أسطول الظل.. سلاح روسيا الغامض يعبر البحار ويهدد أوروبا

أسطول الظل.. سلاح روسيا الغامض يعبر البحار ويهدد أوروبا

أسطول الظل.. سلاح روسيا الغامض يعبر البحار ويهدد أوروبا
أسطول الظل

في مشهد جديد من الحرب التي تجاوزت حدود الميدان الأوكراني، يتهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي موسكو بشنّ "هجمات رمادية" على أوروبا عبر ما يُعرف بـ"أسطول الظل" — شبكة غامضة من الناقلات والطائرات المسيّرة التي تتحرك في الخفاء، وتعمل في مناطق رمادية بين الحرب والسلام، فبينما تنشغل العواصم الأوروبية برصد تحركات موسكو العسكرية في الجبهات الشرقية، تتسلل هذه العمليات المجهولة إلى قلب القارة، مستهدفة منشآت وممرات بحرية حساسة.

 زيلينسكي، يرى أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بتمويل الحرب الروسية عبر تهريب النفط، بل بمحاولة مدروسة لإرباك أوروبا وإضعاف تماسكها الداخلي، ومع تصاعد المخاوف الأمنية، تتسع دائرة الشكوك، من يقود فعلاً هذا الأسطول، وهل باتت حرب الظلال الروسية على وشك الانكشاف؟

 حرب جديدة بلا جبهات واضحة


منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، سعى الكرملين إلى توسيع أدوات المواجهة خارج ساحة القتال التقليدية، مستخدمًا أدوات اقتصادية وتقنية واستخباراتية لضرب خصومه بطرق غير مباشرة.

وخلال الأسابيع الأخيرة، أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى مؤشرات خطيرة تدل على أن موسكو تدير شبكة عمليات سرية تحت مظلة ما يُسمّى بـ"أسطول الظل" — منظومة من السفن التجارية التي تنقل النفط بعيدًا عن أعين الرقابة الدولية، وتُستخدم - حسب وصفه - في أنشطة تخريبية داخل أوروبا.

 الطائرات المسيّرة.. الوجه الجديد للحرب الرمادية

قال زيلينسكي -في كلمته المصوّرة، مساء الثلاثاء-: إن بعض هذه السفن استخدمت لإطلاق طائرات مسيّرة مجهولة المصدر باتجاه مناطق في شمال أوروبا، مشيرًا إلى رصد نشاط غير مألوف في دول مثل الدنمارك وألمانيا خلال الأسابيع الماضية.

وبحسب معلومات استخباراتية نقلتها كييف إلى شركائها الغربيين، فإن هذه الهجمات تهدف إلى اختبار القدرات الدفاعية الأوروبية وخلق حالة من الارتباك السياسي والأمني داخل الاتحاد الأوروبي.

ورغم أن موسكو نفت أي صلة لها بهذه الأنشطة، إلا أن الصمت الأوروبي إزاء الأدلة المتزايدة يعكس حرجًا سياسيًا بالغًا، خصوصًا في ظل الخشية من أن يؤدي إعلان رسمي إلى تصعيد دبلوماسي جديد مع روسيا.

"أسطول الظل".. اقتصاد الحرب وسلاحها الخفي

نشأت فكرة "أسطول الظل" مع فرض العقوبات الغربية على صادرات النفط الروسي عقب غزو أوكرانيا. إذ لجأت موسكو إلى استخدام أسطول من الناقلات القديمة المسجّلة في دول وسيطة لنقل النفط سرًا عبر مسارات معقّدة، متجنّبة العقوبات والأسعار المحدّدة من الغرب.

لكن الجديد -وفق تحليل مراقبين- هو انتقال هذا الأسطول من دوره الاقتصادي إلى أداة ذات طابع أمني وعسكري.
 فكل ناقلة، بحسب التقديرات، يمكن أن تُستخدم منصة لإطلاق مسيّرات أو لتخزين معدات مراقبة، ما يجعلها سلاحًا متحركًا يصعب تتبعه في البحار المفتوحة.

الرواية الروسية.. اتهام معاكس وتشكيك

في المقابل، حاول ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، قلب الاتهامات، ملمّحًا إلى أن أوكرانيا ربما تسعى لجرّ أوروبا إلى صدام مباشر مع روسيا عبر عمليات "استفزازية" تنفذها بنفسها.

وأشار ميدفيديف إلى أن كييف تمتلك بالفعل قدرات مسيّرة بعيدة المدى، ويمكنها استغلالها لإثارة أزمة جديدة في القارة، مستبعدًا أن تكون روسيا معنية بفتح جبهة إضافية مع الغرب في هذا التوقيت الحرج.

ورغم أن هذه الرواية تتماشى مع الخطاب الروسي التقليدي الذي يصوّر كييف كأداة في يد الغرب، إلا أن تزايد التقارير الغربية عن نشاط غير طبيعي لسفن مرتبطة بروسيا يجعل رواية موسكو موضع شك كبير.

زيلينسكي شدّد -في ختام كلمته- على أن بلاده تشارك شركاءها الغربيين بالمعلومات التي حصلت عليها، داعيًا إلى "تحرّك ملموس" لردع موسكو.

في حين أشار إلى اجتماعات ومشاورات مرتقبة — بعضها علني وآخر سري — لم يكشف الرئيس الأوكراني عن تفاصيلها، في إشارة إلى أن كييف تسعى لإدارة المعركة في بعدين: الميدان والاستخبارات.

المراقبون يرون أن الخطوة المقبلة قد تكون فرض قيود جديدة على الأسطول الروسي غير الرسمي، وربما تشكيل قوة أوروبية بحرية لمراقبة المسارات الملاحية المريبة في بحر الشمال وبحر البلطيق.

لكن التحدي الأكبر يظل في إثبات المسؤولية المباشرة، خاصة وأن العمليات تتم في فضاء ضبابي بين الجريمة المنظمة والحرب الإلكترونية والاستخباراتية.

حرب التأثيرات المركبة


من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أن ما يُعرف بـ"أسطول الظل" يمثل أحد أكثر فصول الحرب الروسية تعقيدًا، فهو ليس مجرد شبكة نقل نفط غير مشروعة، بل نموذج متكامل لما يمكن تسميته بـ"حرب التأثيرات المركّبة"، حيث تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية مع الأدوات الاستخباراتية.

ويؤكد فهمي -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن موسكو — التي تجيد العمل في المساحات الرمادية — تستخدم هذا الأسطول لتحقيق هدف مزدوج: الالتفاف على العقوبات الغربية من جهة، وخلق حالة من التشويش الاستراتيجي داخل أوروبا من جهة أخرى، عبر عمليات توصف بأنها "تحت العتبة" لا ترقى إلى مستوى الحرب التقليدية لكنها تُحدث تأثيرًا ملموسًا.

ويشير إلى أن الطائرات المسيّرة المنطلقة من هذه السفن ليست بالضرورة عمليات عسكرية مباشرة، بل أدوات لجسّ نبض الدفاعات الأوروبية وقياس سرعة الاستجابة، وهو ما يجعلها رسائل سياسية أكثر منها عسكرية.

ويختتم فهمي تحليله، بالتأكيد أن "أسطول الظل" يعكس تحوّل الحرب الروسية إلى نمط غير متماثل، يعتمد على الإرباك والتمويه والضغط النفسي، محذرًا من أن أوروبا إذا لم تتعامل مع هذه الظاهرة بجدّية، فقد تجد نفسها قريبًا أمام مواجهة مفتوحة مع خصم يجيد القتال من خلف الستار.