كما طالبت الأمم المتحدة عبر متحدثها الرسمي بضرورة الالتزام بالدستور الكوري.
في موسكو، أعرب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف عن قلق روسيا من إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية، واصفًا الوضع بأنه "مقلق للغاية".
وأكد بيسكوف، أن الخطوة تثير تساؤلات جدية، خصوصًا مع الاتهامات الداخلية التي وصفت الإجراء بأنه غير دستوري.
على الجانب آخر، أصدرت السفارة الصينية في سيول بيانًا يدعو المواطنين الصينيين إلى توخي الحذر في ظل الظروف السياسية الراهنة.
كما حثت السفارة مواطنيها على البقاء هادئين وتقليل تنقلاتهم غير الضرورية، مع تعزيز يقظتهم فيما يتعلق بسلامتهم الشخصية وتجنب المشاركة في أي نقاشات سياسية.
*خلفيات سياسية أعمق*
منذ توليه منصبه في مايو 2022، واجه الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول تحديات مستمرة أثرت على شعبيته بشكل ملحوظ. أحد أبرز أسباب هذا التراجع يعود إلى رفضه المستمر فتح تحقيقات مستقلة في فضائح متعددة، شملت اتهامات فساد مرتبطة بأفراد من حكومته وأقرب حلفائه السياسيين، إضافة إلى قضايا مثيرة للجدل تتعلق بزوجته.
على صعيد آخر، سيطر البرلمان الذي تقوده المعارضة على المشهد السياسي، ما شكل عائقًا أمام تمرير أجندته التشريعية.
هذه الأجواء المتوترة أضافت مزيدًا من التعقيد للعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حيث تفاقمت الخلافات إلى درجة وصف البعض المشهد السياسي بأنه الأكثر احتقانًا منذ عقود.
*كيف انتهت الأزمة؟*
في مواجهة الضغوط المحلية والدولية، خاصة مع إدانات من قوى المعارضة ودعوات المجتمع الدولي لاحترام سيادة القانون، أعلن الرئيس يون في ساعات متأخرة من مساء الثلاثاء التزامه بقرار البرلمان الذي ألغى الأحكام العرفية.
تراجع يون عن هذا الإجراء جاء أيضًا مدفوعًا بخسارته دعم عدد من حلفائه السياسيين، بمن فيهم زعيم حزبه هان دونغ هون.
إلى جانب ذلك، دعا الرئيس إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، في محاولة لاحتواء التداعيات السياسية والإعلامية التي أثارتها الأزمة، والتخفيف من آثار الانقسام المتزايد بينه وبين البرلمان.
ورغم انتهاء الأزمة بقبول يون قرار البرلمان، إلا إنها أثارت تساؤلات عميقة حول استمرارية التعاون بين الرئيس والمعارضة، فضلًا عن مستقبل الاستقرار السياسي في كوريا الجنوبية.
*عزل الرئيس*
من جانبها، أعلنت أحزاب المعارضة في كوريا الجنوبية أنها تقدمت بطلب لعزل الرئيس، وقال ممثلون لـ6 أحزاب يتقدمها الحزب الديمقراطي، وهو أبرز أحزاب المعارضة - في خطاب مباشر-: "لقد تقدمنا بطلب عزل تمّ تحضيره على عجل"، مشيرين إلى أنهم سيدرسون موعد طرحه على التصويت، إلا إن ذلك قد يحصل الجمعة.
من جانبه، دافع المكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية، الأربعاء، عن قرار فرض الأحكام العرفية التي أثارت أزمة سياسية في البلاد، مؤكدًا أنها تأتي ضمن الإطار الدستوري، وأوضح مكتب الرئيس أن هذا القرار هدفه حماية اقتصاد البلاد.