ضربات أمريكية تعرقل جبايات الحوثيين وتكشف هشاشة قبضة الجماعة المالية
ضربات أمريكية تعرقل جبايات الحوثيين وتكشف هشاشة قبضة الجماعة المالية

وسط عاصفة الغارات الأميركية التي تستهدف قيادات ومواقع حوثية، تتكشف ثغرات متزايدة في منظومة الجبايات التي بنتها الجماعة على مدى سنوات من السيطرة.
فبينما تواصل الميليشيا فرض الإتاوات على المواطنين تحت ذرائع دعم "المجهود الحربي"، أجبرت الضربات الأخيرة قادة بارزين في صفوفها على الاختباء وتجميد تحركاتهم، ما انعكس مباشرة على نشاطهم الجبائي الذي طالما كان أداة لتمويل الحرب وإخضاع المجتمع.
توقف قسري لأنشطة تحصيل الأموال في بعض المناطق، قابلته موجة احتجاجات محلية وتمرد شعبي جزئي، كشف عن حجم السخط المتنامي من سياسات النهب الحوثي المنهجي.
لكن المؤشرات لا تنبئ بانفراجة طويلة، فالجماعة، رغم اضطرارها للتراجع في مواقع محددة، تسعى لإعادة ترتيب صفوفها وربما استئناف حملات التحصيل بأثر رجعي.
هذا التقرير يسلط الضوء على التحولات الجارية في سلوك الجماعة، ويحلل توازن القوى بينها وبين المجتمع المحلي، في ظل التصعيد العسكري الأميركي والانهيار التدريجي للثقة الشعبية.
*توقف الجباية*
منذ تصاعد وتيرة الغارات الجوية الأميركية التي استهدفت قيادات ومواقع استراتيجية للحوثيين، شهدت آليات جمع الجبايات التي اعتمدت عليها الجماعة لتغذية حربها تراجعًا ملحوظًا، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرتها في صنعاء وذمار وحجة.
وفي الوقت الذي استمرت فيه عمليات فرض الإتاوات على التجار والمزارعين وسائقي الشاحنات، اضطر العديد من القيادات الحوثية الميدانية إلى تقليص تحركاتهم، تجنبًا للاستهداف المباشر؛ مما أثر سلبًا على شبكات التحصيل غير الرسمية التي تشرف عليها تلك القيادات.
مصادر تجارية في صنعاء أفادت بأن شخصيات نافذة في الجماعة، كانت مسؤولة عن إدارة ملفات الجباية وابتزاز التجار، دخلت في حالة من التخفي الأمني، ونقلت مقارها السكنية والإدارية بشكل متكرر، خشية التتبع الأميركي.
ونتيجة لذلك، توقفت بعض قنوات التحصيل التي كانت تجري بصورة شبه يومية، ولا سيما تلك التي تُنفذ لصالح قيادات بعينها، خارج إطار الجهاز الضريبي الحوثي الرسمي.
ورغم هذا التراجع، لم تختفِ الجبايات تمامًا، إذ استمرت الجماعة في تكليف عناصر أخرى بتنفيذ حملات جمع الأموال، مع التركيز على صغار التجار والفئات الضعيفة.
ووفقًا لمصادر محلية، فإن هذا التوجه أتى في إطار استراتيجية "توزيع المخاطر"، التي تتبعها الميليشيا منذ بدء الضربات الأميركية، لتقليل احتمالية استهداف شخصياتها المؤثرة أثناء مهام التحصيل.
*احتجاجات شعبية*
وفي تطور لافت، شهدت محافظة ذمار حركة احتجاج واسعة النطاق قادها سائقو شاحنات نقل الرمل، احتجاجًا على رسوم جديدة فرضتها الجماعة تحت ذريعة دعم المعركة ضد "أميركا وإسرائيل".
الإضراب، الذي استمر قرابة شهر، أصاب قطاع البناء بالشلل، وأجبر الحوثيين على التراجع وإلغاء تلك الجبايات، في رضوخ نادر يعبّر عن هشاشة موقع الجماعة أمام ضغط شعبي منظم.
ويُنظر إلى هذه الحادثة كمؤشر على قدرة المجتمع المحلي، إذا ما توحّد، على إحداث ثغرات في منظومة السيطرة الحوثية، لا سيما في ظل ارتباك داخلي تمر به الجماعة بسبب الضربات الأجنبية.
لكن ناشطين في المحافظة حذّروا من أن هذا التراجع قد يكون تكتيكيًا ومؤقتًا، خاصة مع استعداد الجماعة للعودة إلى فرض الإتاوات فور انحسار الغارات.
في محافظة حجة، اتسع نطاق المواجهة بين الجماعة والمزارعين، بعد أن فرضت الأخيرة جبايات جديدة على مزارعي نبتة "القات"، الأمر الذي قوبل بمظاهرات ووقفات احتجاجية.
رد الجماعة كان عنيفًا؛ فقد شنت حملة اختطافات طالت العشرات من المزارعين والأعيان الذين تضامنوا معهم، ووجهت لهم اتهامات بالتخابر مع "العدو الأميركي والإسرائيلي"، في محاولة لكتم الأصوات المعارضة وتخويف الآخرين.
ولم تقتصر التجاوزات على مناطق الشمال، ففي محافظة إب، تعرض أحد الباعة لاعتداء وحشي من قبل عناصر حوثية بعد رفضه دفع ما سُمّي بـ"رسم الحماية"، ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة.
لم تكتفِ الجماعة بالاعتداء الجسدي، بل اقتحمت منزل الضحية واعتدت على والدته للحصول على المبلغ المطلوب، في مشهد يعكس مستوى التجاوز والانفلات الأمني الذي بلغته الجماعة.
وعلى نقاط التفتيش الممتدة على مداخل صنعاء، يتعرض سائقو الشاحنات لابتزاز يومي بذريعة مخالفات مرورية، تصل غراماتها إلى نحو 90 دولارًا للمخالفة الواحدة.
وتُحتسب هذه المبالغ على أساس سعر صرف ثابت تفرضه الجماعة، يتناقض مع واقع السوق، ما يزيد من حجم الاستنزاف المالي للسكان.
*المصدر الرئيسي للتمويل*
كل هذه الوقائع تُظهر أن الحوثيين، ورغم الضغوط العسكرية الخارجية والاحتجاجات الشعبية الداخلية، ما يزالون يعتمدون بشكل أساسي على الجبايات كمصدر رئيسي للتمويل.
لكن في ظل تكثف الاستهداف الأميركي، ومع تزايد الاحتقان المجتمعي، يبدو أن معادلة "الحرب مقابل المال" التي طالما اعتمدت عليها الجماعة بدأت تواجه تحديًا حقيقيًا، قد يعيد رسم حدود سلطتها في المرحلة المقبلة.