الوجود الروسي في إفريقيا.. هل تصبح ليبيا بوابة موسكو الجديدة؟.. خبراء يجيبون
الوجود الروسي في إفريقيا.. هل تصبح ليبيا بوابة موسكو الجديدة؟.. خبراء يجيبون

تصاعدت التحركات الروسية في ليبيا خلال الأشهر الأخيرة، ما أثار جدلاً واسعاً حول أهداف موسكو الحقيقية في المنطقة، فمنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، برزت ليبيا كوجهة رئيسية لروسيا لتعزيز نفوذها العسكري واللوجستي في إفريقيا، مستفيدة من علاقتها القوية مع الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر.
التقارير الاستخباراتية وصور الأقمار الاصطناعية كشفت عن قيام روسيا بتوسيع قواعدها العسكرية في جنوب وشرق ليبيا، مستقدمة معدات متطورة من قواعدها في سوريا، مما دفع القوى الإقليمية والدولية إلى دق ناقوس الخطر، وفي الوقت الذي ترى فيه موسكو ليبيا بوابةً استراتيجية للنفوذ في القارة، تزداد المخاوف الغربية من أن يؤدي هذا الانتشار إلى مزيد من التعقيد في المشهد الأمني والسياسي، خصوصاً في ظل ارتباط الوجود الروسي بالتحولات الجيوسياسية الأوسع التي تشهدها المنطقة.
*روسيا تعيد تموضعها في ليبيا*
لعبت روسيا دورًا خفيًا في ليبيا لسنوات، عبر مجموعة "فاغنر"، لكنها عززت وجودها مؤخرًا بعد التراجع النسبي لدورها في سوريا، فقد كشف تقرير صادر عن موقع "مليتاري أفريكا" المتخصص في الشؤون العسكرية، أن موسكو أنشأت قواعد لوجستية متطورة في جنوب ليبيا، بالقرب من الحدود مع تشاد والسودان، ونقلت إليها معدات عسكرية متقدمة من قواعدها في سوريا.
هذه التحركات تعكس رغبة روسيا في تثبيت موطئ قدم استراتيجي، يمكنها من التأثير في الأوضاع الإقليمية بشكل أوسع، بما يشمل قضايا الهجرة غير الشرعية، وتجارة الذهب واليورانيوم، فضلاً عن التمركز في قلب البحر الأبيض المتوسط.
*قلق وتحذيرات أوروبية*
يرى محللون، أن توسع روسيا في ليبيا ليس مجرد تحرك عسكري بل هو جزء من رؤية استراتيجية تشمل تعزيز نفوذها في إفريقيا ككل، بعد نجاحها في تثبيت وجودها في مالي والنيجر وإفريقيا الوسطى عبر "الفيلق الإفريقي" الذي حل محل مجموعة "فاغنر".
لكن هذا التحرك يثير قلق القوى الأوروبية، خاصة إيطاليا وفرنسا، اللتين تريان أن موسكو باتت على مقربة من حدود القارة الأوروبية عبر البحر المتوسط، مما قد يعقد جهود ضبط تدفق المهاجرين غير الشرعيين، ويمنح روسيا ورقة ضغط جديدة في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي.
وفي السياق ذاته، يشير المحلل السياسي الليبي، محمد امطيريد، أن موسكو لا تكتفي بالوجود العسكري، بل تسعى أيضًا إلى لعب دور مؤثر في تشكيل المستقبل السياسي لليبيا، وهو ما يفسر دعمها لمشاركة أنصار نظام معمر القذافي في أي ترتيبات سياسية مقبلة.
هذا الدور قد يمنحها نفوذاً إضافياً في مجلس الأمن، حيث يمكنها التأثير على القرارات الدولية بشأن ليبيا.
*تحالف مصالح أم شراكة استراتيجية؟*
رغم التحذيرات الغربية، تمكنت روسيا من بناء علاقة قوية مع قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، الذي يُنظر إليه على أنه مفتاح النفوذ الروسي في المنطقة. فموسكو، التي وفرت له دعماً عسكرياً ولوجستياً، ترى فيه حليفًا يتيح لها تعزيز موقعها في ليبيا، بينما يجد حفتر في التعاون مع روسيا فرصة لتعزيز موقعه السياسي داخليًا وإقليمياً.
لكن هذا التحالف يواجه ضغوطًا غربية، حيث تحاول دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا إقناع حفتر بالابتعاد عن موسكو، أو على الأقل تقليص نفوذها في المناطق التي يسيطر عليها.
ومع ذلك، يبدو أن روسيا مستعدة للبقاء لفترة طويلة، مدركة أن ليبيا تمثل بالنسبة لها ورقة رابحة، سواء في صراعها الجيوسياسي مع الغرب، أو في سعيها لترسيخ نفوذها في إفريقيا.
الجزائر.. بين القلق من المرتزقة والعلاقة المتوازنة مع موسكو
من جانبها، تبدو الجزائر معنية بشكل مباشر بالتطورات العسكرية الروسية في ليبيا، حيث صرّح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مقابلة مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، أن بلاده ترفض أي وجود لقوات مرتزقة على حدودها، في إشارة ضمنية إلى قوات الفيلق الإفريقي التابعة لروسيا.
لكن في المقابل، يؤكد مراقبون، أن الجزائر رغم مخاوفها من تزايد النشاط الروسي قرب حدودها، لا ترى في موسكو تهديدًا مباشرًا، بل تعتبرها شريكًا استراتيجيًا في العديد من الملفات، خاصة في ظل التعاون العسكري والاقتصادي بين البلدين، ومع ذلك، فإن استمرار التوسع الروسي في ليبيا قد يفرض تحديات جديدة على دول الجوار، وسط مخاوف من أن تتحول ليبيا إلى ساحة صراع بين القوى الدولية.
من جانبه، يقول المحلل السياسي الليبي، محمد امطيريد، إن التوسع الروسي في ليبيا يمثل خطوة استراتيجية تعكس تحولات موسكو في سياستها الخارجية تجاه إفريقيا، مستفيدة من الفراغ الأمني في البلاد والتنافس الدولي على النفوذ.
وأكد امطيريد في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن موسكو تدرك أهمية ليبيا ليس فقط كقاعدة عسكرية، ولكن أيضًا كنقطة انطلاق لتعزيز وجودها في القارة، خاصة بعد أن فقدت بعض نفوذها في سوريا نتيجة التغيرات الإقليمية والدولية، مضيفًا أن هذا الوجود الروسي لا يقتصر على الدعم العسكري لحفتر، بل يتجاوز ذلك إلى بناء تحالفات أوسع تشمل الفصائل المؤيدة لنظام القذافي السابق، مما يمنحها قدرة على التأثير في مستقبل البلاد السياسي، وربما التأثير على قرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا.
ويضيف أن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لن يسمح بسهولة بترسيخ النفوذ الروسي في ليبيا، مشيرًا أن المرحلة القادمة قد تشهد تصعيدًا دبلوماسيًا وربما خطوات عملية تهدف إلى تحجيم الدور الروسي في البلاد، خاصة مع مخاوف الأوروبيين من أن يؤدي هذا النفوذ إلى تعزيز الهجرة غير الشرعية، وتهديد المصالح الغربية في البحر المتوسط.