ضباب الشتاء يخفي ما هو أخطر.. مناورة إسرائيلية وسط مخاوف من رد حزب الله
ضباب الشتاء يخفي ما هو أخطر.. مناورة إسرائيلية وسط مخاوف من رد حزب الله
في لحظة تتقاطع فيها التكتيكات العسكرية مع الحسابات السياسية الدقيقة، أطلقت إسرائيل مناورة عسكرية واسعة تحمل اسم "الدفاع والقوة"، لتفتح بذلك فصلًا جديدًا في التوتر المتصاعد على حدودها الشمالية، هذه المناورة التي تجري في بيئة جغرافية معقدة تشمل الجولان وجبل دوف، لا تأتي مجرد تدريب روتيني، بل تعكس حالة استنفار عميقة يعيشها الجيش الإسرائيلي منذ اغتيال القيادي العسكري البارز في حزب الله هيثم الطبطبائي، ومع أن الطقس الشتوي الرديء قد يحجب الرؤية، إلا أنه يكشف عن الكثير من المخاوف المتبادلة، وسط تقديرات إسرائيلية بأن الحزب قد يستغل هذا الغطاء الطبيعي لتنفيذ هجمات نوعية، في المقابل، يعزز سلاح الجو الإسرائيلي دفاعاته ويعيد تموضعه.
الدفاع والقوة
أعلن الجيش الإسرائيلي عن إطلاق مناورة "الدفاع والقوة" التي تستمر يومين وتشمل سلسلة تدريبات عملياتية وتكتيكية تهدف إلى رفع مستوى الجاهزية على المستويين القيادي والميداني. وتشرف قيادة الأركان بشكل مباشر على هذه المناورة التي بدأت باختبار جاهزية الفرقة 210 المسؤولة عن جبهة حساسة، تمتد على تماس مباشر مع الحدود السورية واللبنانية، يتركز جزء كبير من التمرين على كيفية اتخاذ القرارات السريعة في لحظات الطوارئ، بالإضافة إلى إدارة مسرح عمليات واسع قد يشهد تطورات مفاجئة.
وتشهد المناطق المرتفعة في الجولان وجبل دوف حركة نشطة للقوات والآليات العسكرية، فيما تُسمع أصوات انفجارات ناتجة عن تدريبات حية، كما يسجل السكان المحليون نشاطًا مكثفًا للطائرات الحربية والمسيّرات، في مؤشر على أن سلاح الجو يلعب دورًا محوريًا في سيناريوهات المناورة، ولا سيما تلك التي تتعلق بتأمين الحدود الشمالية من أي عمليات اختراق جوي أو صاروخي محتمل.
خطوط الاشتباك
مصادر إسرائيلية نقلت عنها صحيفة جيروزاليم بوست أكدت أن مستوى التأهب ارتفع بشكل استثنائي على الحدود مع لبنان، هذا التصعيد في الإجراءات الأمنية جاء عقب اغتيال هيثم الطبطبائي، أحد أبرز القادة الميدانيين في حزب الله، والذي لعب دورًا محوريًا في تطوير قدرات الحزب في لبنان وسوريا وحتى في الساحة اليمنية عبر علاقاته الوثيقة بالحوثيين.
اغتيال رجل بهذا الوزن داخل منطقة تُوصف بأنها من الأكثر تحصينًا أمنيًا في جنوب لبنان، أعاد فتح ملف خطوط الاشتباك بين الطرفين، وربما رسم ملامح مرحلة جديدة من تبادل الرسائل.
تخوفات من رد حزب الله
في سياق متصل، كشفت صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية في الشمال عُزّزت تحسبًا لاحتمال إطلاق صواريخ من داخل الأراضي اللبنانية، رغم عدم وجود معطيات مؤكدة تشير إلى نية الحزب تنفيذ هجوم مباشر، ومع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي يتعامل مع كل سيناريو محتمل، خاصة في ظل الظروف الجوية التي قد توفر غطاءً تكتيكياً للتحرك.
التقديرات العسكرية التي بثّتها إذاعة الجيش الإسرائيلي أشارت إلى أن رد حزب الله قد يتخذ أشكالًا عدة، منها إطلاق رشقات صاروخية بعيدة المدى تستهدف العمق الإسرائيلي، أو تنفيذ عملية تسلل محدودة لاستهداف مواقع عسكرية في القطاع الشمالي، أو حتى محاولة إرباك الجيش عبر تحريك وحدات صغيرة في جنوب لبنان، وهناك أيضًا سيناريو يلوّح بإمكانية دخول الحوثيين على خط التصعيد؛ نظرًا لعلاقة الطبطبائي الوثيقة بهم، واحتمال سعيهم للانتقام عبر ضرب أهداف إسرائيلية بقدراتهم المسيّرية أو الصاروخية.
في المقابل، لا تستبعد الدوائر الإسرائيلية خيار "اللا رد"؛ أي أن يختار حزب الله عدم الرد الفوري، وترك الميدان مفتوحًا أمام حسابات سياسية وإقليمية أكبر، خصوصًا في ظل ضغوط داخلية وخارجية يتعرض لها الحزب، وهذا الخيار وإن بدا أقل احتمالًا في نظر البعض، إلا أن تاريخ المواجهات بين الطرفين يظهر أن الحزب يتعامل ببراغماتية محسوبة، ينتظر اللحظة المناسبة ويختار توقيت الرد بما يخدم أهدافه الاستراتيجية.
سيناريو حرب متعددة الجبهات
لكنّ الأهم في تقديرات الخبراء وفقًا للصحيفة الإسرائيلية هو أن الضربة الأخيرة، بما تحمله من دلالات، قد تكون مؤشرًا على تحول نوعي في قواعد الاشتباك، إذ يبدو أن إسرائيل باتت أكثر جرأة في استهداف قيادات الصف الأول داخل مناطق نفوذ الحزب، وهو ما يفتح الباب أمام مرحلة أكثر حساسية، خاصة إذا اعتبر حزب الله أن استهداف كوادره داخل مناطق شديدة التحصين يشكل اختراقًا لا يمكن تجاهله.
من جهة أخرى، يرى محللون إسرائيليون أن المناورة الحالية لا تنفصل عن الاستعداد لسيناريو حرب متعددة الجبهات، وهو سيناريو يزداد حضوره في النقاشات الأمنية الإسرائيلية منذ سنوات، فإسرائيل اليوم لا تتعامل مع تهديد حزب الله فحسب، بل مع شبكة من القوى المتحالفة معه في المنطقة، من غزة إلى اليمن مرورًا بالعراق وسوريا.
وبالتالي، فإن كل مناورة، مهما بدت محدودة، تُعد جزءًا من منظومة أكبر تهدف إلى اختبار الجاهزية الشاملة لأي مواجهة واسعة.
ومع أن الحدود الشمالية شهدت على مدار الأشهر الأخيرة حالة من "الهدوء الحذر"، إلا أن التوترات الأخيرة تعيد إحياء المخاوف من تصعيد مفاجئ. وفي ظل استمرار الرسائل العسكرية المتبادلة، تبدو الساحة مهيأة لتطورات عديدة قد تحدد شكل المرحلة المقبلة.

العرب مباشر
الكلمات